يظهر أثر التمويل الغربي بصورة قوية في أوقات أزمات المجتمع، حيث نجد في بعض الأزمات الصمت التام من قبل بعض موجهي الرأي، الإعلاميين، الكتاب، الباحثين، والمراكز البحثية التي ترتبط بالرأي العام، والذين ينتظر الجمهور منهم حضوراً فكرياً في مواجهة الأزمة التي يكون صانعها في الغالب إحدى الدول الغربية مثال لذلك أزمة الرسوم الدنماركية. أو في أزمات أخرى متعددة حيث نجد الأصوات تتوجه صوب وجهة معينة المتأمل فيها يجدها تقف ضد كل ما يرتبط بتدين المجتمع وهويته الدينية الراسخة، والمدقق في أسباب هذه المواقف سيجد التمويل الغربي لاعباً أساسياً في التأثير على مواقف هؤلاء، فمن ناحية متلقي التمويل فإن له تاريخاً طويلاً مع الجهة الممولة وحصل منها على آلاف الدولارات وعشرات الامتيازات، وهو بذلك لا يريد قطع وغلق هذا الباب السحري الذي يرفل منه، ومن ثم يسير على هوى الممول، ومن ناحية أخرى يخشى من مهاجمة الممول حتى لا يكشف حجم التمويلات والامتيازات التي حصل عليها محترف التمويل والتي هي في نظر المواطن العادي رشوة حصل عليها محترف التمويل ليبيع فكره لدولة غربية تعتدي على حرماته ومقدساته، ولا تريد الخير لبلاده. وبصفة عامة فإن مواجهة المتدينين يعد هدفاً رئيسياً في صراع الغرب مع الإسلام، وفي ضوء ذلك فإن الغرب بدعمه مالياً للتيارات العلمانية، وسعيه لتغيير مسار واهتمامات موجهي الرأي صوب مشروعات مضادة للتدين، يعتبر الغرب ذلك بمثابة محاولات للتوازن في المعركة مع المتدينين. وفي هذا الصدد أوصى تقرير راند والذي حمل عنوان " الإسلام المدني الديمقراطي: بأهمية " دعم التقليديين ضد المتدينين وذلك لنظهر لجموع المسلمين ما يلي عن المتدينين: دحض نظريتهم عن الإسلام وعن تفوقه وقدرته، إظهار علاقات واتصالات مشبوهة وغير قانونية لهم، إظهار هشاشة قدرتهم في الحكم وتخلفهم، تغذية عوامل الفرقة بينهم، دفع الصحفيين للبحث عن جميع المعلومات والوسائل التي تشوه سمعة المتدينين، وتجنب إظهار أي بادرة احترام لهم ولأعمالهم أو إظهارهم كأبطال وإنما كجبناء ومخبولين وقتلة ومجرمين وذلك كي لا يجتذبوا أحداً للتعاطف معهم". وعلى ذلك توضح الجهات المعينة لدائرة صنع القرار في الحكومة الأمريكية أن" المجتمع الديمقراطي المدني الذي تصبو إليه أمريكا وتدفع باتجاهه لن يشجع قوانين الشريعة الإسلامية التي يريدها المتدينين، كما أن الحداثة لا تتماشى مع عقوبة القتل للزنا والجلد والبتر باعتبارها عقوبات جنائية مقبولة. كما لن تتقبل الفصل الإجباري بين الجنسين تحت دعاوى الاختلاط أو التفرقة المتطرفة والواضحة ضد المرأة في قانون الأسرة مثل الميراث"". من هنا كانت مبادرة وزارة الخارجية الأمريكية في العالم العربي والرامية لنشر المدنية اللادينية مقابل الإسلام والتدين في العالم الإسلامي بحسب مؤسسة راند شديدة القرب من دائرة صنع القرار الأمريكي. وقد قامت الخارجية الأمريكية من خلال هذه المبادرة بإنفاق أكثر من 530 مليون دولار حتى الآن لتحقيق هذا الهدف المقوض للمتدينين. وتأكيداً على الدور المشبوه لمرتزقة التمويل الغربي قبالة تدين المجتمع فقد صدر عن مؤسسة راند في عام 2007 تقرير بعنوان "بناء شبكات مسلمة معتدلة" حيث أوصى التقرير بصناعة ودعم شبكة من التيار العلماني والليبرالي والعصراني ممن تنطبق عليهم شروط الاعتدال بالمفهوم الأمريكي، وأن تستخدم هذه الشبكة في مواجهة المتدينين. وقد تحدث التقرير بشكل مطول عن دور المال الأمريكي في دعم ومساندة بعض دعاة المجتمع المدني في العالم الإسلامي من أجل تحقيق التحولات الفكرية والمجتمعية التي تسعى إليها الولاياتالمتحدةالأمريكية، وقد أوضح تقرير راند أن من بين الشركاء الرئيسيون في القيام بهذه المهمة قبالة المتدينين: أ- التيار الأكاديمي الليبرالي والعلماني: حيث يرى التقرير أن الأفكار الليبرالية التحررية توجد بشكل أكثر وضوحاً بين الأكاديميين والمفكرين، ولذلك يمكن الاستفادة منهم في دعم الاستراتيجية الأمريكية لتقويض تدين المجتمع. ب- الدعاة المعتدلون الجدد: رغم أن التقرير حذر في أكثر من موضع من خطورة التعامل مع أي فئة من المتدينين، إلا أنه يدعو هنا إلى دعم ومساندة وتمويل من أسماهم "بالدعاة المعتدلين الشباب". حيث يرى التقرير أن الحركات العلمانية الليبرالية التي لها قاعدة شعبية، لا تتقبل بسهولة فكرة استخدام المساجد في الدعوة إلى فكرها، لذا يمكن الاستفادة من استخدام الدعاة المعاصرين والتفاعل الجاد مع ما أسماهم بالمعتدلين، وخاصة الدعاة الجدد ممن سيصبحون قادة الحركة الدينية في المستقبل، علماً بأن تقرير راند أشار إلى ضرورة التزام هؤلاء الدعاة الجدد بمبادئ الاعتدال بالمنظور الأمريكي للاعتدال، وليس طبقاً لأي معيار آخر. ت- الصحفيون والكتاب والإعلاميون: وفي هذا المحور الهام يؤكد التقرير على أهمية دعم البرامج التلفزيونية والإذاعية المحلية ومواقع الإعلام غير التقليدي لتحقيق هدف مواجهة المتدينين وسعيهم لنشر التدين في المجتمع. فهل يا ترى سينجح مرتزقة التمويل الغربي في تقويض تدين المجتمع المصري؟