قد ينكر بعض إخواننا أن يأتي الكلام على الدعوة على صفحات الصحف من أبنائها وأنه إن كان من كلام فيكون في صورة نصيحة توجه في الخفاء وأن هذا أفضل لان النصيحه علي الملأ انما هي فضيحه وتشويه ........الخ. وربما ضاق صدر البعض فوق ذلك فوجد أن هذا اعتداء على حرمة الشيوخ وأن هذا يؤدي إلى تشويه صورته امام الناس. وربما تحرقت قلوب طائفة أخرى فوجدت أن هذا حقد وحسد وأن نية الكاتب تحتاج إلى مراجعه وتصحيح وهذا الفريق لايبحث إلا عن القلوب والنوايا دون النظر الي ما يحويه المقال ومدى صدقه ومطابقته للواقع من عدمه، بل ربما تتبع البعض الهنات أو اختلقها بمجرد رؤيته لاسم الكاتب على المقال. ونحن نقف مع هذه الرؤى وقفات لعل الله يشرح صدورنا ويؤلف بين قلوبنا ويزيل الغشاوه عن عيوننا وقلوبنا إنه سميع مجيب. اولا :لنتفق جميعا أن هناك خللا وقصورا كبيرا في الرؤى الدعويه علي جميع المستويات –الاداري –العلمي –التربوي –الدعوي – السياسي...........الخ- وهذا أمر لا يماري فيه أحد، وهذا مما ينبغي أن ينشغل به كل مخلص صاحب رؤية وذلك لتشخيصه ووضع يده عليه ومن ثم التفكير في كيفيه علاجه بل وتنميه الاعمال الإصلاحية حتى تتمكن الدعوة من مواكبه التطورات والقفز علي مسرح الأحداث وهذا الأمر ينبغي ان نتفق عليه جميعا أولا وقبل كل شئ أما إنكار القصور والخلل فقد يختلف الناس فيه، فالبعض قد يرى ماذهب إليه بعض إخواننا من النصح في الخفاء وكفى. والبعض لا يرى ذلك بل يرى أن هذا عملا عاما وان هناك بطء شديد في الاستجابة والتفاعل مع الاحداث بل وصل أحيانا للتضارب والتناقض فرفع صوته بالإنكاروعرض النصيحة على الملأ لأنها لا تتعلق بشخص حتي يستسر بها وإنما تتعلق بعمل عام وظاهر ومعلن للناس ,فما العيب في الإنكار على الملأ أليس القصور في الأعمال العامة ينكر عبر التاريخ والأزمنه من الناس دون نكير من احد. أين نحن من حديث أبي سعيد الخدري وهو في الصحيح لما أنكر الرجل على مروان بن الحكم في يوم عيد هل كان هذا في السر أم في العلن وأمام جمع هائل من خيرة الناس يومئذ بل قال ابو سعيد حينئذ أما هذا فقد أدي ماعليه ثم قال سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول:(من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الايمان ) ... ألم يقل أبو بكر رضي الله عنه يوم ولي الخلافة (أيها الناس وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني). فقرن الإساءة مع الإحسان لأن ذلك يرد علي كل البشر بعد المعصوم صلي الله عليه وسلم ومع ذلك قال له رجل والله قومناك بالسيف. ألم يقل الرجل لعمر رضي الله عنه إتق الله يا عمر فنهره رجل من الناس فقال عمر دعه يقولها ولنعم ما قال وهذا على ملأ من الناس. ألم ينكر عز الدين بن عبد السلام سلطان العلماء علي نجم الدين أيوب في عيد من الأعياد بعض المنكرات الموجوده أمام الناس وهو ملك مصر . ألم ينكر شيخ الاسلام ابن تيمية علي الأمراء والعلماء والقضاة..الخ. ألم تشرع الحسبة في الإسلام للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. بل أليست هذه المرحلة الفارقه في تاريخ أمتنا هي مرحلة الشفافية والمصداقية دون مداهنة ولا ممالأة ولا تعصب لغير دليل لأن كل شئ واضح للجميع والنصح في الخفاء قد يناسب الأمور الخاصة ومن يدري لعل الكاتب بذل النصح في الخفاء قدر طاقته – فاتقوا الله ماستطعتم - فلم يجد نفعا فوجد أنه لابد من رفع الصوت به إعذارا وليست رؤية البعض بأولي من رؤية الأخرين. ثانيا:هل الكلام عن القصور الدعوي وعدم مواكبة الحدث أو التطور مع الأحداث يلزم منه تنقص الأشخاص مثلا, ومن ثم تنقلب المسألة إلي البحث عن النوايا أو شق الصدور والتفتيش في القلوب وإلقاء التهم جزافا دون بصيره أو بينة. أقول إن الجهة منفكة بين الشيوخ والدعوة إلا إذا تعلق الأمر بالمعصوم صلي الله عليه وسلم فإنه وحده الذي يمتنع علي كل واحد اتهام دعوته أو عمله بالقصور أو الخلل - كما تزعم الرافضة قبحهم الله - اما دعوة غيره فليست كدعوته فدعوة غيره يعتريها القصور والخلل لأنها جهد بشري، كما أن دعوتنا هذه خصوصا عمل جماعي يصعب نسبته إلي شخص او أشخاص معينين – إلا إذا شخصناها- فالجهة منفكة إذا ولا يلزم مما ذكر تنقص أحد أو لمز أحد أو تصفية حسابات مع أحد. أما الموقف من الشيوخ الأكارم فهو معلوم لهم - بل وللجميع - ما لهم عندنا من مكانة وقدر ومنزلة لانعدل بهم أحد أيا كان بل ولا الأهل والولد والله يعلم ذلك وهم اصحاب حقوق كثيرة علينا لانستطيع ان نوفيهم إياها الله عز وجل يوفيهم أجرهم عليها. لكن لنا في الصحابة رضي الله عنهم أسوة حسنة ولنا في سلف الامة أسوة حسنة فلا ينبغي تحميل الكلام فوق ما يحتمل لأن هذا تفريغ له من مضمونه ومحتواه. لكن هناك طوائف عدة من المنتسبين للدعوة شأنها شأن سائر الدعوات والتجمعات لا يشغلهم - او ليس من مصلحتهم - أن تتطور الدعوة وترتقي وهؤلاء دائما تجدهم يقفون في وجه كل إصلاح وكل داع إليه يكيلون له الاتهامات من أجل حرفه عن طريقه ومسلكه. من هؤلاء مجموعه من المحترقين قربهم بعض الشيوخ فظنوا أنهم بذلك يؤدون خدمات جليله للدعوة وهؤلاء لا ينشطون الا في الفتن أو إذا كلفوا من كبار الشيوخ بشيء أما في الدعوة فلا يراهم أحد، وهؤلاء يضرون الدعوه ضررا عظيما ويشوهون صورتها في كل مكان وهم وإن كانوا ضحايا لتقريب الشيوخ لهم إلا أن الشيوخ ضحاياهم كذلك لأنهم صاروا عيونا وأبواقا يتلقى من خلالها الشيوخ أكثر المعلومات التي قد يترتب عليها أحكاما معينة على الأشخاص أو المسالك الدعوية للبعض وغير ذلك. هؤلاء هم الذين قالوا عن كل واحد له رأي ورؤية أنه ينتقص الشيوخ - بيشتموا المشايخ - والله يعلم أن هذا افتراء وكذب مختلق وبهتان عظيم . هؤلاء تجد قلوبهم تتحرق على أي مصلح لأن هؤلاء وضعهم ومكانهم الطبيعي أن يكونوا - في أحسن أحوالهم - مع الناس وليسوا فوق الناس. أضف إلي ذلك طائفة أهل الوجاهة ومن وجهتهم الدعوة في مرحلة معينة وليسوا بوجهاء وجلسوا علي كراسي الوجاهة بين الناس فالتصقت بهم الكراسي والتصقوا بها وصاروا لا يعبأون بأحد ولسان حالهم ومقالهم عند الشيوخ (كله تمام يا فندم ) فهؤلاء - كذلك - عقبة كئود في سبيل الإصلاح وتقدم الدعوة بل كانوا سببا رئيسا لترك كثير من المواهب والعقول الفذة لهذه الدعوة - دون أن يتركوا الطريق- فحرمت الدعوة من عقول أبنائها الأفذاذ بسبب هؤلاء. أضف الي هؤلاء مجموعة من النفعيين والانتهازيين ومن اتخذ الدعوة سبوبة يجمع من خلالها بين الوجاهة والمصالح، إضافة إلى طائفة أخري لا تنشغل بالشأن العام مطلقا ولا يعنيها إلا مسجدها ومكانها فمن هنا بدا للناس أن من يدعوا إلى الأخذ بأسباب التقدم والإصلاح إنما هو طاعن في الشيوخ منتقص لهم ونحن نقول (سبحانك هذا بهتانا عظيم). ثالثا:هل النقد مهما كانت درجته يهدم أم يبني ؟ البعض يرى أن النقد لاداعي له وأنه يشق الصف ويشتت الرأى ويفرق الكلمة والجمع ....الخ. وهذا كلام يحتاج إلى نظر بل ربما يطرح جملة عند البعض لأن النقد- خاصه النقد الذاتي - إنما هو بمثابة إلقاء حجر في الماء فإن كان راكدا تحرك الماء وانتبه الناس لحركته أما إذا كان الماء جاريا فإن الحجر لا يضره أصلا فالنقد في جميع حالاته لا يضر وإنما ينفع وفي مجال الدعوات – خاصة - نفعا عظيما ولعلنا نلاحظ أنه سمة المرحلة الحالية تخرج الدعوات بعد ذلك قوية فتية وسوف نضرب أمثلة لذلك. ما يحدث في جماعة الإخوان من حراك في هذه المرحله وتناول كثير من أبناء الجماعه شيوخا وشبابا لأدائها بالنقد بل زاد الأمر على مجرد النقد إلي أبعد من ذلك، مثل مناداة البعض بتأليف أحزاب أو الترشح في الانتخابات دون الرجوع إلى الجماعة مما يعد خروجا عن منهج الجماعة لكن كل هذا لا يضر بل يفيد فوائد عظيمة تخرج الجماعه بعد كل ذلك قوية متماسكة. أما الدعوات أو الجماعات التي يعطي دائما أعضاؤها التمام لقادتها دون تفتيش او مراجعة هذه دعوات تحفر قبرها بيديها بل سرعان ما تضمحل او تعيش علي هامش الحياه. وكذلك الدعوات أو الجماعات التي تحجر علي أفكار أبنائها أو يمارس بعض أعضائها إرهابا فكريا علي البعض الاخر دون نكير فإنها قد تتحول في النهاية إلى جمعيه لرعاية الأيتام والأرامل مع وجود بعض الاعمال الدعوية فلا بأس بذلك. إننا نحتاج في هذه المرحلة - بل أعظم ما نحتاج إليه - إلي احترام العقول والأفكار وإلا فإن عامة الدعوات والطوائف تغير في طريقتها القديمة في التفكير والتعامل, فلن تجد الصوفيه علي نفس النسق الذي كانوا عليه قبل الأحداث وكذلك النصاري واليساريين وغيرهم, فالحجر على الأفكار – الآن - غيرمقبول وتلقيها بالضجر والسخط أو السخرية والاستهزاء أو المناوأة والحرب كل هذا مرفوض لأننا نتكلم في واقع يحتاج إلي تغيير بالفعل, والدعوة للتغيير ليست رؤية أحد بعينه فعندما نتكلم عن الإداريات ونقول إن العملية الإداريه منغلقة ولا تنتج كفاءات فهذا واقع, وأن الدعوة قامت بتشكيل مجلس إدارة ومجلس رئاسي ثم ألغت ذلك كله وتوجهت توجها آخر فهذا تخبط حاصل وواقع, كذلك المناهج العلمية تحتاج إلي لجنة علمية على أعلى مستوى وتحتاج أن تعمم ويلتزم بها الجميع كبر أم صغر فهذا أمر في غايه الاهميه نحتاجه في وقت العافيه هذا. وعندما نقول ان الدعوة بدأت في إنشاء حزب سياسي ثم صرحت بأنها لن تنشئ حزبا ثم قال البعض أن الحزب سينشأ هذا تخبط آخر نحتاج إلى تلافيه وهذا ليس فيه هدم ولا بغض ولا حسد كما يقول بعض المحترقين. كما نؤكد على أن النقد لا يضر بحال طالما كانت فيه طروحات ورؤى وأن وجود من يتكلم عن العيوب - منا - دليل صحه لامعول هدم بل كان بعض المفسدين من النظام السياسي السابق يكلفونه بأن يقوم بدور الناقد للنظام الناقم علي الفساد- وهو احد المفسدين- وقد أثرت عنه عبارات في هذا المعني مثل (الفساد للركب) وغير ذلك وهل كان يعني بكلامه فساد حكومه امريكا او انجلترا أم فساد حكومته التي يمثل هو أحد أهم أضلاعها ونحن طبعا لا نقصد إنزال المثال علي الدعوة – معاذ الله – وإنما نريد أن نقرب الصورة للأذهان بأن النقد أبدا لا يضر ولذلك كانت تختلقه الانظمة الفاسدة لتؤكد علي شرعيتها. وأخيرا أذكر بأن من يعارض وينتقد أولى بالدعوة من غيره لأنه مشغول بها يفكر لها ويبغي لها الكمال، بخلاف من يوافق دائما فإنه لايقدم شيئا جديدا. وبالله التوفيق وصلي الله وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين.