النحل ، الذى يقع على أحسن الزهور وأطهر الزروع ، فيجتنى منها ما يفيده ، وما يخدم به الناس ، ودع مساوءهم وأخطاءهم ، ولا تكن كالذباب ، الذى يقع على أقذر الأشياء وينشرها فى الناس ويؤذى بها الأحياء . صِنف من الناس يصوب نظره إلى عنصر الخير فى الناس ويتعامل معهم على أساسه ، وينشره فيهم ، فهو كالنحل الذى لا يقع إلا على الزهور والرياحين الزاكية النظيفة ؛ فيجتنى منها ما ينفعه وينفع الآخرين . وصنف آخر يصوب نظره إلى عنصر الشر فى الناس وإلى الرذائل فيهم ، ويتعامل معهم على أساسه ، وينشره فيهم فيؤذى نفسه ويؤذى الآخرين ، فهو كالذباب ، الذى لا يقع إلا على أقذر الأشياء ، وينشرها فى الناس ، ويؤذى بها الأحياء . فكن كالأول ، تسعد وتُسعد ، ولا يكن كالثانى ، تشق وتُشق . عامل الناس جميعاً معاملة أصدقائك ، أو من تعرفه ويعرفك ، فإنى رأيت الناس يحترمون من يعرفونه ويخجلون منه ، وربما لا يخجلون من الغريب والمجهول . إذا أنت فكرت فى حال كثير ممن يتعدى عليك بسوء أخلاقه منعك من معاقبته الحالُ الأخلاقيه التى هو فيها ، ولم تطمع فى معاقبته بأزيد من ذلك . بالخلق الحسن ينتشر الخلق الحسن فى الناس ، وبالخلق السىء ينتشر الخلق السىء . حسن الخلق غاية مقصودة لذاتها ، وهو – فى الوقت نفسه – وسيلة تربوية ناجحة ؛ لأن الخلق الفاضل يكون سبباً لمثله عندما يتعامل به الإنسان مع الناس ، كما أن الخلق السىء سبب لمثله عندما يتعامل به المرء مع الناس . يظن بعضهم أن حسن الخلق يتأتى فى الناس من طرف واحد ، ويمكن أن يُعفى من الطرف الآخر ، وهيهات !! فإن الحياة لا تستقيم بتأدب بعض الناس فى مقابل سوء أدب من يتعامل معهم ، وإن حسن الخلق فى هذه الحال لا يدوم ، بل عندئذ لا بد أن يغلب الأقوى ، إما الأخلاق الحميدة أو الأخلاق السيئة . كم وددتُ لو أقيمت نواد ، وندوات ، لكمال العقول ؛ إذ ذلك أولى مما يقيمه الناس من نواد لكمال الأجسام . كم هو جميل لو اهتمت المدارس والمؤسسات التعليمية بمختلف مراحلها – بما فى ذلك الجامعات – بتربية العقول باستحداث مواد دراسية ، وأساليب متنوعة خاصة بهذا الهدف ، مثل مادة للحوار والمناظرة ، يُعنى فيها بالجانب التطبيقى ، أكثر مما يُعنى بالجانب النظرى ، كأن تقام مناظرة دورية بين الطلاب ، ويكون فيها تحكيم وجوائز وتشجيع !! ينبغى أن تذكر دائماً أنك لست أفضل كل الناس ، ولست خير كل الناس ، ولست أعلم كل الناس ، ولست أعقل كل الناس . وهذا الشعور مهم للتحلى بعدد من مكارم الأخلاق والبعد عن عدد من مساوىء الأخلاق . وكم أنحرف الإنسان بسبب توهمه أنه أفضل الناس وأصلح الناس وأعلم الناس وأعقلهم ! إذا أردت اكتساب الأخلاق الفاضلة والابتعاد عن الأخلاق السيئة ، فعليك باستعراض ما فى القرآن الكريم ؛ فما وجدت فيه من أوامر وتوجيهات إلهية فخذ به ، وما وجدت فيه من نواه فابتعد عنه . تخلق بأخلاق القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة تكن أحسن الناس خلقاً .