قررت جامعة ليفربول العالمية منح مفتي مصر الدكتوراه الفخرية بالإجماع كأول عالم مسلم يحصل على هذه الجائزة، مما يمثل تقديرا للأزهر الشريف ووسطيته في صورة المفتي، وليس يقل عن هذا التكريم استقبال أكثر من مليون مواطن لفضيلته عند زيارته للهند منذ شهرين، في الوقت الذي ظل الإعلام المصري يشوه صورة المفتي، ويختصره في فتوى مثيرة هنا وهناك دون النظر لتاريخه ولا لتطويره لدار الإفتاء، مما حدا بأحد الباحثين لتأليف كتابا بعنوان: (افتراءات صحفية على مفتي الديار المصرية)، فما هي الأسباب والمقومات من وجهة نظرنا التي اعتمدت عليها جامعة ليفربول لتكريم فضيلة المفتي؟ في الوقت الذي تغافلنا فيه نحن في مصر عن هذه المقومات إن جهلا وإن عمدا، حتى إن إحدى القنوات الفضائية المملوكة لأحد رجال الأعمال لم تذكر الخبر على شريط شاشتها. أعتقد الإجابة تتمثل في النقاط الآتية: 1 شخصية المفتي نفسه، فالمفتي بعيدا عن مكانته العلمية تعدى هذه إلى الدور إلى دور اجتماعي تفاعل فيه وتلاحم مع المجتمع، وقاد مشروعات خيرية انتفعت بها آلاف الأسر من مسلمين وأقباط، 2 أعاد لدار الإفتاء مكانتها، وأقبل جمهور المستفتين عليها، فقد أصدرت الدار في العام المنصرم 2010 عدد 465 ألف فتوى ما بين مكتوبة بلغت 2.316، و89.133 شفوية، و255.058 فتوى هاتفية، و113.468 عبر الإنترنت، و5.346 فتوى وردت من البلاد الأجنبية. 3 تصديه لقضايا وفتاوى خطيرة ومعالجتها معالجة عصرية مثل: قضايا نشر التسامح بين الأديان، والوحدة الوطنية، وفتاوى وضع البويضة المخصبة في رحم الزوجة بعد وفاة الزوج، وميراث من اعتنق البهائية، وحقوق المطلقة بعد الدخول، وتغير الربح في التمويل العقاري، وصمام القلب من أنسجة الخنزير، وحقوق غير المسلمين، ونكاح منكوحة الأب غير المدخول بها، وتحديد نوع الجنين، وإسقاط الأجنة. 3 أن الأفكار الحديثة التي جرى إنتاجها نتيجة ثورة الاتصالات لم يقف الشيخ منها موقف العزلة، أو الاستعلاء، أو المخاصمة، بل تفاعل معها وأفاد منها، ساعده على ذلك إجادته لعدة لغات، واطلاعاته الموسوعية المختلفة. ويضاف إلى ذلك البحوث العلمية التي دعا إليها فضيلته ولم يسبق إليها وتدل على موسوعيته وإدراكه لواقعه، ومن هذه البحوث: 1 دعوته إلى دراسة الشخصية الاعتبارية، وأثرها في الترجيح، وفي الحكم على العقود المعاصرة، والمعاملات المستجدة. 2- دعوته إلى إبراز التصورات الكلية للعلوم، وأن هذه التصورات كانت سارية في أذهان العلماء الذين كتبوا التراث، وإن غياب هذه التصورات الكلية عن الدارسين والباحثين من المعاصرين يؤثر بدرجة كبيرة في مدى فهمنا لتراث الأمة. 3- دعوته إلى استخدام أصول الفقه في فهم كلام الناس، لتكوين العقلية القادرة على التعبير الدقيق فيما يفكر فيه الإنسان، والفهم الدقيق لما يفكر فيه الآخرون، مما يؤدي إلى فتح قنوات التواصل والتفاهم بين فئات المجتمع وتياراته وأحزابه وأطيافه الفكرية. 4- دعوته إلى التفرقة بين العقلية العلمية والعقلية الخرافية، ووجوب إنشاء دراسات موسعة حول سمات كل عقلية منهما وخصائصها، وكيفية تكوين العقلية العلمية بصورة تربوية واسعة. 5- دعوته إلى دارسة سمات العصر، وعدها ثلاثين سمة، وإن إدراكها، وإدراك العلاقات البينية التي تربط تلك السمات، هو الذي يصنع عقلية قادرة على فهم الواقع واستيعابه وتحليله. 6- دعوته إلى دارسة السنن الإلهية، وأنها المدخل لصناعة علم يمكن تسميته: أصول فقه الحضارة. 7- دعوته إلى إنشاء بحوث ودراسات حول توليد العلوم، وأن توليد العلوم فرض قامت به الأمة الإسلامية عبر عصورها المختلفة. 8- دعوته إلى صناعة وصياغة علم التوثيق بما يتلائم مع الثقافة المعاصرة، حتى يعرف المسلم كيف يصل إلى الحقائق بطريق منضبط، وكيف يتثبت من مصادر معرفته في كل مسائله. 9- دعوته إلى دراسة النموذج المعرفي الإسلامي، لأن النموذج المعرفي هو الأصل الأعلى الذي يؤثر في الثقافة والقوانين والآداب والفنون. 10- دعوته إلى دراسة قضية اللحظة اللطيفة، وأثرها في الأحكام الشرعية، وأنها مهمة جدا في تصحيح بعض العقود، فدعا إلى تتبع ضوابطها، والمواضع التي استعملها فيها الفقهاء، وكيفية تفعيلها في الحياة المعاصرة. [email protected] باحث في الحركات الإسلامية