عاجل - أول رد من ن إنستا باي على تعطل خدماتها    ترامب يطالب إسرائيل بضرب المنشآت النووية الإيرانية    6 شهداء وعدد من الجرحى في قصف مخيم النصيرات ودير البلح    حزب الله يعلن استهداف 23 موقعا لجيش الاحتلال    قصف إسرائيلي جديد يستهدف بيروت.. وتحذير عاجل من الاحتلال    سيرا على الأقدام.. استمرار دخول الوافدين من لبنان إلى سوريا بعد القصف الإسرائيلي    سيراميكا كليوباترا يكشف أسباب فشل انتقال هذه الصفقة إلى الزمالك    أول ظهور ل مؤمن زكريا مع زوجته بعد تصدره «الترند».. والجمهور يدعو لهما    درجات الحرارة في مدن وعواصم العالم اليوم.. والعظمى بالقاهرة 31    عاجل - حقيقة تحديث « فيسبوك» الجديد.. هل يمكن فعلًا معرفة من زار بروفايلك؟    سلمى الجيادي تودع «كاستنج».. وعمرو سلامة: أنتِ شاطرة    مهرجان «الموسيقى العربية» يفقد بريقه!    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 5-10-2024 في محافظة البحيرة    ميدو يكشف كواليس مثيرة بشأن رفض نجم بيراميدز الانتقال إلى الزمالك    سعر الريال السعودي اليوم في البنك الأهلي عقب ارتفاعه الأخير مقابل الجنيه المصري    حرب أكتوبر.. أحد أبطال القوات الجوية: هاجمنا إسرائيل ب 225 طائرة    غارة إسرائيلية جديدة على الضاحية الجنوبية في بيروت    خرجت عن السيطرة، وسائل إعلام أمريكية تكشف المستور بين الولايات المتحدة وإسرائيل    بالأدلة، وكيل القندوسي يدافع عن تصريحات اللاعب ضد الأهلي    وفاة جورج قرداحي في القصف الإسرائيلي على لبنان.. ما حقيقة الأمر؟    مصادر بالمركزي: انتظام خدمة إنستاباي بعد إصلاح عطل بسيط في السيستم    صحة المنوفية: تنظم 8365 ندوة على مستوى المحافظة لعدد 69043 مستفيد    الكشف ب 300 جنيه، القبض على طبيبة تدير عيادة جلدية داخل صيدلية في سوهاج    أعراض الالتهاب الرئوي لدى الأطفال والبالغين وأسبابه    الكويت.. السلطات تعتقل أحد أفراد الأسرة الحاكمة    اندلاع حريق داخل مصنع بالمرج    حبس تشكيل عصابي متخصص في سرقة أسلاك الكهرباء واللوحات المعدنيه بالأأقصر    إجراء تحليل مخدرات لسائق أتوبيس تسبب في إصابة 8 أشخاص بالسلام    تناولتا مياة ملوثة.. الاشتباه في حالتي تسمم بأطفيح    جثة على رصيف 10 بمحطة مصر.. والشرطة تحدد هويته    ندى أمين: هدفنا في قمة المستقبل تسليط الضوء على دور الشباب    عمرو أديب عن حفل تخرج الكليات الحربية: القوات المسلحة المصرية قوة لا يستهان بها    الحوار الوطني| يقتحم الملف الشائك بحيادية.. و«النقدي» ينهي أوجاع منظومة «الدعم»    تفاصيل مرض أحمد زكي خلال تجسيده للأدوار.. عانى منه طوال حياته    عمرو أديب عن مشاهد نزوح اللبنانيين: الأزمة في لبنان لن تنتهي سريعا    تراجع أسعار الذهب في محلات الصاغة بنهاية تعاملات الجمعة.. هل يواصل الانخفاض؟    دعاء قبل صلاة الفجر لقضاء الحوائج.. ردده الآن    ميدو: تصريحات القندوسي غير منضبطة وتحرك الأهلي «هايل»    ميدو: عدم الاستعانة ب سام مرسي في المنتخب أمر غير منطقي    لمدة 12 ساعة.. قطع المياه عن عدد من المناطق بالقاهرة اليوم    الجيش الأمريكي: نفذنا 15 غارة جوية على أهداف مرتبطة بجماعة الحوثي اليمنية    المصرية للاتصالات: جاهزون لإطلاق خدمات شرائح المحمول eSim    «مش كل من هب ودب يطلع يتكلم عن الأهلي».. إبراهيم سعيد يشن هجومًا ناريًا على القندوسي    هيغضب ويغير الموضوع.. 5 علامات تدل أن زوجك يكذب عليكي (تعرفي عليها)    معتز البطاوي: الأهلي لم يحول قندوسي للتحقيق.. ولا نمانع في حضوره جلسة الاستماع    عبداللطيف: طه إسماعيل قام بالصلح بيني وبين محمد يوسف بعد إصابتي في سوبر 94    رئيس جامعة الأزهر: الحروف المقطعة في القرآن تحمل أسرار إلهية محجوبة    البابا تواضروس الثاني يستقبل مسؤولة مؤسسة "light for Orphans"    لمدة 5 أيام.. موعد صرف مرتبات شهر أكتوبر 2024 وحقيقة تبكيرها (تفاصيل)    عز يرتفع من جديد.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم السبت 5 أكتوبر 2024    «ممكن تحصلك كارثة».. حسام موافى يحذر من الجري للحاق بالصلاة (فيديو)    تفاصيل الحلقة الأولى من "أسوياء" مع مصطفى حسني على ON    رشا راغب: غير المصريين أيضًا استفادوا من خدمات الأكاديمية الوطنية للتدريب    تناولت مادة غير معلومة.. طلب التحريات حول إصابة سيدة باشتباه تسمم بالصف    عظة الأنبا مكاريوس حول «أخطر وأعظم 5 عبارات في مسيرتنا»    بمشاركة 1000 طبيب.. اختتام فعاليات المؤتمر الدولي لجراحة الأوعية الدموية    أذكار يوم الجمعة.. كلمات مستحبة احرص على ترديدها في هذا اليوم    «وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ».. موضوع خطبة الجمعة اليوم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نموذجا تونس ومصر في سقوط المثقف

في مقالة سابقة تناول صاحب هذه السطور توصيف مثقف السلطة من حيث المفهوم والتصنيف، وأكّد على ذلك بنموذج يمني، وفي هذه المقالة يتناول ظاهرة سقوط المثقف المتعلق بأهداب السلطة في النموذجين التونسي والمصري، وذلك على النحو التالي:
أولاً: نموذجان من السقوط الثقافي في الدرس التونسي:
يبدو أن الثورة التونسية ابتداءً كشفت هذا الصنف من المثقفين وعرّتهم أبرز ما يكون. وكشاهد محدود على ذلك – وما أكثر الشواهد- لعل أكثرنا تابع ذلك المثقف التونسي البئيس المدعو (برهان بسيس)، الذي ظهر على شاشة الجزيرة الفضائية قبل أقل من ثلاثة أيام من سقوط نظام سيّده (ابن علي) أي في 11/1/2011م، حيث سقط سيّده ونظامه في 14/1/2011م، منافحاً ومسفّهاً لكل حديث عن فساد النظام التونسي وقرب سقوط الطاغية هنالك، واصفاً لذلك بالوهم، واستمات في الدفاع عن الوضع القائم، ووصفه بشتى سمات العظمة والتحديث والتمدّن( راجع: نص الحوار على موقع الجزيرة الفضائية
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/C878FEB0-8C1D-4D48-8C5D-3247AE3B99CB.htm)
وعبثاً حاول محاوره الحرّ السفير الجزائري الأسبق محمّد العربي زيتوت الذي يؤثر وصفه حالياً ب(الخبّاز)، لأنه آثر الحرّية في العمل الحرّ ولو كان (خبّازاً) على العمل الدبلوماسي مادام تبعية واستعباداً، وبعد أن سقط النظام التونسي ورمز طغيانه، على ذلك النحو الدراماتيكي المثير الذي فاجأ الجميع -من هذه الزاوية- صرنا لاندري أنشفق على المثقف البائس هذا لعلّه – وأمثال- يتذكّر أو يخشى؟ أم نتفكّه بموقفه ليكون عبرة لمن قد يفكّر من الجيل الناشئ أن يسلك مثل هذه الدروب المخزية؟
المثقف الحرباء:
وأبأس من ذاك وأكثر شناعة ذلك (الحرباء) التونسي( أعتذر عن ذكر اسمه خلافاً للسابق وللمنهج العلمي معاً الذي يقضي باضطراد المنهح، لأن الأوصاف الواردة في حقّه من التشخيص والوضوح معاً ما يجعله مُدركاً لكل متابع)، الذي فتح وعائلته – حسب تصريحه نفسه- قناة له في أوروبا، بعد أن بارت صحيفته- فيما يظهر- فلم يجد بدّا من أن يستبدلها بقناة فضائية متلفزة، تحمل اسم الصحيفة، لأنها أكثر ربحاً وتسويقاً، وأقل عناء وكلفة – فيما يبدو- ولا مشكلة في ذلك من هذه الزاوية لو وقف الأمر عند حدودها، غير أن قاصمة الظهر أنّه اتخذ من القناة أداة في الدعاية والتسويق لأنظمة سياسية شمولية مهترئة، وقد يبتزها إذا لزم الأمر، كما كان يسلك أثناء الصحيفة أحياناً، كما أصبحت تلك القناة معول هدم فتاكّ للوحدة الإسلامية، بدعوى مناقشة قضايا الخلاف العقدي، وجمع فِرق الأمة على (مذهب كلّي واحد)، وكأن خلافات الأمّة الكبرى نشأت بالأمس القريب، أو في العام الفائت، لا أن جذورها ترجع إلى منتصف القرن الهجري الأول، أي بعد وفاة النبي الأعظم محمّد – صلى الله عليه وسلّم- وذلك غير البحث عن سبل التقارب، والتركيز على القواسم المشتركة، كما تفعل حوارات التقريب- على سبيل المثال- . يتقمّص ثوباً ليس له، فيقدِّم ذاته مفكّراً كونياً تارة، وداعية عالمياً للدفاع عن حقوق الإنسان أخرى، وإماماً للوحدة الإسلامية ثالثة، ولكنه سرعان ما ينكشف حين يسقط في الترويج لأنظمة مشتهرة بالقمع والفساد وانتهاك حقوق الإنسان، أولها نظام (ابن علي)، بدءاً من أطروحته للدكتوراة عام 1996م، التي لفّق فيها جملة من الأكاذيب والافتراءات والمغالطات على مدرسته الفكرية التي كان ينتمي إليها، وتركها – لأسباب تخصّه- عام 1992م ، حسبما ورد في سيرته الذاتية، وضدّ رموزها وفي مقدّمتهم شيخه الأسبق الشيخ (راشد الغنوشي)، ليصفها ب(العنف)، لعلّه يكفِّر بذلك عن انتمائه السابق إليها، ويقنع نظام الطاغية (ابن علي) بتوبته النصوح، فتغدو هذه الأطروحة (الزائفة) عربون ولاء جديد للنظام الذي كان قد حكم عليه يوماً ضدّ كل من ثبت انتماؤه إلى حركة النهضة.
تأمّل في نموذج المثقف السلطوي حين يسعى لتضليل الرأي العام بأن قناته حرّة مفتوحة لكل الأصوات، وأنها منبر للدفاع عن حرّية الرأي والتعبير، ثم تأتي الكارثة الفاضحة وهي أحداث تونس الأخيرة، أي الانتفاضة التي أفضت إلى سقوط النظام التونسي ورمز طغيانه في 14/1/2011م، ويشاء الله أن تنطلق من محافظته نفسها ( سيدي بو زيد)، لكن القناة تقف لأكثر من أسبوعين متجاهلة تماماً كل الذي يجري في تونس، وصاحبها هو الذي ما إن يسمع بحادثة تستأهل الذكر أو لا تستأهل التركيز أحياناً هنا أو هناك إلا ويفتح لها الملفات التي قد تأخذ أياماً وأسابيع أحياناً، على حين أن أبناء بلده بل محافظته التي ولد فيها ( سيدي بو زيد) يقتلون في الشوارع كل يوم، ويتعرّضون لأبشع أنواع القهر والتعذيب بعد الاعتقال، على يد نظام (بوليسي) سيئ السمعة، وما ذلك إلا ظناً منه أنّه سيتمكن النظام القمعي هناك من القضاء عليها في ظرف يوم أو يومين، أو أسبوع إن طال الأمد، لكنه صعق حين مر أكثر من أسبوعين والمسيرات تمتد وتتواصل حتى بلغت العاصمة، والنقابيون وكل أطياف المجتمع يعلنون تضامنهم مع مطالب أبناء ( سيدي بو زيد)، ووكالات الأنباء والقنوات الفضائية تنقل الأحداث منذ بدايتها، وبعضها بدأ في النقل المباشر كذلك، وحين وجد نفسه محرجاً ومحاصراً، وقناته تبحث – في العادة- ب(الفانوس) عن أي حدث لتغطي فراغ بثها خاصة، وأنها تنقسم أحياناً إلى قناتين بعنوانين مختلفين، ( ويشير في سيرته الذاتية إلى أنّه أسس قناتين عربيتين) ما تلبث إحداهما أن تختفي بعد ظهورها لساعات كل يوم (ولله في خلقه شئون) !!. حين وجد الأمر على ذلك النحو، وبعد مرور أكثر من أسبوعين بدأ بالحديث الخجول عن أحداث بلاده، ولكن أتدرون مع من؟ ليس مع أبناء بلده أو محافظته المظلومين، وليس حتى مع ممثل للسلطة وآخر من المتظاهرين أو دعاة التغيير في بلده، من قبيل الرأي والرأي الآخر – مع أنّه لامجال هنا لرأي يقف مع القهر والعسف على ذلك النحو- أتدرون مع من؟ إنه – ويا للفضيحة- مع وزير التنمية في نظام (ابن علي) ومع أمين عام حزبه( التجمع الدستوري) وهكذا!! ليصل الأمر ذروته قبيل سقوط الطاغية بيومين حيث يبدأ في تبشير جماهير المشاهدين بأن يترقّبوا بعد ساعات الحوار الهام والتاريخي الذي خصّ به (الرئيس زين العابدين بن علي) قناة (...)، ويأتي الحديث (الخاص) للقناة (موضع الثقة) وسواء اجتباها الطاغية من بين سائر القنوات(المحلية) والعربية و(الأجنبية)، أم سارع إلى ذلك مثقفه (المخلص الوفي) ليأتي حديثه كالعادة استخفافاً بالمتظاهرين، وتوعّداً بسحقهم إن لم يعودوا إلى (الرشد)، ووعوداً (زائفة) بتفهم المطالب (المعقولة). ثمّ يأتي دور المثقف السلطوي (مدير القناة)، ليشعرك بمدى الافتخار الذي يعتليه لحصوله على هذه الثقة، ويستطرد في الثناء المباشر وغير المباشر، ثم يفتح خطوط الهاتف للتعليق ولكن (في اتجاه واحد)، على حوار (السيد رئيس الجمهورية). ومما يؤكّد أنها اتصالات موجّهة ماصرّح به مدير القناة ذاته، حيث قال بأنّه قد حصر الاتصالات الواردة فوجدها بلغت عشرين اتصالاً، منها ثمانية عشر (هكذا) كلّها تؤيد بقاء الوضع مع إصلاحات محدودة، على حين اختلف مع هذا الاتجاه اتصالان فقط!!! وأبعد من ذلك وأغرب ما ورد على لسان المدير (المفكّر الكوني والمنافح الأكبر عن حقوق الإنسان ضد الأنظمة البوليسية خارج بلده وبعض البلدان ذات الخصوصية)، تعليقاً على حديث بعض المشاهدين فيما لم يورده ضمن نص الحوار، إذ قد ورد في الاتصال الشخصي بينه وبين (الرئيس) - كما قال وفي سياق إيراد مناقب بن علي وفضائله- أن (الرئيس) لم يكد يصدّق، حين علم بأن رجاله الذين يتفقّدون أحوال الرعيّة اكتشفوا أن (عائلة) تونسية ما، في مكان ما من أرض تونس، لا تأكل اللحم منذ زمن، ليعرب (الرئيس ابن علي)عن ألمه العميق، ويعلن تضامنه الفوري معها، فامتنع عن اللحم من لحظة سماعه الخبر!!!!! هكذا ومعذرة لمشاعرك – قارئي العزيز- ولو كان المدير (المثقّف) أميناً وواثقاً لأودع ذلك الحوار وتعليقه والمشاهدين بنصّه على موقع القناة الإلكتروني، كما يباهي بتميّز قناته وموقعها عادة.
ثم يسقط الطاغية ويتهاوى نظامه، على نحو فاجأ الجميع، وفي مقدّمتهم رجاله داخل تونس وخارجها، ومنهم صاحبنا (المثقف الكبير والمفكّر الكوني) فهل واصل الرجل موقفه في الدعم والتأييد، أم تنبّه لخطيئته فاعتذر على التو وتاب، كلّا بل ركب الموجة الجديدة، وراح يقدّم نفسه أول مقاوم لنظام ابن علي المستبد البائد، وذهب لينتقي على مدى أيام شذرات من حوارات متناثرة في فترة معيّنة، وكأنه أدرك مدى سخط التونسيين خاصة والمشاهدين عامة، عليه وعلى قناته ، فيأتي بعدد جدّ محدود من أصدقائه (الشخصيين)، وغالباً ما يستضيفهم في قناته – وكفى بذلك قدحاً في موضوعية شهادتهم، مع أنّ أغلبهم غير تونسيين حسب متابعة صاحب هذه السطور- ليدرأوا عنه وقناته تهمة الوقوف مع الطاغية ونظامه حتى اللحظات الأخيرة و(كاد المريب أن يقول خذوني).
إن ذلك الموقف يذكِّرنا بالموقف الذي أشار إليه الأستاذ فهمي هويدي - بمقالة له في الشروق (المصرية)- عن رئيس تحرير مصري لصحيفة قومية اشتهر بلعق نعال الرئيس المخلوع، غير أنّه بعد انتصار الثورة كان من أوائل من كتب (انتصرنا)!!
شواهد في السقوط :
ولكن كيف يمكن أن ينطلي ذلك على أحد (بالنسبة للمثقف السلطوي)التونسي خاصة، إذا ما تذكّرنا الشواهد التالية:
- منذ أيام صحيفته وهو لايزال يروّج للنظام التونسي ورأس النظام هنالك، مع التركيز على حرمه المصون، وهي رأس البلاء، والسبب الرئيس في الشقاء للحكم والبلاد والعباد، كما تواترت بذلك الأخبار ولاسيما، أخبار أطنان الذهب التي سحبتها من البنك المركزي التونسي، ناهيك عن سيطرة عائلتها على جزء مقدّر من مقاليد البلاد، ولا يزال يتذكّر صاحب هذه السطور بشدّة أن مما قرأه في صحيفة صاحب القناة (قبل ظهور القناة) مدحه المفرط للسيّدة (حرم رئيس الجمهورية) التي شرف بإهدائها الشخصي مصحفاً كريماً من يدها (الطاهرة)! ثمّ اطلع بعد ذلك على تعليق لأحد القرّاء يشير فيه إلى أن الذي أهداه المصحف هو صاحب الفخامة ذاته، أمّا السيّدة حرمه فاكتفى (المثقف السلطوي) بالتأمل في يدها التي لمس الطهارة تنضح من بين أناملها، وقد أعجب – حسب القارئ- بحسن تربيتها أولادها!!!
- لقد اختار النظام التونسي أو اختار هذا (المثقف) لنفسه أن ينبري مدافعاً عن نظام بن علي في برنامج شهير من برامج (الاتجاه المعاكس) بقناة الجزيرة أمام شيخه الأسبق ( راشد الغنوشي)، ولوحظ أن شيخه لم يلتفت إليه أو يتوجّه إلى مخاطبته، طيلة زمن البرنامج،بل كان يفنّد مزاعم النظام التونسي التي جاء (تلميذه) ليزيّنها، ويعمل على تسويقها.
- كيف يمكن تفسير حرص صاحبنا (المثقّف) على نقل قناته الفضائية وقائع افتتاحيات حزب التجمّع الدستوري الحاكم في تونس- وهذا ما شاهدته شخصياً عبر قناته- لو كان بعيداً عن الولاء المطلق للنظام البائد وحزبه (المنحل)؟!
- وأخيراً كلنا يعلم أن قناة الجزيرة كانت ممنوعة في تونس منذ سنوات، أو أنّه لم يسمح لها بمباشرة بثها من الأساس هناك – ربما- ، وكان عويل السلطات التونسية من بث الجزيرة ونقلها الأمين لثورة الشعب التونسي معروفاً إلى حدّ تصريح كبار المسئولين حينذاك بذلك، على نحو فاق في (مرارته) شكوى السلطات المصرية بعد اندلاع الثورة فيها، فلِمَ لم تتبرع قناة صاحبنا المثقف بنقل بث قناة الجزيرة وتغطيتها لثورة تونس منذ أيامها الأولى، على نحو تبرّعها بنقل تغطية الجزيرة للثورة الشعبية في مصر، منذ أيامها الأولى، بعد أن منعت السلطات المصرية قناة الجزيرة ومراسليها ومكتبها من العمل في الأراضي المصرية؟! هل يمكننا تخيّل هذه الصورة بعد أن ظل صاحبنا وقناته لأكثر من أسبوعين مضربين عن الحديث أو التعليق أو حتى الإشارة للذي يجري على أرض تونس وفي محافظته (سيدي بوزيد) بوجه خاص، وحين نطق بعد أكثر من أسبوعين لم يجد سوى وزير التنمية وأمين عام حزب التجمع الدستوري الحاكم في تونس ليقدّما صورة عن حقيقة الوضع في تونس؟! ثم يسارع ليستضيف طاغية تونس بعد ذلك، أو يقبل باجتبائه لقناته!
معذرة عزيزي القارئ إن رأيت في حديثي قدراً من التفخيم الذي قد لايستأهله مثل ذاك (المثقف السلطوي)، أو أن في حديثي إيلاء أكبر لفرد أقل شأناً، لولا أن هذا نموذج بلغ في السفه والفجاجة مبلغاً لا أظن غيره سيصل إليه بتفاصيله. ولا تنس أن صاحبنا يقدّم نفسه في ذلك كله باسم المثقف أو (المفكِّر) المسلم، بوصفه – كما يتحدّث عن نفسه- (متخصّصاً) في الدراسات الإسلامية، وكاتباً في بعض فروعها- ومن أهمها التوحيد - ومهموماً بقضايا الفكر والثقافة ووحدة الأمة!! وهذا ما ينطلي على كثيرين حتى من مثقفي الوسطية والاعتدال – مع الأسف- بسبب استفحال الداء الطائفي في الأمة اليوم، قبل أي دافع آخر، والله المستعان.
ثانياً: نماذج مجملة عن المثقف السلطوي في مصر:
وإذا كان ذلك في تونس فإن الأمر في مصر أكثر وضوحاً بحكم الحراك الثقافي الأكبر في هذا البلد. والمثقفون السلطويون في مصر أكثر من أن يحصروا لكن لهم رموزاً من الإعلاميين والفنانين – بوجه خاص- ولو أراد كاتب أن يستقصي كل واحد منهم بحديث مستقل لما انتهى الأمر إلا ببحث خاص لكل فرد منهم، أو مجلّد كامل لعجائب بعضهم ومغامراته، ، ولكن حسب المرء الإشارة المجملة إلى جانب من تلك المواقف، ولعل من أبرزها: الموقف الذي استقبل به نقيب الصحافيين المصريين مكرم محمّد أحمد من قبل جمهرة الصافيين الذين ضروا في عزاء زميلهم : أحمد محمود الذي قضى في تغطيته لأحداث الثورة،. لقد استقبل النقيب بهتافات الطرد والشتائم لم خان مهنته، وانحاز بالمطلق نحو السلطة (الغاشمة)، وهو ما دفع بالنقيب للمغادرة، وإعلانه إجازة مفتوحة على خلفية ذلك. وثمّة أسماء من مثقفي السلطة الذين اشتهروا بالإسفاف في الدّفاع عن كل ممارساتها، واتهام شباب الثورة والقوى الحيّة في المجتمع بالتآمر والتخريب، ولعل من أشهرهم –واللهم لاشماتة- وزير الثقافة أنس الفقي وأسامة سرايا رئيس تحرير صحيفة الأهرام ومجدي الدّقاق رئيس تحرير مجلة أكتوبر وعبد الله كمال رئيس تحرير روزا اليوسف، وحسن راتب صاحب قناة المحور التي انحازت لنظام مبارك بالمطلق، وسواهم كثير كثير، وقد نشر شباب الثورة قائمة بأسماء شخصيات وصفوها بالوقوف ضدّ الثورة، ويمكن مراجعتها على الرابط التالي: http://www.alwafd.org/index.php?option=com_content&view=article&id=15889:%D8%A7%D9%84)%(.
ولعلّ أبأس الجميع: الإعلاميون في الجهاز المرئي (التلفاز) الذين تورّط بعضهم في الدّفاع الفج عن السلطة وسياساتها وممارساتها القمعية ضدّ المتظاهرين الثائرين، فهؤلاء قد استفزّوا الضمير الجمعي للمشاهد المصري تحديداً، حيث كانوا يقلبون الحقائق، ويزوّرون الأحداث، وينالون من الشرفاء، والشعب يعرف الحقيقة من خلال المعايشة، والمعاناة ساعة بساعة ويوماً بيوم، وبذلك دخلوا في مواجهات مباشرة بعضها أثناء الأحداث، حين كانوا يحاولون أن يستدركوا –على استحياء- في الأيام الأخيرة لانتصار الثورة بعضاً من المسالك السابقة في التعتيم، فيسعون لفتح خطوط الهاتف لعامة المشاهدين، وليس كل من يتصل بهم من فصيلتهم بالضرورة، فيتلقّون أحياناً عبارات قاسية، وتهكماً مباشراً، من قبل بعض المشاهدين، لكن ذلك زاد بعد النصر على نحو مضاعف، ووصل الأمر حدّ تظاهرات من عامة العاملين بقطاع التلفاز المصري ضدّ مسئوليهم، ولاسيما المسئولون عن السياسة الإعلامية والإخبارية- بوجه خاص- . وهكذا تظل ظاهرة (المثقف السلطوي) مستمرة، لكن ثورتي تونس مصر كانتا كفيلتين بإسقاطهم جماهيرياً، مهما ظن بعضهم أنّه يتذاكى على الجميع، وسيظل يلعب لعبته (المكشوفة) حين يركب موجة الأحداث ليقدّم نفسه رائداً لها، أو معتذراً اعتذاراً مفضوحاً غير مبرّر، و صدق النبي – صلى الله عليه وسلّم- حين قال:" إذا لم تستح فاصنع ما شئت"!
وتقوم اليوم في مصر معركة باسم (إنقاذ الثورة وتطهيرها) من فلول النظام البائد لاسيما في المؤسسات الثقافية والإعلامية ضدّ هذه الرموز وغيرها ممن خرج بعضها من الباب ليعود إليه من النافذة!
– أستاذ أصول التربية وفلسفتها- كلية التربية – جامعة صنعاء


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.