كان عبد الله جول أول رئيس دولة في العالم يأتي إلي مصر بعد ثورة 25 يناير ، وكانت مصر هي أول دول أيضا يزورها عبد الله جول بعد انتخابه رئيسا لتركيا عام 2007 ، هناك ما أطلق عليه ولع بمصر في العالم ، بيد إن مصر بالنسبة للأتراك ولع خاص . التكوين المبكر لعبد الله جول وطيب أردوغان حين كانوا أعضاء في الحركة الطلابية الإسلامية استلهموا أفكارهم الأولي من المفكرين الإسلاميين في مصر وعلي رأسهم سيد قطب والشيخ الغزالي وغيرهم . وحين تذهب للكتب المترجمة في المكتبات التركية سوف تكتشف أن أغلبها مترجمة عن مفكرين مصريين من الإسلاميين وغيرهم فالنفوذ الفكري والروحي لمصر كبير جدا في تركيا ، وعلي جول ومن معه من ذلك الجيل . ربما تكون هذه هي المرة التاسعة التي يزور فيها جول مصر وهو ما يعني أهميتها في وجدانه وفي تقديره الاستراتيجي ، فهناك روح تركية عميقة تعود إلي التاريخ وهذه الروح تستلهم الماضي السلجوقي والعثماني التركي وتقول إن تركيا لا بد وأن يكون لها دور في التاريخ والسياسة في محيطها العربي والإسلامي ، وهو المجال الحيوي الحقيقي لتركيا . ولدي مصر اليوم روح جديدة هي روح الثورة ، وهذه الروح تنعش الشعور المصري بضرورة أن يكون لمصر دورها في محيطها العربي بحكم الموقع والموضع كما يقول جمال حمدان ، ومن ثم فإن الثورة المصرية تفتح الباب علي آفاق جديدة في إعادة تشكيل السياسة الخارجية المصرية بما في ذلك التعاون مع تركيا وإيران والسعودية للانعتاق من ربقة العبودية للولايات المتحدةالأمريكية التي فرضها نظام مبارك علي مصر وبالتبعية التحرر من من قيود الإذعان في العلاقة مع الكيان الصهيوني . المزاج التركي الذي يقوم علي العقلانية والاعتدال والوسطية وتغليب قيمة التوافق يقترب بقوة مع المزاج المصري، فتركيا دولة سنية ونموذجها السياسي مثار إلهام وانتباه لدي القوي السياسية المصرية حتي غير الإسلامية منها ، والنموذج السياسي التركي يتحرك بحكمة ولكن بثبات وثقة نحو ديموقراطية حقيقية تغلب قوة البرلمان والأحزاب السياسية وتلغي الطبيعة الاستثنائية لبعض القوي السياسية كالجيش أو القضاء خاصة المحكمة الدستورية العليا التي ألغت عشرات الأحزاب السياسية أغلبها إسلامية وكردية بحجة أنها تهديد للعلمانية أو الأمن القومي . وعلي المستوي الاقتصادي فإن الخبرة التركية تستحق الاهتمام والدراسة وخاصة أن حكومة العدالة والتنمية استطاعت أن تحقق نموا هائلا ، كما استطاعت أن تضع الاقتصاد التركي في مصاف الاقتصادات الكبري في العالم ، وهناك مصالح اقتصادية كبيرة بين مصر وتركيا في طريقها للنمو ، فمئات الشركات التركية الكبري تعمل في مصر ولها استثمارت كبري فيها ، وقد بدأت تلك الشركات تستأنف أعمالها بعد الثورة ، وهو ما يعني أن مستقبل الاقتصاد المصري سيكون واعدا في ظل نظام سياسي ديموقراطي . التقي جول المشير طنطاوي ورئيس الأركان سامي عنان وبعض أعضاء المجلس العسكري الأعلي وتم استقباله رسميا بمقر وزارة الدفاع في كوبري القبة ، كما التقي المرشد العام للإخوان المسملين والسيد البدوي رئيس حزب الوفد وقيادات من حركة كفاية و6 إبريل وعمرو موسي أحد المرشحين المحتملين للرئاسة ومحمد البرادعي رئيس الجمعية الوطنية للتغيير ، كما التقي شباب الثورة والذين عبروا عن إعجابهم بالتجربة ا لسياسية التركية وأن أحد مصادر إلهامهم خاصة تجربة عبد الله جول وطيب أردوغان . وفي مؤتمر صحفي بمنزل السفير التركي بالقاهرة أشار جول إلي أنه لا يكفي أن يكون هناك جيش قوي فقط بل نظام سياسي واقتصادي أيضا ، وأكد علي رغبة الجيش المصري في تحول ديموقراطي حقيقي . تدرك تركيا أن مصر ستتشكل من جديد وأن القوي السياسية البازغة التي التقاها جول في القاهرة ستكون جزءا من هذا المشهد ، ومن هنا كان الحضور التركي السريع الذي يعبر عن دينامية سياسية وفي نفس الوقت يدرك أن مصر أحد أهم حلفاء تركيا في المنطقة لإعادة الوجه التحرري لها من نير الأنظمة العالمية وقيودها . علينا أن لا ننسي أن أردوغان رئيس ا لوزراء التركي كان أول زعيم في العالم يطالب مبارك بالتنحي وأن القادة زائلون والأوطان باقية وأن الجميع سيموت ، كما كان هو أول من وقف إلي جانب مطالب الثورة المصرية بشكل واضح لا لبس فيه . مصر تمر بمرحلة صعبة علي المستوي الاقتصادي وعلي مستوي التحول السياسي وحين يأتي رئيس تركيا في زيارة قصيرة إليها فإنه تعبير عن الدعم السياسي والمعنوي والأخوي لمصر ، وهي تعبير عن رؤية جيواستراتيجية يحملها أحمد داوود أوغلو مهندس السياسة الخارجية التركية تقول إن مستقبل تشكيل المنطقة مرهون بتحالف قوي بين مصر وتركيا .