علمت "المصريون" أن خلافات شديدة تفجرت داخل مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين حول أسلوب التعامل مع ملف التوريث ومواجهة مساعي السلطان السياسية المحمومة لتأمين خلافة مريحة لجمال مبارك لرئاسة الجمهورية ، وكشفت مصادر داخل الجماعة أن هناك تيارين داخل مكتب الإرشاد الأول يقوده المرشد العام محمد مهدي عاكف ، ويحظى بتأييد قادة الصف الثاني بالجماعة ، وهذا التيار يعارض بشدة خيار التوريث خوفا من فقدان الجماعة لمصداقيتها أمام الرأي العام والقوى السياسية المناوئة للتوريث في حال تبنيها موقفا سلبيا . أما التيار الثاني فيقوده النائب الثاني للمرشد العام المهندس محمد خيرت الشاطر ، وهو يعتبر أنه لا مصلحة للجماعة في معارضة التوريث وأنه من الأجدى لها التركيز على قضايا ، يراها أكثر أهمية ، مثل الإصلاح الدستوري والسياسي وإنهاء حالة الطوارئ وتعظيم مكاسب الإخوان التي حققوها في الفترة الماضية وكذلك الضغط لتعديل المادة 76 من الدستور في المرحلة القادمة مع إمكانية استغلال مأزق النظام وانتزاع مكاسب تخدم مصالح الجماعة. وتوقعت المصادر أن يؤدي تباين الموقف داخل مكتب الإرشاد حول قضية التوريث إلى تفجير الصراع داخله خصوصا أن الفريق المناوئ لهذا الأمر ليس ضعيفا بل لديه القدرة على تبني مواقف قوية ضد التوريث وأن لم تستبعد إمكانية التوصل إلى حل وسط حول هذا الأمر. وكشفت المصادر أن جناحا كبيرا داخل الجماعة يرى أن معركة التوريث ليست معركة الإخوان خصوصا مع قدرة النظام على فرض التوريث مهما كانت قوة المعارضة لذلك ، لامتلاكه الآلة الأمنية القادرة على قمع المعارضين ، وأن من الأفضل للجماعة التركيز على تغيير الدستور باعتبار هذا إنجاز يخدم مساعيها بعيدة المدة للوصول للسلطة ، مدللة على ذلك بتصريحات للدكتور عصام العريان القيادي بالجماعة بأن الإخوان يمكن أن يصلوا إلى الحكم بعد خمسين عاما. وفي سياق متصل ، تواترت أنباء عن لقاءات سرية بين أعضاء بارزين في لجنة السياسات ومناظرين لهم في جماعة الإخوان المسلمين لضمان عدم معارضة الإخوان لمسألة التوريث وعدم الانضمام إلى القوى المناوئة لهذا الأمر حيث يراهن النظام على انتزاع موقف محايد من الجماعة تجاه التوريث ، مما سيضعف موقف القوى المعارضة للتوريث بشدة . من جانبه ، أكد الدكتور عبد الحليم قنديل المتحدث الرسمي باسم حركة "كفاية " أن جماعة الإخوان المسلمين يبدو أنها غير مستعدة لخوض أي معارك ضد النظام من أجل عرقلة توريث السلطة ، فهناك تصريحات للنائب الأول لمرشد الجماعة مؤخرا يؤكد فيها أن الإخوان لا ينوون الترشيح للرئاسة وربما لا يشغلهم أمرها ، مشيرا إلى خطورة تصريح كهذا بغض النظر عن النية وراءه ، لأنه يأتي في إطار مناخ ملغوم بخطط جارية للتوريث ، وتساءل قنديل : فهل قصد الدكتور حبيب أن الإخوان لا يبالون أو لا يعارضون خطة النظام لتوريث الحكم ، مؤكدا أنه لا يتمني أن يكون ذلك صحيحا. وحذر د. قنديل من أن الجماعة ستفقد مصداقيتها ورصيدها في الشارع إذا ما صمتت علي جريمة نقل السلطة لنجل الرئيس مبارك. واتفق ممدوح إسماعيل وكيل مؤسس حزب الشريعة مع الرأي السابق ، وأكد أن وجود اتصالات في الكواليس مع الإخوان المسلمين لتحييدهم في معركة توريث الحكم هو كلام واقعي ، مدللا على ذلك بتصريحات قيادة الجماعة قبيل انتخابات الرئاسة السابقة ، وموقفهم الغامض منها وتأخر البيان الذي أصدرته الجماعة حول هذه الانتخابات ، لافتا إلى أن موقف الجماعة من انتخابات الرئاسة السابقة يؤكد توجه الجماعة الحالي ، حيث أنها لا تسعي إلى التصادم مع النظام حول قضايا كبرى مثل التوريث وإذا ما كان هناك صدام فإنهم يلتفون حوله بأسلوب انتهازي على حسب تعبيره . من جانبه ، أكد الدكتور السيد عوض عثمان المحلل السياسي أن الإخوان المسلمين يدركون جيدا أهمية عدم استعجال القفز إلى مقعد الرئاسة وعدم إحداث أي صدمة كما فعلت حماس في فلسطين ، وأن الجماعة ستعمل في المرحلة القادمة على إنهاء حالة الطوارئ بالفعل لتحقيق مزيد من الانتشار والشعبية والمصداقية في الشارع المصري ، وإذا ما اكتسبوا المصداقية الداخلية فمن السهل حصولهم بعد ذلك على الشرعية السياسية. وأوضح عثمان أن الإخوان سوف يتحاشون أي صدام عنيف مع النظام في المرحلة المقبلة قد يجهض حركتهم في معركة يعتبرها النظام قضية "حياة أو موت " ، كما أنهم لن يجروا مساومة سياسية فاضحة مع النظام لأن القضية الأساسية للإخوان في الوقت الراهن هي إثبات أنهم قوة سياسية قادرة علي خوض معترك الحياة العامة وتملك برامج عملية وعلمية لحل مشاكل المصريين بعيدا عن العاطفة الدينية والشعارات الرنانة. في المقابل ، نفي الدكتور محمد السيد حبيب النائب الأول للمرشد العام للجماعة وجود أي اتصالات بين أي قيادة في الجماعة وأعضاء لجنة السياسات حول قضية التوريث ، مشيرا إلى أن ما يتردد عن قبول الجماعة للتوريث هو أمر مدعاة للضحك والسخرية في أن واحد لأن ذلك عاري تمام من الصحة ولا يمكن أن يكون ذلك إلا في خيال من يقول به. وأكد د. حبيب أن الجماعة ترفض مبدأ نقل السلطة إلى جمال مبارك وتوريث حكم البلاد ، وأنه إذا أراد مرشح للحزب الوطني خوض انتخابات رئاسة الجمهورية أيا كان اسمه فعليه أن يخوض هذه الانتخابات من خلال مبدأ تكافؤ الفرص بين المرشحين الحزبين والمستقلين وهو ما يتطلب تعديل نص المادة 76 من الدستور بخصوص الانتخابات الرئاسة لإزالة الشروط التعجيزية التي تضعها هذه المادة ، فمصر فيها الكثير من المواهب والكوادر والكفاءات التي تستحق الترشيح لانتخابات رئاسة الجمهورية. وأوضح النائب الأول لمرشد الإخوان المسلمين أن الجماعة عندما تؤكد أن الترشيح لرئاسة الجمهورية ليس علي أجندتها السياسية هي لا تعني بالضرورة تأييد تولي نجل مبارك للحكم ولكنها تري ضرورة أن يتم تغيير الواقع السياسي وتهيئة المناخ السياسي بما يسمح بمنافسة حقيقية علي رئاسة الجمهورية ، وذلك بإيجاد تيار شعبي عام يرفض التوريث وكذلك إنهاء حالة الطوارئ التي تعيشها البلاد وإنهاء تقييد حركة الأحزاب السياسية وإطلاق الحريات العامة وإلغاء المحاكم والقوانين سيئة السمعة وأيضا تحقيق استقلال كامل للقضاة وتمكينهم من الأشراف بشكل كامل على العملية الانتخابية بكافة مراحلها وبذلك يكون المناخ السياسي مهيئا تماما لإجراء انتخابات رئاسية تصب في مصلحة الوطن. وكان جهازمباحث أمن الدولة قد شن حملة اعتقالات جديدة في صفوفِ الإخوان المسلمين بمحافظة المنيا حيث ألقت القبض على ثمانيةٍ من أعضاءِ الجماعة من بينهم مصعب نجل الدكتور إبراهيم الزنوني نائب الإخوان عن دائرة مغاغة في محافظة المنيا ، حيث تمَّ حجز سيارته بعد تفتيش ما بها من أوراق. وقامت نفس القوة باعتقال المهندس عبد الرحمن رجب (55 سنة) بشركة الحديد والصلب في سمالوط وصاحب دار "إبداع" للإعلان بسمالوط، كما اعتقلت اثنين من أبنائه هما عبد الله ومحمد ، وواصلت مباحث أمن الدولة حملتها في المحافظة حيث قامت باعتقال محمود حمدي من مدينة مطاى، وثلاثة طلاب بكلية دار العلوم ولا زالوا محتجزين بقسم شرطة سمالوط. وتأتى حمله الاعتقالات في أعقاب حمالات اعتقالات مماثله في محافظات الإسكندرية والقاهرة والجيزة وأسيوط وكان من ابرز المعتقلين في هذه الحملة الدكتور حلمي الجزار والدكتور حسن البرنس وتأتى هذه الحملة في إطار الضغط الحكومي على الأخوان من أجل تخفيف حده معارضتهم في البرلمان.