تتَّسم طبيعة العنف في الصومال -وخصوصًا مقديشو التي تعتبر بؤرة من بؤر الصراع في العالم- بالروتينيَّة في الاستمرار؛ حيث لا تكاد نسمع بين الفينة والأخرى هدير الرصاص وأزير المدافع المتبادلة بين الحكومة الانتقاليَّة وحركة الشباب المجاهدين، لكن طبيعة هذا الصراع لا تخلو من مفاجآت عسكريَّة واستراتيجيَّة الكرّ والفرّ، حيث حركة الشباب تشنّ هجمات متقطِّعة على معاقل القوات الحكومية، بالإضافة إلى أن هناك غيابًا شبه كامل بالمصالحة السياسية بعد أن وصلت كل الطرق الدبلوماسية لحلحلة الأزمة الراهنة إلى طرق مسدودة، فالمعارضة المتمثلة في حركة الشباب المجاهدين التي تضمُّ في جناحها بقايا الحزب الإسلامي لا ترضى بدخول مفاوضات سواء بشكل مباشر أو بآخر مع الحكومة الانتقاليَّة، بينما على الطرف الآخر يُبدي استعداده لقبول فكرة الحوار، لكن لا ندرك مدى جديته واستعداده الكامل نحو حلّ الأزمة الراهنة عبر الطرق الدبلوماسيَّة السلميَّة بدلًا من استخدام لغة السلاح. الحاصل أن طبيعة هذا الصراع العسكري الدائر بين الصوماليين في الوضع الراهن لا يتغير، وربما يطولُ أمده إلى أجل غير مسمى، ولن تقبل طبيعته تغييرًا عسكريًّا أو سياسيًّا إذا كان الأمر يسير على هذا المنوال، لأن القوى المتصارعة في الميدان ليست متكافئةً من حيث القوة العسكريَّة، وهذا الأمر هو الذي كان من الممكن أن يرجّح كفة الميزان لصالح الحكومة الانتقاليَّة، لكن ما نشهده في الوضع الراهن هو أن طبيعة الصراع العسكري لا تزال تراوح مكانها، ولا يوجد هناك غالب أو منتصر على غريمه في الساحة، اللهم إلا حصد أرواح المدنيين الذين يتلظَّوْن بين حرب دامية وظروف اقتصادية خانقة، وسنحاول في هذا المقال استعراض عناصر القوة والضعف لدى الطرفين: الحكومة الفيدراليَّة .. عناصر القوَّة 1. القوَّة العسكريَّة المستعدَّة التي تحقّق للتفوق والانتصار على حركة الشباب المجاهدين عسكريًّا،حيث تبلغ قوَّة الحكومة العسكريَّة في الوضع الراهن قرابة 17 ألف جندي، هذا بالإضافة إلى القوة العسكريَّة الاحتياطيَّة، مما يؤهِّلها في الانتصار على قوَّة حركة الشباب، لكن هذا الأمر يتطلب إرادة صادقة ورغبة في التقدم العسكري. 2. القوَّات الإفريقيَّة المزوّدة بأحدث الأسلحة الخفيفة والثقيلة والتي تصطدم ليل نهار مع حركة الشباب، والتي يبلغ قوامها 8,100 جندي موزعون على مراكز عسكرية ومرافق حكومية في مقديشو. 3. القوَّة العسكريَّة لأهل السنَّة والجماعة، والتي تعتبر قوَّة عسكريَّة أخرى أمام حركة الشباب، رغم أن العلاقة السياسيَّة بين الحكومة الانتقالية وأهل السنة أصبحت شبه مقطوعة بعد استقالة عمر عبد الرشيد، لكن "الطريقة" المسلحة تعتبر قوَّة تقف أمام وجه الشباب في كل الأحوال. 4. الموقف الدولي المنحاز للحكومة الانتقاليَّة، والذي بدوره يشكِّل تدخلًا خارجيًّا آخر في المسألة السياسية في البلاد، ويرفض تشكيلة سياسيَّة أخرى غير التي ترضاها وتوافق على تنفيذ مصالحه الاستراتيجيَّة في القرن الإفريقي، أي أن الحكومة الانتقالية هي التي ارتمت في حضن المجتمع الدولي. ونظرًا لهذه العناصر التي تكمن فيها القوَّة العسكريَّة للحكومة الانتقاليَّة فإن هناك عناصر خلل وضعف تعاني منها (الطبخة الجيبوتيَّة).. وفيما يلي نورد عناصر الضعف في الحقول الآتية: عناصر الضعف ضعف الصمود العسكري لقواتها في الجبهات القتاليَّة، والانسحاب الكامل من المناطق العسكريَّة واحدة تلو الأخرى. الضعف النفسي والمعنوي الكامنان في نفسية القوات الحكوميَّة التي لا تتحصَّن بأيديولوجيَّة بنَّاءة أو أهداف منشودة مرجوّ تحقيقها. تعاطي معظم القوات الحكوميَّة مخدر القات الذي يستهلك مئات الآلاف من الدولارات، مما يفسر أن القوات الحكوميَّة لا تبحث عن نصر عسكري استراتيجي أكثر من بحثها عن مخدر القات. غياب القدرة التنظيميَّة العسكريَّة لإدارة الشئون العسكريَّة خلال الحرب، إضافة إلى غياب خطة تكتيكيَّة عسكريَّة موحَّدة لمحو وجود حركة الشباب من مقديشو، مما يتيح للحركة فرصة إعادة صفوفها من جديد وتوجيه ضربة عسكريَّة أخرى ضد الحكومة الانتقالية من جديد. شباب المجاهدين .. عناصر القوَّة وعلى الطرف المقابل فإن حركة الشباب المجاهدين تتمتع بقوَّة عسكريَّة ضخمة، وتظهر قوتها العسكرية إبان الحرب في العناصر الآتية: - الإرادة والصمود في وجه القوات الحكوميَّة والإفريقيَّة، بالإضافة إلى الاستعداد النفسي للتضحية الكامن في نفوس مقاتلي الحركة، والذين يُبدون قدرة فائقة على البقاء في جبهات القتال. - استخدام خطة تكتيكيَّة محكمة عند شنّ الهجوم على القوات الحكوميَّة والإفريقيَّة، والاعتماد على استراتيجيَّة "اضرب واهرب" والتي تنهش القوة العسكرية الحكوميَّة، بالإضافة إلى استخدام التفجيرات بواسطة السيارات المفخَّخة والألغام المزروعة في الطرق والشوارع الرئيسيَّة. - الترويج الإعلامي القوي للحركة، حيث تقوم بتوزيع سجلات مرئيَّة على أنصارها وموقعها الإلكتروني في الشبكة العنكبوتيَّة، بالإضافة إلى بثّ هذه السجلات عبر الإذاعات المحلية الناطقة باسمها في مقديشو، وفي كسمايو، مما يكسب الحركة التلاحم الشعبي معها، وخاصة في المناطق التي تسيطر عليها في جنوب الصومال. - الاعتماد على سواعد الشباب وعقليَّة الكبار، لتنفيذ مخططاتها العسكريَّة في ميادين القتال. ومن حيث القوَّة العسكريَّة فإن حركة الشباب بدورها تُعاني من خَلَل عسكري وضعف في الترسانة العسكريَّة، وفيما يلي أبرز عناصر الضعف عند الحركة: عناصر الضعف الافتقار إلى القوَّة العسكريَّة الضخمة التي تعادل العتاد العسكري الإفريقي، بالإضافة إلى المخزون العسكري للحركة الذي لا يُعادل بالقوات الحكوميَّة والإفريقيَّة، حتى تتمكَّن من مواصلة الحرب العسكريَّة المتأجِّجَة نارها في مقديشو. عدم مباشرة الهجوم على القوَّات الإفريقيَّة المحصَّنة في القواعد العسكريَّة، بينما على العكس نرى الهجوم المباغت على معاقل القوات الحكوميَّة بين عشية وضحاها. الدوافع الظاهرة والخفيَّة تعاني الحكومة الصوماليَّة –ولا تزال- من تخبط عسكري وفشل إداري وسياسي شلَّ حركتها نحو تحقيق المصالحة السياسيَّة -سلمًا أو حربًا- منذ تشكيلها عام 2009، إضافة إلى الهجمات العسكريَّة التي كانت تأتي بشكلٍ متواصل من قِبل حركة الشباب، التي تحاول الإطاحة بالحكومة الانتقاليَّة وإمكانية طرد القوات الإفريقية من الصومال، على غرار القوات الإثيوبيَّة التي انسحبت من البلاد في يناير عام 2009 بفضل ضربات المقاومة الإسلاميَّة. وجملة هذه المضايقات هي التي جعلت الحكومة الانتقاليَّة تنزوي في ساحة محدودة وضيقة من العاصمة لفترة من الزمن، وهي التي حملتها أخيرًا على البحث عن مخرج آمن من العزلة العسكريَّة وإمكانيَّة كسر الحصار الأمني المفروض عليها من كل الاتجاهات، هذا بالإضافة إلى إظهار مدى قوتها العسكريَّة للمجتمع الدولي الذي بدأ يمتعض عن سياسة الحكومة الانتقاليَّة، وبدأ يصف بأنها "عديمة الأداء" وغير قادرة على إعادة الأمن إلى الصومال. ويتجلَّى في البنود الآتية دوافع الحرب العسكريَّة الحكوميَّة ضد حركة الشباب المجاهدين، وهي كما يلي: القضاء على نفوذ حركة الشباب تدريجيًّا وطردها من مقديشو، ومن ثم إمكانيَّة ملاحقتها خارج مقديشو. محاولة استرداد المرافق الحكوميَّة العسكريَّة في مقديشو، وإحكامها بالقبضة الحديدية دون أن تقع مرة أخرى في يد الشباب. بسط نفوذها على المناطق المحيطة بالقصر الرئاسي لضمان سلامة وحماية القصر الرئاسي، وإبعاده عن خطر الهجوم المحدق به القادم من قِبل حركة الشباب. تخفيف حدَّة الهجمات العسكريَّة التي تستهدفها الشباب على المراكز الواقعة في عمق المناطق التي تتولَّى شئونها الحكومة الانتقاليَّة. أما حركة الشباب المجاهدين، فهي تضحِّي بالنفس والنفيس في حسم الأمر عسكريًّا، وجعلت ثقافة التفاوض وسياسة الحوار السلمية أغنية قديمة عفا عليها الزمن، والاتكاء على شعار"لا حوار إلا بالسيف" مع الحكومة الانتقاليَّة التي تصفها بأنها خارجة عن نطاق الشريعة الإسلاميَّة، والقوات الإفريقيَّة الصليبيَّة حسبما يقولها مسئولو الحركة عبر الإعلام المحلي. والواضح في هذا الصدد أن "الشباب" لا تزال تهدف وتطمح في الاستحواذ بنصيب الحكومة الانتقاليَّة التي يساندها المجتمع الدولي. وفيما يلي دوافع حركة الشباب المجاهدين على مواصلة الحرب الراهنة التي تتطلَّب أموالًا باهظة وقوة عسكريَّة ضخمة. إمكانيَّة ضمّ إقليم بنادر إلى الأقاليم الأخرى التي تقع تحت سيطرة الحركة، لأن معظم الأقاليم الجنوبيَّة سقطت في يدها، مما يعني إنهاء العملية السياسية برمتها، وجعلها تسير تحت تأثير وقوة الحركة الميدانيّة في الصومال. القضاء عسكريًّا على القوات الإفريقيَّة، وما يؤكِّد هذا سقوط عدد غير قليل من القوات البوروندية والأوغنديَّة بين قتيلٍ وجريح في ميادين القتال، فضلًا عن سحل جُثث عدد منهم في شوارع مقديشو، مما يؤثر سلبًا على المعنويات النفسية للقوات البورونديَّة والأوغندية، وأظهر استطلاع رأي أُجري مؤخرًا في أوغندا أن 60% من الأوغنديين طالبوا بسحب القوات الأوغنديَّة من الصومال، مما يشير إلى مدى امتعاضهم عن بقاء قواتهم في الصومال. محاولة الاستعادة على مبنى القاعدة العسكريَّة في وزارة الدفاع الصوماليَّة سابقًا التي انتزعتها القوات البوروندية من يد حركة الشباب، وتوجيه منظارها العسكري في الوضع الراهن عليه، وفرض حصار عسكري محكم على محيطه، لقطع الإمدادات التي تصل إليه من القواعد العسكريَّة الإفريقيَّة القريبة منه مثل الأكاديميَّة العسكريَّة (سياد بري) سابقًا التي تحتضن وحدات من القوات الإفريقيَّة، لإجبار القوات البوروندية المحصَّنة داخل المبنى العسكري على الخروج منه بعد أن ضاقت بهم سُبُل البقاء والحياة فيه. الأبعاد السياسيَّة لقد أخذت الحرب الجارية في مقديشو بعدًا جديدًا آخر في المسألة الصوماليَّة العويصة، إذا أنها تفرض نفسها بقوَّة على الساحة العسكريَّة الملتهبة، لتؤثر على كافة مجالات الحياة في الصومال، إذا أنها تمتدُّ للأقاليم الأخرى في جنوب البلاد، مما يعطي دليلًا على اتساع رقعة ونطاق الصراع العسكري الدائر، كما يمكن القول في هذا الصدد أن الحرب الجارية هي تمثِّل مرحلة كسر العظام، لتقويض قوَّة الآخر بين عشية وضحاها، ومن هنا تكمن ملامح عدة وهي كما يلي: 1. رغم الجهد العسكري المبذول حقّقت الحكومة الانتقاليَّة إلى أن توجه رسالة إلى العالم، مفادها أن قوتها العسكريَّة تستطيع محاربة حركة الشباب، كما أنها قادرة على مواصلة الحرب ضد الحركة، حتى تحققَ ما تصبو إليه. 2. يحمل الهجوم العسكري الإفريقي على حركة الشباب عبئًا ثقيلًا على كاهلها يصعب حمله في هذا التوقيت، لأن سقوط مبنى القاعدة العسكريَّة لوزارة الدفاع الصومالية (سابقًا) يعتبر ضربة عسكرية تمهّد الحكومة الانتقاليَّة في سبيل الوصول إلى ملعب مقديشو، الذي تحوَّل من مجرد ملعب رياضي إلى قاعدة عسكريَّة مفضَّلَة لدى الجميع، وربما يؤدي هذا إلى أن تحشد الحركة قوتها العسكريَّة من جديد صوب هذه القاعدة العسكرية -وزارة الدفاع سابقًا. 3. يحقِّق هذا التقدم العسكري للحكومة الانتقاليَّة إلى المحاولة في بسْط نفوذها عسكريًّا بشكلٍ تدريجي، شهرًا بعد الآخر، ومن المحتمل أن تخطِّط في سبيل السيطرة على ملعب مقديشو في المرحلة القادمة. المصدر: الاسلام اليوم