اهتم القرءان الكريم بالحديث عن النفاق والمنافقين اهتماماً بالغاً ، الى الحد الذى نزلت سورة كاملة بأسمائهم "المنافقون" ، حتى قال بن القيم –رحمه الله- " كاد القرءان أن يكون كله فى شأنهم ، وذلك لكثرتهم ، وعموم الابتلاء بهم ، وشدة فتنتهم ، وبليتهم على الاسلام وأهله " واهتمام القرءان بذكر أوصاف المنافقين والتحذير منهم ، من شأنه أن يوحى بخطورة هذا النوع من الأعداء ، وضخامة الدور الذى يقومون به فى التأثير على الجماعة المسلمة من الداخل .
- النفاق والمنافقون ليست مرحلة من التاريخ مرت وانتهت ، بل هى باقية ، لا يخلو منهم زمان ولا مكان .. قال ابن تيمية رحمه الله : " والمنافقون ما زالو ولا يزالون الى يوم القيامة " وكذلك قال ابن القيم -رحمه الله- معللاً ذكرهم فى القرءان " واعلم أنه كلما انقرض منهم طوائف خلفهم أمثالهم ، فذكر سبحانه أوصافهم لأوليائه ليكونوا منهم على حذر "
- ولما كان أهل النفاق أرباب خداع ومكر .. تراهم يظهرون للناس فى هيئة حسنة .. يتعممون بعمائم العلم والورع ويلبسون لباس التعبد والتقى .. ويتكلمون بمعسول الكلام وفصيح الخطاب كما قال سبحانه " وان يقولوا تسمع لقولهم " وهم فى الحقيقة من أخبث الناس قلوبا وأضعفهم جنانا ، ولذك خاف النبى صلى الله عليه وسلم على أمته من المنافق ذو الفصاحة والبيان فقال : " إن أخوف ما اخاف عليكم بعدى : منافقٌ عليم اللسان " ، قال المناوى فى التفسير : أى : كثير علم اللسان ، جاهل القلب والعمل ، اتخذ العلم حرفة يتأكل بها وأبهة يتعزز بها ، يدعو الناس الى الله ويفرهو منه .
- جرت سنة الله تعالى فى المنافقين أن يهتك سترهم ويكشف عما تكن صدورهم قال سبحانه متوعداً " أم حسب الذين فى قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم " قال ابن كثير رحمه الله : " أى : أيعتقد المنافقون أن الله لا يكشف أمرهم لعباده ، بل سيوضح أمرهم ويجليه حتى يفهمهم ذو البصائر " ، وقال الطبرى فى تفسيره لقوله تعالى "ولونشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم فى لحن القول" : فلتعرفنهم بعلامات النفاق الظاهرة منهم فى فحوى كلامهم وظاهر أفعالهم "
- من صفات علماء السلطان وشيوخ الضلالة أنهم يتمتعون ببلادة منقطعة النظير ، ففى الوقت الذى يكون فيه الصراع بين الحق والباطل على أشده تجدهم يرتاحون بالجلوس فى بيوتهم ، لا يؤنبهم الضمير ، ولا يحز فى نفوسهم التخلف عن نصرة الحق ، ولا تحركهم الدماء التى تسيل ليلا ونهارا ، فإن القوم طلاب سلامة ، حسبهم من التدين ما لا يثير المشاكل ، وما لا يزعج حكامهم وأولياء نعمتهم ، وصدق فيهم قول الله " رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون "
- من أقبح صفات علماء السوء هى قدرتهم على لىّ أعناق الأحكام الشرعية واصدار الفتاوى بما يتناسب مع المواقف السياسية للحكام ، وحشر أدلة القراءن والسنة التى ليس لها أى علاقة بما يتحدثون عنه .
-لا تكاد تجد عالما يتزلف للحكام والسلاطين عنده ورع أو أدنى حرج من قبول الهدايا والرشاوى ، بل ويستعملون نفوذهم ومناصبهم فى الحصول على المال الحرام بأى سبيل.. يأتون المناصب فقراء ويتركونها وقد امتلكوا الملايين والقصور وكونوا ثروة توجب المساءلة .
- إن بلية الاسلام بالمنافقين شديدة جداا .. ولذلك فإن الفرح لخبر موت أحدهم صحيح شرعاً ، لأنه هلاك عالم سوء من أعوان الظلمة والمجرمين، قال صلى الله عليه وسلم " والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد " ومن الولاء للمؤمنين الفرح بموت من يؤذيهم فلما مات الحجاج بن يوسف الثقفى وبلغ الخبر لابراهيم النخعى سجد وبكى من شدة الفرح .. والله عزوجل مدح نفسه على هلاك الظالمين وقطع دابرهم فقال " فقطع دابرالقوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين " .
- و أخيراً .. مَثل الاسلام ومَثل هؤلاء المنافقين كمن ينفخ فى نور الشمس يريد أن يطفئه ، والله ناصرٌ حزبه وهازم عدوه ولو كره الكافرون .
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.