يحتاج سيادة رئيس الوزراء عصام شرف إلى فذلكة لغوية نتفاءل بها؛ فإن للمرء نصيبًا من اسمه، كما قالت العرب، فما هو العصام، وما هو الشرف؟ العصام في اللغة حبل تُشَدُّ به القِربةُ وتُحمل، يمنع ماءها من السيلان، والضياع، والعصامي هو من يسود الناسَ بشرف نفسه، ويقابله العِظاميّ الذي يسود بشرف آبائه، وهو منسوب إلى عصام حاجب النعمان بن المنذر الذي قال فيه الشاعر: نَفْسُ عصامٍ سَوَّدَتْ عِصاما.. .. وعلمته الكر والإقداما.. .. وصيرته سيًدا هماما والشرف هو العلو والمجد، يقال: هو شَرَفُ قومه وكَرَمُهم؛ أَي شَريفُهُم وكَريمهم، والشُّرْفةُ أَعلى الشيء. وهُوَ مِنْ أَهْلِ الشَّرَفِ: مِنْ أَهْلِ الْحَسَبِ وَالنَّسَبِ وَالْمَجْدِ.. وكَلِمَةَ الشَّرَفِ: هي كَلِمَةَ الصِّدْقِ الَّتِي لَنْ يَحِيدَ عَنْهَا قائلها، أَوْ يُخِلَّ بِهَا. والمأمول الآن أن يعصم رئيس الوزراء الجديد مصر المحروسة من أن يراق مجدها، أو يهان شرفها، أو يضام أهلها، أو يضاع فضلها، أو يضار أحرارها، وأن تكون رئاسته بابًا لعلوها ومجدها، وأن يكون - كاسمه - صاحب كلمة شرف، لا يحيد عنها، أو يخل بها.. قل يا قارئي آآآآآآآآآآآمين! وقد قال الرئيس شرف كلمة شرف في ميدان التحرير جاء فيها: لقد جئت اليوم إلى ميدان التحرير لأستمد شرعيتى من ثوار الشعب المصرى، وأتعهد بتحقيق جميع مطالب الثورة المصرية، وبذل كل جهد في سبيل ذلك، وفى حال فشلي فى ذلك لن يكون مكاني هنا (مشيرًا فى اتجاه مبنى مجلس الوزراء) بل هنا (مشيرًا نحو جموع المتظاهرين بالميدان)! وقال: أدعو الله أن أرى مصر بلدًا حرة، الرأي الحر فيه خارج الزنازين، وأن يكون المواطن على القمة، وأجهزة الأمن فيها خادمة له! ثم هتف مع الجموع: ارفع راسك فوق؛ إنت مصري! هذا (كلام شرف) يا دكتور عصام شرف، سنطالبك بتحقيقه، وبه ستدخل تاريخ مصر والعالم من أوسع الأبواب، إنسانًا شريفًا يفي بعهده، ويلتزم بكلمة الشرف، أو ستخرج منه – إن خِست بوعدك - مذؤومًا مدحورًا، يدعو عليك الناس، ويلعنون سيرتك - لا قدر الله تعالى - كما لعنوا صدقيًّا وعبيدًا ونظيفًا وأشباههم.. واسمح لي أن أحلم في ظل وزارتك ببعض الأحلام، التي أطمع أن تتحقق، كما يطمع مثلي كثيرون: = = أتمنى على الله - ولا يكتر على الله - أن يكون للمصري في الخارج بيت يأوي إليه، ويحمي مصالحه، وينجده عند الاقتضاء، ولا يدخل سفارة بلده برجله اليسري، كأنه يدخل (مرحاضًا) أو شعبة لأمن الدولة، أو مركزًا للشرطة سيئ السمعة! وأن نعرف وجه السيد السفير، وندخل مكتبه، ويطمئن المصري إلى أن البيه موجود – ككل سفراء الدنيا - لحماية مصالحه في الغربة! وأهمس لحضرتك بسر لا أبالغ فيه والله، لقد عرفت في مقر عملي سفراء الدول الكبرى: الأميركي، والبريطاني، والألماني، والفرنسي، والياباني، وغيرهم كثير، ودعاني بعضهم في بيته في رمضان وغير رمضان، وتبادلنا المجاملات، ولم أعرف طوال فترة عملي اسم السفير المصري ولا شكله! تصور يا زعيم! = = وأتمنى على الله - ولا يكتر على الله - أن يدخل المصريون من مطار القاهرة (بسلام آمنين) كما كتب على واجهته! وأن يكونوا فرحين عند وصولهم، لا أن يكونوا قرفانين متوقعين (تلكيكة) من مخبر أمن دولة لا يخاف الله، ولا غلاسة موظف جمارك، ولا غباء موظف عام! هل تعرف يا سيدي أن أسماء كثيرة من ذوي المناصب العالمية الكبيرة، كانت (تُلطع) في المطار ست وسبع وعشر ساعات؛ لمجرد الغلاسة من ملازم يريد أن يتسلي ويستمتع بإزعاجهم؟! إن شككت في ذلك فاسأل زغلول النجار والقرضاوي وجمال بدوي وغيرهم من المفكرين العالميين، وأساتذة الجامعة، وأصحاب الرأي! = = وألهج بالدعاء لربي أن تصالح دولتنا في عهدك الإسلام، وألا تحاربه تحت مسمى مكافحة الإرهاب، وألا تحقر رموزه، وشعائره، وأن ترفع رأسها به، وتعز مؤسساته، فلا تكون مجرد (خيال مآتة) يصك الفتاوى السقيمة، ويهتم بهلال رمضان، ووقفة العيد، ويرتجف من المخبرين، ومن اليهود، ومن أي فتوى إيجابية تنفع الناس، وألا يكون على رأس هذه المؤسسات موظفون يربطون فتاواهم بعطايا النظام، بل يكونون أقوياء شرفاء، مستقلين – على الأقل – كالكنيسة، وباباها، الذي بكى بحرقة على مبارك يوم أزيح! = = وأتمنى على ربي المجيب سبحانه وتعالى أن يكون الشيخ والعالم أعلى شأنًا وأغنى حالاً من الرقاصة، والباحث والمفكر أسمى من الأرتيست، والشاعر والفنان (الحقيقي) أشرف من سنية العمشة بتاعة الأفلام الهابطة، وأستاذ الجامعة أكثر انتعاشًا من المعلم حمكشة القهوجي! = = وأسأله تعالى أن يبدلنا بمخبري أمن الدولة وبغيضي مراكز الشرطة مواطنين شرفاء، يحسنون المعاملة، ويجيدون استقبال الناس، ويحمون الدولة، ويسرعون في إنجاز مصالح الخلق، ولا يشلونها فسادًا وبغيًا وعَدْوًا! = = وأتمنى أن يحال للمحاكمة كل الجلادين الذين وضعت لقطاتهم على اليو تيوب وهم يعذبون الناس، وكل الذين ثبت بالأدلة إجرامهم ضد المواطنين، وكل الذين أمروا، وقادوا، ونفذوا معركة الجمل، وقنص الناس، وقتل المتظاهرين، ودهس المتجمهرين! = = وأريد أن تكشف الحقائق، ويماط اللثام عن الوثائق التي تكشف المفسدين، والمرتشين، والجلادين، وسارقي خير مصر، ومربكي أمن مصر، ومثيري الفتنة الطائفية في مصر، والمحرشين بين شمال الوادي وجنوبه، وإرهابييه الرسميين الذين أدخلونا في دوامة عنف مفتعلة عمرها ثلاثة عقود، ليلتصقوا بالكراسي، ويستمروا كالبق في مص دم الشعب، ونزف خيرات الأمة! = = وأتمنى في عهد سيادتكم وما يليه من عهود، ألا نسمع عن زنازين سرية، وسجون إرهابية، ومحاكم عسكرية، وأحكام استثنائية، وقوانين طوارئ، وقضاة مرتشين، ووكلاء نيابة يخضعون لمخبري أمن الدولة، وأحكام بالإفراج تكون حبرًا على ورق، ومساجين يبقون سنين دون تهمة ولا دليل على تورط! = = وأحلم ألا أسمع عن بلطجة بنت باشا، ولا عربجة ابن مدير أمن، ولا لصوصية حرم فتوة رسمي، ولا إجرام مدير أمن حقير كذلك الفاجر الذي جهر بأنه يعتبر الشعب عبيدًا (للي خلفوه) ويتهمهم بالتعريص (آسف جدًّا على بذاءة اللفظة)، ويستخدم ألفاظًا سوقية سافلة كأخلاق سيادته! = = وأتخيل ألا يتولى الداخلية أناس من نوعية زكي بدر وأبو موسى وأبو باشا والعادلي، وأشباه هؤلاء الجلادين، الذين نزع الله من قلوبهم الآدمية والرحمة، وجعلهم شرًّا من فرعون وهامان وأبيّ بن خلف! = = وأطمح أن تنجح سيادتكم في استعادة مصر ثقتها بنفسها، وأن تردم الفجوة بيننا وبين المستقبل، وأن تستعيد النظرة الإيجابية للمصري، وللجامعات المصرية وشهاداتها وأساتذتها وخريجيها، بعد أن صارت الشهادة من جامعة زمبابوي أكثر قبولاً من شهادة جامعة القاهرة والإسكندرية وكفر البطيخ .. والأزهر! = = وأدعو من أعماقي أن يعود التعليم تعليمًا، والمدارس مدارس، وأساتذة الجامعة أساتذة لا (نفافيخ) مليئة بالهواء لا بالعلم والأخلاق، وأن تعود المؤسسات مؤسسات نافعة خادمة، لا هادمة ولا عادمة. = = وأحلم أن أصلي في المسجد وأنا آمن، وأن أكتب في الجريدة وأنا مطمئن، وأنظم قصيدة وأنا مسترخٍ، وأجهر برأيي شاعرًا بالحرية، وأسير في الشارع وأنا عزيز رافع الرأس، وأن أدخل مركز الشرطة مبتسمًا، محييًا من أقابله من العسكر، ويحيونني مبتسمين! = = وأبتهل له عز وجل أن أدخل أية مصلحة حكومية فيعاملني الموظفون فيها على أنني مواطن كريم ذو حقوق، لا على أنني حشرة ضارة ومزعجة، أو (شيء) لا وزن له، ولا على أن حاجتي تقضى بحسب ما أدفع من رشوة! وأن يكون المصريون سواء، ليس فيهم ابن عز وابن كلب، ولا مواطن مخلوق من النور وآخر مخلوق من الطين والوحل! = = وأمرغ وجهي في تراب العبودية داعيًا أن يكون المحافظون ورؤساء المدن والمسؤولون الكبار من غير الحزب الوثني، الذي قهر مصر وأهلها، وأجاعها، وأفسد أخلاقها، وزرع فيها من الأخلاق والقيم ما لا يرضاه عاقل، ولا متحضر، ولا مريد لبلده الخير، ولا ساعٍ لإرضاء الرب! = = وأطمح أن يعود للجنيه المصري ثقله القديم بعد أن صارت (الكبشة) منه – إن وجدت عند أكثرية المصريين - تشتري سندويتش طعمية، أو كيلو جبنة، أو نص كيلو لحمة! = = وأتمادى في خيالي حالمًا أن تكون مصر للمصريين جميعًا، ليس فيها أماكن ومنتجعات وقرى سياحية، وقصور باذخة، ومدن خاصة للباشوات، لا يدخلها أبناء الشعب، ولو كانوا أعلى الناس فكرًا، وأذكاهم عقلاً، وأجملهم روحًا! = = وأتمنى أن يتخرج الشاب المتفوق ليجد التقدير الحقيقي من بلده، والفرصة الصحيحة للتألق والارتفاع، ولا يخضع لتقرير حقير من مخبر أمن دولة جاهل حاقد، يدمر مستقبله، ويحطم أمله، ويقدِّم عليه آخر من أبناء البشوات حاصلاً على مقبول (بالعافية) وألا يكون المعيد ابن أستاذ، ولا وكيل النيابة ابن مستشار، ولا الملازم ابن ضابط كبير، ولا الشرطي ابن كلب! = = وسأموت كمدًا وغمًّا إذا رأيت في الإعلام والفن أمثال عبد الله كمال وسرايا والشيخ والفئي وإبراهيم وسيد علي وعمرو أديب وعماد أديب والدمرداش ومفيد فوزي، والهلفوت عادل إمام، والطباخ طلعت زكريا، والفضليات: عسرى ودينا وغادة عبد الرازق وسماح ورجيمة، وهذه النوعية الخاصة من الطبالين والألاديش وكدابي الزفة! = = وأقضي حتفي إذا تكررت في مصر حوادث كالدويقة، والدم الملوث، والعبّارة، وسرقات أموال الدولة عيني عينك، وسأمسك يوم القيامة بخناق كل ظالم جائر جبار، يسمح بهذا العار! = = وأنتظر أن تفي بكلمة الشرف التي قطعتها على نفسك أمام العالم: أستمد شرعيتى من ثوار الشعب المصرى/ وأتعهد بتحقيق جميع مطالب الثورة المصرية، وبذل كل جهد في سبيل ذلك/ في حال فشلي فى ذلك لن يكون مكاني هنا بل هنا بالميدان/ أدعو الله أن أرى مصر بلدًا حرة، الرأي الحر فيه خارج الزنازين، وأن يكون المواطن على القمة، وأجهزة الأمن فيها خادمة له/ ارفع راسك فوق.. إنت مصري! = = وأعرف جيدًا يا زعيم أنك ستواجه تحديات كبيرة كثيرة، وأن هناك ألف رِجْل تحاول (كعبلتك) وعرقلتك، وأن هناك مليونَ متربص بك، ومليونَ من ينتظر منك هفوة! وأنك تحتاج وقتًا وعناءً وسهرًا وتعاونًا من كثير من المخلصين.. وستجدهم إن شاء رب العالمين، وستجد شعب مصر صابرًا محتملاً المرحلة الانتقالية برجولة وثبات! ولا يخامرني شك أن ألف أفعي أناكوندا ستعترض طريقك، ويهيج الدنيا عليك، وتثير حولك الأزمات، وتحثو في وجهك التراب، لينقلب العامة عليك.. لكن الله تعالى ينصر من ينصره، ويعين من يتوكل عليه.. فأبشر بالنصر والتوفيق.. هل سيكون عصام شرف اسمًا على مسمىًّ يا زعيم، أم سيكون اسمًا على أكذوبة، كما كان نظيف زبالة، وسرور غمًّا، وحبيب بغيضًا، وعز بلاء وغلاءً وهمًّا، والشريف (بتاع الكنترول وليالي السمو الروحي/ ذو النسب الشريف) عارًا ومهانة، ومبارك قحطًا وجفافًا وفقرًا وبلاء وشنارًا على الأمة المصرية العظيمة!؟ كلي أمل أن تكون إن شاء الله عصامًا لمصر، وشرفًا لنفسك، وفخرًا لأمتك.. اللهم لا تخيب ظننا فيه! [email protected]