العلمانية في عالم الألفاظ - بفتح العين -: نسبة غير صحيحة لغويا إلى " العالم " أي إلى عالم هذه الحياة الدنيا ، و في عالم المصطلحات : فإن إن لفظة العلمانية ترجمة خاطئة لكلمة ( Secularism ) في الإنجليزية، أو( Secularite ) بالفرنسية، وهي كلمة لا صلة لها بلفظ "العلم" ومشتقاته على الإطلاق. فالعلم في الإنجليزية والفرنسية معناه ( Science ) والمذهب العلمي ( Scientism ) والنسبة إلى العلم هي ( Scientific ) أو ( Scientifique ) في الفرنسية. والترجمة الصحيحة لمفهوم العلمانية هي (اللادينية) أو (الدنيوية). هذا وإن كان بعض الكتاب يحاولون فض الاشتباك بين الإسلام والعلمانية حيث يرجعون إلى تعريف معجم لاروس الفرنسي للعلمانية بأنها " فصل الكنيسة عن الدولة" séparation de l'Eglise et de l'Etat قائلين : إنه أدق تعريف لها وإذن فشأنها متصل بالكنيسة ولا شأن لها بالإسلام : ( لأنه – أي هذا التعريف – يضعها في سياقها الثقافي والاجتماعي، ويكشف عن حدودها الزمانية والمكانية، على خلاف التعريف المبهم الذي يستخدمه أنصاف المثقفين !! في الوطن العربي، حين يجردون العلمانية من سياقها التاريخي ويسبغونها بصبغة عالمية، فيعرفونها بأنها "فصل الدين عن الدولة".) إذا كان ذلك كذلك فإن التطبيق الواقعي لها في منبتها وتسويقها في بلادنا الإسلامية قدآل إلى وضع كلمة " الدين " موضع كلمة " الكنيسة" وحيث لا كنيسة للإسلام اخذوا يطالبون بإبعاد " الدين " عن ! الدولة في مختلف ممارساتها الخاصة بتنظيم شئون الحياة في السياسة والتربية والإعلام والثقافة والفن والعلم على السواء وهذا ما بدأ تطبيقه بتوسع مندفع منذ ما يقرب من قرن ، في بعض البلادالإسلامية مثل تركيا ، وببطء محسوب في بلاد أخرى مثل مصر وقد انتشرت هذه العلمانية في البلاد الإسلامية منذ أوائل القرن التاسع عشر ومازالت تنتشر تحت الزعم بأنها فكرة محايدة مع الدين وهي من ثم لا تتعارض مع الإسلام . ومن سياق هذا الانتشار مفهوما وسلوكا اصبح المجتمع الإسلامي في الثلث الثاني من القرن العشرين – وبخاصة قبل الصحوة الدينية التي ينسب الفضل فيها إلى جمال الدين الأفغاني ، ومحمد عبده ، وحسن البنا والغزالي وسيد قطب وأمثالهم - متورطا فيما لا يتفق اعتقادا مع الشهادتين من طريق اللزوم غير البين من مقولات عن : الحداثة وتعددية الأديان السماوية و.. " تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان والأعراف " و .. " حيثما تكون المصلحة تكون الشريعة " مع التعتيم المتعمد على خطر مجموعة العقائد والأفكار والنظريات المنتشرة مثل الاعتقاد بذاتية الطبيعة في وجودها وتطورها ، .. والرجعية الدينية وهكذا .. في التقدمية والتنويرية ، والتطورية الحيوية ، والإنسانية الوضعية ، والنسبية التاريخية والنسبية الاجتماعية والنسبية الأخلاقية والنسبية التشريعية وأخيرا مظلة العلمانية .. تجد هذه الاتجاهات والتيارات واسعة الانتشار ، على مستوى المفكر وعلى مستوى رجل الشارع ، كل بطريقته ، وعلى تفاوت في العلم والوعي والإرادة .. إلا من رحم ربك إن العلمانية ، " ليس لها مكان في وجود الإنسان مع الإسلام ، فإما أن يوجد الإسلام ولا علمانية ، أو توجد العلمانية ولا إسلام إن الإسلام كما جاء بالقرآن الكريم : نظام يشمل الإنسان من جميع أقطاره في علاقته بالدنيا والآخرة ، والشاهد والغائب والعقل والقلب والروح والجسد ، والفرد والمجتمع بما لا يترك مدخلا للعلمانية يقول سبحانه وتعالى : قاطعا ما بين الإسلام وبين الرافضين لشموله ( إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء ) الأنعام 159 ثم يؤكد شمول الإسلام في قوله تعالى ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له ) الأنعام 162 ويعتبر الرافضين للشمول مشركين ( قل أغير الله أبغي ربا وهو رب العالمين ) الأنعام 164 ويأتي ذلك كله في سياق واحد كما هو واضح . ومن خلال هذه النظرة الشمولية يخاطب القرآن أهل الكتاب قائلا : ( أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ، فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ، ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب ، وما الله بغافل عما تعملون ) البقرة 85 ومن الآيات التي توجب اتباع الشريعة كركن أساسي في صفة الإيمان قوله تعالى : ( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما انزل إليك وما انزل من قبلك ، يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا ) النساء 60 وقوله تعالى ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله امرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ) الأحزاب 36 وقوله تعالى في جزاء جريمة القتل ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى ) البقرة 78 ، ثم في قوله تعالى : ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها ) النساء 93 . وهل هناك شمول أوسع من هذا الشمول ؟ إن هذا الشمول بدهية إسلامية ومعلوم من الدين بالضرورة يقول الدكتور محمد عمارة : إن أبلغ رد على العلمانيين القائلين بعلمانية الإسلام وأنه رسالة روحية محضة هو في الإشارة إلى أبرز معالم الدولة التي أسسها الرسول و صحبه وهي المعالم التي تواترت في أمهات مصادر الحديث والتاريخ ، ولقد قيض الله لهذه القَسمة التي تمثل المنطلق لتراث الإسلام السياسي عالِما أبحر في محيط السنة ، والتقط منه اللبنات التي أقامت معالم دولة المدينة شامخة وبارزة للناظرين .. وهو أبو الحسن علي بن محمد بن موسى بن مسعود بن موسى بن أبي عفرة الخزاعي ( 710 – 879 ه 1026 – 1103 م ) في كتابه " تخريج الدلالات السمعية " ومن هذا الكتاب ندرك أننا بإزاء دولة كاملة الأركان والتفاصيل على راس هذه الدولة كان القائد والأمير وولي الأمر والإمام محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم أنظر كتاب ( تخريج الدلالات السمعية على ما كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحرف والصنايع والعمالات الشرعية ) نشر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالقاهرة 1980 تحقيق الأستاذ محمد أحمد أبو سلامة إنه الإسلام بما له من صفة الشمول الجديرة بكل دين صحيح وهاهو بيان هيئة كبار العلماء بالأزهر – قبل تشكيل مجمع البحوث الإسلامية – وهو بصدد الرد على الشيخ على عبد الرازق وشيعته الذين يستدلون بقوله صلى اله عليه وسلم " لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء " على انسحاب الإسلام من شئون الحياة الدنيا وهم مع ذلك ما يزالون يعتقدون بصحة القرآن الكريم !! يقول ( ماذا يعمل هؤلاء في مثل قوله تعالى " إنا أنزلنا إليك الكتاب لتحكم بين الناس بما أراك الله " وقوله تعالى : " وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم " وقوله تعالى : "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل " وقوله تعالى " لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم " وماذا يعمل هؤلاء في مثل ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما أن ابنة النضر أخت الربيع لطمت جارية فكسرت سنها فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بالقصاص ، فقالت أم الربيع يا رسول الله أتقتص مني فلانة ؟ لا والله ، فقال : سبحان الله يا أم الربيع كتاب الله القصاص " أنظر كتيب " حكم هيئة كبار العلماء في كتاب الإسلام وأصول الحكم " نشر عام 1344 ه ص 11- 13 إنه الإسلام بما له من صفة الشمول الجديرة بكل دين صحيح ويصل الاستهبال بالعلماني عندما يجد نجاح بعض الخلفاء المسلمين في عنايتهم بشئون الحياة الدنيا فإذا به يفصل ما بينهم وبين الدين حيث يقول : ( إن نجاح هؤلاء الخلفاء ... . قد ارتبط ارتباطا وثيقا بفصلهم بين الدين والدولة عند قيامه بأمانة الحكم ). وهم إذ يقررون تارة " علمانية الإسلام " بمعنى عدم التعارض بينهما عن طريق سحب شئون الحياة الدنيا من بين يديه وفقا لمفهومهم المنكوس تراهم يقررون تارة أخرى هذه العلمانية " علمانية الإسلام " باسم عنايته بشئون الحياة الدنيا !!. وهؤلاء يقولون : أليس الإسلام يختلف عن المسيحية وعن أديان كثيرة في توجهه إلى الحياة الدنيا وعنايته بها فضلا عن عنايته بالآخرة ؟ فنقول لهم : نعم . فيصيحون في سذاجة : فهذا هو اتفاق الإسلام مع العلمانية ، أو هذه هي علمانية الإسلام فنقول لهم : إن الإسلام ليس هو محض الاهتمام بشئون الحياة الدنيا ولكنه الاهتمام بها لإخضاعها لمالك الدنيا والآخرة وإن العلمانية ليست هي محض الاهتمام بشئون الحياة الدنيا ولكنها الاهتمام بها لإبعادها عن مالك الدنيا والآخرة . إن توجه اثنين إلى شيء واحد كما أنه يمثل لقاء بينهما فإنه كثيرا ما يجعل من هذا اللقاء صداما ، إذ ما بالكم لو توجهت أصابع أحدكم وأصابع اللص إلى محفظته في الوقت نفسه ؟ إن وصف المصطلحات الأجنبية – ومنها العلمانية - بالإسلامية بعد تحريفها لا يخرجها عن معانيها المقررة نظريا وعمليا ، وهو يخفي سوء النية من خلفها ، إذ أن ترويج شعار " علمانية الإسلام " ما هو إلا ترويض للعقول لتقبل العلمانية في معناها الحقيقي ، وهو أشبه بأن تقول " الربا الإسلامي أو الإلحاد الإسلامي ، أو الصهيونية الإسلامية . وعن أهمية صفة الشمول كدليل على مصداقية الدين بوجه عام أنظر الأستاذ عباس محمود العقاد في كتابه " الإسلام في القرن العشرين " لعباس محمود العقاد طبعة دار نهضة مصر بالفجالة ص 16-17 ، 27-29 والمستشرق المسلم ليوبولد فايس " محمد أسد " في كتابه " الإسلام على مفترق الطرق ترجمة عمر فروخ ط 1977 ص 22 – 0 24 وروجيه جارودي في كتابه " الإسلام دين المستقبل " لروجه جارودي ترجمة عبد المجيد بارودي نشر دار الإيمان بدمشق وبيروت ط 1983 ص – 70 - 76 إن العلمانية ، " ليس لها مكان في وجود الإنسان مع الإسلام ، فإما أن يوجد الإسلام ولا علمانية ، أو توجد العلمانية ولا إسلام كما يقول الدكتور محمد البهي " في كتابه " العلمانية والإسلام بين الفكر والتطبيق " نشرة مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر :ص 7 والله أعلم yehia_hashem@ hotmail .com