يريدها الشيوعي شيوعية,ويريدها العلماني علمانية, ويريدها اليساري يسارية, ويريدها الإسلامي إسلامية, ويريدها القبطي قبطية,وهكذا, وإذا كان السؤال يبدو ملحا, لكن الإجابة تبدو فورية وبدهية, فمصر لجميع ابنائها وإذا كانت الإجابة هكذا فورية وبدهية فلماذا يُطرح السؤال إذن؟ إن أهمية طرح السؤال,لأن ثمة طرح اقصائي قاله بعض المصريين من الإسلاميين والأقباط والعلمانيين, فقد صرح الشيخ محمد حسين يعقوب عقب الاستفتاء على التعديلات الدستورية بأن (البلد بلدنا, ومن لا يعجبه ذلك فيذهب الى كندا أو أوروبا)! فأثار غضب كثير من المصريين, وقال الأنبا بيشوي قبله: إن الأقباط هم أصحاب البلد وأن المسلمين ضيوف عليها !( ولم يُغضب هذا الطرح كثير من مثقفي مصر), والآن يطرح نفر من العلمانيين أن مصر لا تتسع لمن يطالب بالابقاء على الشريعة الإسلامية باعتبارها المصدر الرئيسي للتشريع, وكأنهم يقولن أن مصر تتسع لأي طرح علماني, او ليبرالي, او شيوعي او قومي أو ماركسي أو ناصري, لكنها لا تتسع أبدا لمن يطالب بالحفاظ على الهوية الإسلامية الحضارية, والغريب أن أصحاب الطرح الخاص بإقصاء الإسلاميين قد يرحبون بحكم عسكري أو ديكتاتوري لكنهم لا يرحبون بأي خيار ديمقراطي للشعب إذا أتي بإسلاميين!! كتب فريد الشوباشي في الأهرام ( 6/4/2011 م) تحت عنوان : "هل نقطع يد السارق؟" فقال : "هل نعيش اليوم الذي تُقطع فيه يد السارق في مصر, وترجم الزانية بالحجارة ؟" ثم قال:"ومن حقنا أن نتساءل: [ "ماذا لو حصلت الجماعات "الإسلامية" علي الأغلبية وحكمت مصر؟ ما سيكون مصيرنا؟"], ومع أن كثيرا من الإسلاميين يدركون أن مصر لم تتمهد بعد لتطبيق الشريعة التي هي أكثر سعة من تطبيق الحدود,لكنه وفي الوقت نفسه تتملكنا الدهشة والذهول من هذا الطرح, فهب أن الحدود قد طُبقت بالفعل, فهل هم يرغبون بحرية السرقة والزنى وافلاتهما من أي عقاب؟ إننا قد نفهم خوف الزاني أو السارق أو أي مجرم من العقاب, لكنه من غير المفهوم أو المبرر أن يفزع مثقفون من عقوبات قد تلحق بمرتكبي الجرائم؟!. لقد أجاب (عمرو أديب) بوضوح لا يحتمل أي التباس على السؤال التالي : هل توافق أن تأتي الديمقراطية بالإخوان؟ فأجاب بالعامية منفعلا :" تولع الديمقراطية"( أي إنه يفضل حرق الديمقراطية على أن تأتي بإسلامي), وكثيرون يطرحون مثل هذا الطرح بصياغات مختلفة.. وهذا النهج الاقصائي ليس جديدا, ففي عهد الرئيس عبد الناصر كتب "مرسي جميل عزيز" أغنية "بلدي يا بلدي"والتي غناها عبد الحليم حافظ سنة 1964م فيما كان يُسمى "عيد الثورة", فجعل الشاعر البلد التي يتغني بها هي للاشتراكيين فقط, ومن لايؤمن بالاشتراكية ويتخذها نهجا فهو (خائن), وسيتلقى سبا وشتما على النحو التالي: "يا عديم الاشتراكية...يا خاين المسؤولية" ..ح نزمر لك كده هوه (تصفير)...ونطبل لك كده هوه (تطبيل)!. هل نحكتم الى شعب أغلبيته من الأميين؟ يتحجج بعض المثقفين الى خطورة الاحتكام الى الشعب (لأن أغلبيته من الأميين) عند انتخابات الرئاسة أوالبرلمان وغيره, وخطورة أن يعبر الصندوق عن شعبية الأفكار والرؤى المطروحة, وهو حل ديمقراطي بامتياز, وهنا نؤكد أنه لا يصح ولا يليق بمثقف أو حاكم أو غيره أن يسخر من شعب مصر ويتعالى عليه متعللا بعدم نضجه أو بأمية غالبيته, لأن الأمية في جوهرها (ودون الدفاع عنها) تعني عدم القدرة على القراءة أو الكتابة, لكنها لا تعني أبدا عدم القدرة على الفرز الصحيح,كما أن الأمية ليست مرادفا للجهل, والأمية لا تعني أبدا افتقاد الحكمة أوالبصيرة, فأن أحكم أحكم بشر عرفته الدنيا, صاحب أكمل عقل وفؤاد هو رسول الله صلى الله عليه وسلم النبي الأمي, وهو صاحب أعظم مدرسة أذهلت أصحاب أرفع الشهادات العلمية الصادرة من السوربون واكسفورد وجورج تاون وغيرها .. وهو الذي سعى الى توسيع دائرة العلم والتخلص من الأمية كما حدث في عملية الإفراج عن أسرى بدر في موقف حضاري وفريد غير مسبوق في التاريخ،بأن جعل إطلاق سراح ذوي العلم من أسرى غزوة بدر أن يعلّم كل واحد منهم عشرة من أبناء المسلمين القراءة والكتابة اللتين كانتا يُفْتقرُ إليهما في الجزيرة العربية وبخاصة في المدنية المنورة, وفي ذلك تقدير للعلم والمعرفة وتشجيع على تعليم القراءة والكتابة . إننا نرى في واقعنا الحالي رجالا ربما يفتقدون القدرة على القراءة والكتابة لكنهم لا يفتقرون أبدا الى القدرة على إدارة شؤون حياتهم وأسرهم أوأعمالهم أومزارعهم أوتجاراتهم على أحسن وجه,ومن هنا ندرك إن الأمية (التي يجب أن يسعى المجتمع بأسره الى التخلص منها في خطة خمسية أو عشرية على أعلى تقدير) لا تعني البتة الافتقار الى الرؤية الصحيحة وحسن إدراك الأمور والقدرة الصحيحة للحكم على الأفكار والاشخاص.. دور الإسلاميين في إزالة التوجس. ندرك أن رفض بعض الناس للإسلاميين لا يتمثل في حالة واحدة, فلا الصهاينة أو الغرب يقبلون بأي دور للإسلاميين في إدارة شئون بلادهم , إذ يدركون أن الحالة الإسلامية الصحيحة والمعتدلة في المجتمع ستعمل على إعادة المشروع الحضاري والنهضوي للأمة انطلاقا من ثقافتها وهويتها, بما يرسخ من قيمة الاستقلال الوطني, وبما يسمح بإدارة العلاقات الدولية على قاعدة الندية والمصلحة والمساواة, وهم لا يريدون ذلك , بل يريدون أتباعا واذنابا يحققون مصالح الصهاينة والغرب من خلال اضعاف دور مصر القومي والريادي ,لذا يعملون على احلال حضارة الغرب في أسوأ تطبيقاتها لا في أحسنها. وندرك أيضا أن توجس بعض الناس من الطرح الإسلامي قد نتج عن التأثر بالتشويه الإعلامي (برامج ومسلسلات وافلام وندوات وصحف ومجلات )عبر عدة عقود, بالإضافة الى وجود فريق من غير المسلمين يتوجسون من أي طرح إسلامي, وكذلك الفريق المؤدلج (إيدلوجيات مخاصمة أو منافسة للطرح الإسلامي), وفريق أخر لا يعادي الفكرة الإسلامية ولا يخاصمها ولا يؤمن بإقصائها لكن لديهم تخوفات معتبرة من ممارسات وتطبيقات بعينها على ساحة العمل الإسلامي في محيطه الكبير( في افغانستان والسودان والسعودية وغيرها ) لكن يبقى القطاع الأكبر من الناس غير المسيسين أصلا بحاجة الى تقديم النموذج الإسلامي لهم في أبهى صوره المشرقة. فرز هام وتعاون. عند اتضاح صورة الفرز, سنرى وجود فريق كاره للإسلام بكل تطبيقاته ( السياسية والدعوية والاجتماعية والاقتصادية) وسيظل على كراهيته مهما فعل المسلمون للتقارب معهم إلا أن يشاء الله أمرا كان مفعولا, وهؤلاء ينبغي الحذر من شرورهم, وفريق لديه إيمان بنظريات سياسية واقتصادية واجتماعية عاش لها وبها زمنا ولا يستطيع الآن أن يتبنى خيارات أخرى, وهؤلاء ينبغي تعظيم القواسم المشتركة معهم, فالليبرالية مثلا تعني (التحرر), وهنا يمكن للإسلاميين احترام (الليبرالية السياسية) بمعني تداول السلطة والاحتكام الى صندوق انتخابي حر ونزيه, كما أوضح الدكتور معتز بالله عبد الفتاح في جريدة الشروق تحت عنوان (خطر الليبرالية العلمانية) إذ قال:«الليبرالية السياسية» مفيدة كجزء من خلطة حضارية على قاعدة الإطار المرجعى الإسلامى باعتباره الإطار المرجعى للجميع يحترم الدين بمكوناته الستة: عقائده، وشعائره، وأخلاقياته، وسلوكياته، وشريعته، وعقوباته. مجتمعنا اختار أن يكون الإسلام هو الإطار الحضارى الجامع مثلما جاء على لسان واحد من أكثر مسيحيى مصر وطنية مكرم عبيد باشا الذى قال: «نحن مسلمون وطنا ونصارى دينا، اللهم اجعلنا نحن المسلمين لك، وللوطن أنصارا. اللهم اجعلنا نحن نصارى لك، وللوطن مسلمين». وهنا يمكن قبول "الليبرالية السياسية" ورفض "الليبرالية الاجتماعية" والتي تخاصم ثقافة المجتمع وتقاليده وأعرافه مثل حق البهائيين وغيرهم في إقامة شعائرهم الملحدة,وحق زواج المثليين,وحق المرأة في الاجهاض وحرية العلاقة بين الجنسين خارج مؤسسة الزواج ( Boy friend- Girl friend), وغير ذلك. تعاون الإسلاميين إنني أدعو الغيورين من المسلمين للمسارعة الى الدعوة لتأسيس "المؤتمر الإسلامي الشعبي السنوي", ولعل نسخته الأولي تكون في قاعة المؤتمرات بالأزهر الشريف وللمكان دلالته ورمزيته, يتم دعوة رموز العمل الدعوي من كل الأطياف, متمنيا أن نرى على المنصة فضيلة الدكتور احمد الطيب شيخ الأزهر وفضيلة المفتي الدكتور على جمعة, ورئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الدكتور يوسف القرضاوي والدكتور محمد بديع مرشد الإخوان المسلمين والشيخ محمد حسان, ولعل جدول اعماله يتضمن: 1/ انتخاب هيئة تأسيسية لإدارة المؤتمر سنويا واعداد لائحته الداخلية. 2/ اعداد ميثاق العمل الإسلامي المشترك (الدعوي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي). 3/ الدعوة الى اعداد ابحاث جديدة واقعية تقدم حلولا اقتصادية وسياسية واجتماعية من منظور اسلامي. 4/ التأكيد على نشر الإسلام في ربوع البلاد بوسطيته وسماحته وشموله تدرجه. 5/ ترسيخ هوية الأمة دون الإخلال بحق كل المواطنيين في شئون وطنهم على أساس المواطنة دون تفرقة. 6/ التأكيد على احترام الاختلاف المذهبي والعقائدي, ونبذ كل صور العنف أيا كان مصدرها. 6/ عدم الاستهانة بالتفرق الذي قد يؤدي الى اختطاف الوطن من قبل الاقلية العلمانية الاقصائية المتطرفة, وهذا ليس ببعيد, ومن لا يصدق فلينظر الى العلويين في سوريا الذين لا يمثلون أكثر من 8% من السكان وبيدهم كل مقاليد الأمور في سوريا لزمن طويل.. لعل هذا المؤتمر الشعبي المقترح أن يعمل على تقديم الإسلام في صورته الصحيحة لإزالة أي توجس أو تخوف منه في الداخل أو الخارج, ثم العمل على توحيد الجهود وتعميق التعاون المشترك,فلا يمكن للتيارات والمؤسسات الإسلامية أن تكون بعيدة عن ميدان العمل العام والتأثير الفاعل والايجابي فيه, بينما نرى مصريا واحدا من غير المسلمين يمتلك المليارت وله حضور سياسي طاغ ويدير عدة شركات, ولديه قنوات فضائية وصحف ومجلات ومواقع اليكترونية ويؤسس الآن حزبا (كل ذلك لخدمة أفكار بعينها), ولعلل ذلك يدفع الى استنفار الجهود لمقاومة تفرق المسلمين في جماعات ومدارس فكرية متعددة (نتمناها للتنوع والتكامل لا للتشرذم أوالشقاق). وأخيرا: فإن مصر الغالية وطن لجميع ابنائها ينعمون فيها بحرية الاعتقاد والرأي والتعبير وتشكيل المؤسسات المدنية, وهي تتسع لكل ابنائها, ولا تقصي أحد, تحتكم الى صندوق يعكس رغبات شعبها, تحترم الاقلية الأغلبية, ولا تطغي الأغلبية على حقوق الأقلية, يقل فيها الشقاق والتشرذم, وتتزايد فيها المحبة والتعاون, ويتراحم فيها الحاكم والمحكوم دون أدنى شعور بأي اضطهاد أو مصادرة.. مصطفى كمشيش [email protected]