الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد فهذا مقال أقاوم فيه منذ وقت بعيد ، وكلما هم بى وهممت به ، صرفه الله عنى وصرفنى عنه ، لكنى كنت أعلم أنه آت ولو بعد حين. حين دخلت عالم الكتابة وبدأت أعرض عقلى على الناس ، لم أدخله لأننى ثائر أو كاتب أو عالم ، إنما ولجته من باب المحب الذى يريد الإصلاح ما استطاع ، ورغم قلة علمى وحداثة تجربتى وسطحية كتاباتى لكن حرارة اللهجة ونفس المحب ربما يكونا كتبا لبعض كلماتى بعض القبول فضل الله ، لكن أكثر ما كان يؤلمنى حين أقرأ تعليقات إما لا علاقة لها بأخلاق الإختلاف فى الإسلام ولا فضيلة حسن الظن أو تعليقات ترميك بما ليس فيك ( كهذا الذى رأى أن مقالى كتب على عجل ولا يستحق القراءة ويرى أننى كتبته حتى لا يتأثر دخلى الكريم ( كذا قال ) مع أننى لم أتقاضى مليماً فى حياتى عن شىء يخص الدعوة ) أو تعليقات عبارة عن هجوم لمجرد الهجوم ( كمن قال لى انفث حقدك فى مكان آخر ) وكثير من التعليقات تصيبك بالجنون ( كمن قال لماذا تقولون لشاب فى العشرين يا شيخ مع أن عمرى أربعون سنة ) لكن أشد ما كان يدفعنى لقرار ( أرح واسترح ) هو أننى كنت أشعر فى أحيان كثيرة أن من يهاجم لم يقرأ المقال أو قرأ دون وعى ، كان يقرأ بسرعة لينتهى بسرعة ليعلق بسرعة ، لأن ما يعنيه هو تصنيفه لهذا الكاتب ، فمادام هذا الكاتب سلفى - مثلاً - فحى على الهجوم ، فلماذا أكتب إذن ؟ وما الفائدة ؟ كنت أحياناً بعد قراءة التعليقات أعيد قراءة المقال مرات ومرات ثم أقرأ التعليقات فأتعجب : ما علاقة التعليقات بما كتبت ؟ ، هذا ولا أنكر أنه كان هناك الكثير من المنصفين والكثير ممن يختلف بطريقة لا توغر الصدر ، لكن الآخرين أصابوا الحلق بالمرارة ، والصدر بالألم ، وبلغ الأمر درجة المشكلة بالنسبة لى حين بدأت أكتب سلسلة عن السلفية وفوجئت بتعليقات مؤلمة ومتحاملة حتى أننى توقفت عن إكمال السلسة ، واضطررت لتغيير الموضوع ، لأن رجل هاو مثلى لا طاقة له بهذه المعارك ، ولأن سلامة صدرى وراحة بالى لا يعدلها شىء ، لكنى لم أغفرها لنفسى واكتشفت من ساعتها أننى لم أعد أكتب ما أعتقده وأن الخوف من التعليقات أصبح هاجساً يكبل قلمى وبدأ صراع بين وبين نفسى ، ثم كان الهجوم الغير مبرر على الشيخ خالد عبدالله لمجرد أنه يعرض وجهة نظر أخرى وكنت أراقب ما يجرى للرجل وأنا أزداد قرباً من لحظة وضع القلم ، ثم جاء زلزال 25 يناير فقررت أن أتوقف ، وأن أتفرغ للتأمل واستخلاص الدروس والعبر ، لكنى وجدت نفسى أكتب : دعوها فإنها منتنة ، وأكتب : الإتحاد أو مؤخرة الصفوف ، وأكتب : صنع فى مصر ، كتبت هذه المقالات لأعذر إلى الله ، ثم حين بدأت أغادر المنطقة الرمادية وأكتب ناقداً فبدأت بمقال لم ينشر فى المصريون لكنه ذاع وانتشر على الشبكة العنكبوتية هاجمت فيه بشدة مقصودة الأداء السلفى ثم كتبت بعده هنا : السلفيون والإخوان خصوم أم شركاء ، بعد هذين المقالين واجهت ما لا قبل لرجل عامى مثلى به وقد نالنى من الأذى والتجريح ما لا يعلمه إلا الله ، والإخوان الذين مجدونى بعد هجومى على الأداء السلفى ، أسقطونى بعد المقال الأخير ، والواقع أن ما آلمنى لم يكن الإختلاف مع مضمون ما كتبت لأننى أعترف أن هناك أخطاء وربما بالذات فى هجومى على السلفيين لكن الذى أحزننى هو طريقة التعبير عن هذا لإختلاف ، وقد اتصل بى شيخ كريم وكبير طالما مدحنى وأثنى على فإذا به يتصل بى ليقول لى : أنت أخطر من عبدالله كمال ، إنا لله وإنا إليه راجعون ، بزلة واحدة - إن كنت زللت - بزلة واحدة تشطب كل حسناتى ؟ وأرسل لى شيخ كبير آخر رسالة مع واسطة قال له قل لخالد الشافعى أن هذا أسوأ مقال كتبه ، وأنه لم يفهم السلفية حتى اليوم ، أما عن إخوانى من الإخوان فيكفى ما جاءنى على بريدى فضلاً عن التعليقات الموجودة أسفل المقال . حينها أدركت أنه جاء وقت العودة إلى مقاعد القراء ، وأن مثلى لا يصلح للشأن العام ولا للمعارك الضخمة ، لكنى أدركت أن الخطأ ليس فى وحدى ، بل يبدو أن هناك مشكلة كبيرة فى ثقافة الإختلاف والمناظرة والتعامل مع الرأى الآخر ، وأن كثيرا منا يحتاج أن يفهم أن النقد لا يعنى التجريح ولا السخرية ولا الإستهزاء ولا رمى الآخرين بالباطل ، وأن من يختلف معى ليس مجرماً ، وأن من حقه أن يكتب دون أن يعتقد أن رأيه هو الصواب قطعاً بل يحتمل الصواب ، فإذا ما خالفته ينبغى أن أخالفه وأن أعتقد أن رأيي أيضاً يحتمل الخطأ ، للأسف جل من خالفنى ، خالفنى لأن يقطع يقيناً أن رأيه لا يحتمل الخطأ ، مع أن الوحى قد انقطع . لأجل هذا ولأن هاو مثلى لا طاقة له بهذه المعارك وعملاً بنصيحة واحد من المعلقين الذى قال لى : تعلم قبل أن تتكلم ، وآخر قال لى : اسكت يا مغفل ، أقول لأجل هذا ولأسباب أخرى كثيرة أستأذنكم فى الإنصراف وأشكركم على كل ما كان وأدعو للجميع بالتوفيق والسداد وأعتذر عن كل خطأ أو زلة وأعفو عن كل من ظلمنى ، كان هذا آخر العهد بكم . سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين