تطوع بعض الكتاب التنويريين في مصر للتحذير مما ينتظر تونس على أيدي التيار الإسلامي. "الأهرام" كتبت عنوانها الرئيس "الفوضى تسود تونس". أحد هؤلاء التنويريين عندما سئل عن دليل مخاوفه من اقتحام التيار الإسلامي التونسي الإسلامي للمشهد مع أنه لم يكن موجودا نهائيا، لا بشعاراته أو رموزه في انتفاضة الشعب التي غيرت وجه تونس تماما وأطاحت بالديكتاتور فهرب مذعورا بعائلته.. قال: مشهد الصلاة الجماعية للمتظاهرين التونسيين في الشوارع بمجرد إعلان محمد الغنوشي الوزير الأول إنه استلم السلطة مؤقتا بموجب المادة "56" من الدستور. كيف تكون الصلاة أو السجود لله شكرا وهو ما حدث بالضبط مؤشرا على وصول التيار الإسلامي؟ يهرب المتحدث من الإجابة المباشرة قائلا "بالضرورة أنا لست ضد الدين.. لكن المشهد دلالة رمزية أو رسالة. أنا خائف من سيطرة الراديكالييين الإسلاميين أو المتطرفين أو الإرهابيين على الأوضاع في تونس". هذا التحريض من الكاتب التنويري ومن على دربه لم يستطع أن يقوله زين العابدين بن علي في ذروة محاولته الافلات من الثورة الشعبية أو تهدئتها، ولو كان في امكانه لفعلها ليبرر للعالم ما يقوم به أمنه من حصد أرواح الناس الغاضبين بالجملة. ببساطة لأن التيار الإسلامي التونسي مهاجر ومن عاد منهم إلى أرض الوطن، كان ذلك باتفاق مشروط مع النظام السابق بالتزام بيوتهم والتخلي عن أي نشاط سياسي أو دعوي وحتى الابتعاد عن الصلاة في الجوامع والمساجد. كل المتظاهرين والمتظاهرات شباب يطالب بالحرية والعدالة ومحاربة الفساد ومحاكمة الفاسدين. عندما سجدوا لله شكرا وجدها التنويريون في مصر فرصة للتحريض ضد الثورة بعد نجاحها، ووجد بعضهم فرصته في التركيز الذي أولته قناة الجزيرة على دور التيار الإسلامي التونسي في مستقبل تونس والإعلان عن قرب عودة راشد الغنوشي. وثائق وزارة الداخلية السرية التي يعثر عليها شباب الثورة الشعبية بعد مداهمتهم للمقار الأمنية تؤكد أن نظام بن علي لم يكن يحارب حركات إسلامية أصولية أو متطرفة أو إرهابية لأنها ببساطة ليست موجودة بتونس. لقد حارب الإسلام نفسه. إذا كان الكاتب التنويري وزملاؤه يقصدون الصلاة والسجود كدليل وبرهان على التطرف والإرهاب، فهو إذن يتهم كل الشعب التونسي، وهي نفس توجيهات وزارة الداخلية التونسية في عهد بن علي لأجهزتها الأمنية، وهنا أقدم له نص وثيقة من بين عشرات الوثائق الأمنية السرية التي أمرت بالتعذيب والقتل والاعتقالات، ووصفت الحجاب بأنه زي طائفي والمترددين على المساجد والجوامع بأنهم ارهابيون. تتضمن الوثيقة أمرا من وزارة الداخلية للأجهزة الأمنية ب "مواصلة الاهتمام بالعناصر النسائية المرتدية للزي الطائفي أو النقاب وتعميق التحريات معها". وما بين علامات التنصيص هو النص الحرفي بالضبط. وفيها أمر آخر ب "الإنتباه إلى العناصر السلفية التي قد يسجل تغيبها عن أماكن إقامتها وترددها للوقوف على امكانية سفرها إلى إحدى بؤر التوتر على غرار (الجزائر، العراق، فلسطين) مع مواصلة عمليات الطلب والمداهمة والتفتيش". ثم أمر مباشر من وزارة الداخلية بتعقب المصلين.. نصه: "مواصلة التعريف بالعناصر الجديدة التي بدت عليها ملامح التطرف الديني أو على علاقة بأحد العناصر السلفية المترددة حديثا على الجوامع والمساجد". تسريب وسائل الإعلام عن حالة فوضى عارمة في تونس بعد سقوط بن علي، محاولة يائسة لاثبات أن النظم الديكتاتورية البوليسية تضمن أمن الناس واستقرارهم ورزقهم وسلامة ممتلكاتهم. والواقع أنه ليست هناك فوضى حتى نصفها بالعارمة، فمثلما أسقط الشعب التونسي بجسارة غير مسبوقة نظام الطاغية، كان قادرا على تشكيل لجان شعبية لتأمين الناس وبيوتهم ومتاجرهم من العصابات التي شكلتها قوات الشرطة. أي أن الذين يزعم التنويريون أنهم حماة الأمن والوطن من التطرف والإرهاب هم الذين سرقوا المتاجر، وحاربوا الجيش الذي نزل الشوارع لتأمينها، وقد جرت أمس معركة عنيفة بين الجيش والأمن الرئاسي وهو جزء من فيالق وزارة الداخلية، عقب أن رفضوا تسليم أنفسهم كونهم مارسوا في عهد بن علي حملات التعذيب والمداهمة وقتل الأبرياء. والمفارقة أن الجيش قبض على 20 أجنبيا بين قوات الأمن الرئاسي أو لنقل 20 مرتزقا.. فماذا كانوا يعملون؟! لعب جيش تونس دورا عظيما في الساعة الأخيرة لحكم بن علي بوقفته مع الشعب ومطاردته لقيادات وضباط الشرطة الذين حاربوا الناس وداهموا بيوتهم ومنعوه حرياته الشخصية والسياسية. أما اللجان الشعبية التي شكلها الأهالي فقد ساعدت الجيش في ضبط العناصر الأمنية السابقة التي قامت بعد رحيل بن علي بسرقة المتاجر ونهبت على سبيل المثال سوبر ماركت جيان في وسط العاصمة. هذه اللجان طاردت عماد الطرابلسي شقيق السيدة الأولى وقتلته عندما كان يحاول الهرب، بالاستعانة بالعناصر الأمنية السابقة. ثم اعتقلت قيس بن علي ابن شقيق الرئيس السابق وأبرز الفاسدين، وكذلك مراد الطرابلسي شقيق "ليلى" السيدة الأولى السابقة. القول إن الحالة التونسية تسير نحو الحالة العراقية، تهريج من الموالين للنظام السابق والمرعوبين في العالم العربي. تبقى نقطة خطيرة جدا، فقد ظهر عبدالله القلال وزير الداخلية الأسبق والمحكوم عليه في قضايا تعذيب رفعها تونسيون أمام المحاكم السويسرية، ظهر إلى يسار محمد الغنوشي في أول ظهور له معلنا خلو السلطة من رئيسها بن علي، وكان إلى يمينه رئيس البرلمان والرئيس الحالي المؤقت فؤاد المبزع. لماذا ظهر القلال وما هي صفته الرسمية رغم أنه لا يستطيع الخروج من تونس وإلا سيتم القبض عليه، ولم يكن في أي منصب منذ خروجه من وزارة الداخلية؟! إنها علامات قوية على محاولة نشل الثورة.. [email protected]