صديقي جمال سلطان ؛ يبدو حريصا على ومشفقا، لذا يتدخل أحيانا بمحاولة تخفيف بعض العبارات في مقالاتي ، أو تغيير بعض المصطلحات والمسميات ،وهو مشكور على مشاعره وعواطفه ، وإني لأقدر كل التقدير طبيعة العمل الصحفي والحسابات العديدة التي تحفه وتحدق به ، وأقبل – ولو على مضض – التدخل في بعض العبارات والسياقات .. أما ما يخص بعض المصطلحات والمسميات ، فأعتقد أنها قابلة للاجتهاد والحوار ، خاصة إذا اعتمدنا الدلالات الدقيقة ، والمعاني الأصيلة . وقبل أن أتناول بعض المصطلحات والمسميات ، أود الإشارة إلى أن هناك لعبة إعلامية أو دعائية كبرى ،تقوم بها الأجهزة الاستعمارية المعادية لأمتنا ، وينفذها الموالون للاستعمار في بلادنا العربية ، ويستجيب كثير من الناس لما يسمعون ويشاهدون ، فيرددون مصطلحات هذه اللعبة الإعلامية أو الدعائية دون وعى أو إدراك بما وراءها .. لدينا العديد من المصطلحات التي يروج لها الغرب الصليبي الاستعماري وأتباعه الوطنيون (!) ، ويرددها الناس في بلادنا دون أن يتوقفوا عند معانيها الحقيقية أو دلالاتها الأصلية . خذ مثلا : الحداثة – التنوير – التقدمية – الرجعية – الإرهاب - الظلامية – الخطاب الديني – الردة – العودة إلى الوراء – الثقافة الماضوية – الدولة الدينية – الدولة المدنية – العلمانية – فصل الدين عن الدولة – العصور الوسطى – عبادة الماضي – حرية التعبير – قبول الآخر – الرقابة الدينية – المؤسسة الدينية – رجال الدين – مبادرة السلام – الدول المارقة – محور الشر - .. الخ . هذه المصطلحات ، لا ترى فيها الصحف والإذاعات والتلفزة العربية معنى آخر ، غير المعنى الذي أراده من صكوها وصاغوها ، وبالتالي فإنهم يرددونها كما يريدها الغير ، وليس كما نريد نحن ؛ أو تريد لغتنا والحقائق الواقعة على الأرض ، وأعتقد أن تناول هذه المصطلحات يحتاج إلى مؤلف كامل لا يحتمله المكان ، وهو ما يجعل العودة ضرورية إلى بعض المصطلحات والمسميات التي يدور حولها الاجتهاد .. إذا وصفنا ما يجري في أرض فلسطين بأنه احتلال نازي يهودي ، فالوصف لا يتجاوز الحقيقة بحال ، فهو احتلال ، واستيلاء على الأرض ومن فوقها ، وقهر للشعب الفلسطيني وإذلال له ، وهو نازي لأنه ينفذ المعني الحرفي للنازية التي تقوم على دعامتين . الأولى هي العنصرية ، واليهود يعدون أنفسهم شعب الله المختار الذي يعلو على جميع الشعوب التي يصفونها بالأميين ، وقد ورد في القرآن الكريم تعبيرا عن الطبيعة العنصرية لليهود قوله تعالى : " ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ، ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون " ، والأميون هم الذين لا يعتنقون اليهودية من المنظور اليهودي. أما الدعامة الثانية فهي التوسع ، وقد قام اليهود بالتوسع شرقا وغربا وشمالا وجنوبا ، وما زالوا يستعدون للتوسع وتحقيق ما يسمى " إسرائيل الكبرى " من النيل إلى الفرات .. وهو ما فعلته ألمانيا النازية أو الهتلرية ، فقد انطلقت من مقولة ألمانيا فوق الجميع ، ثم توسعت فاحتلت النمسا وفرنسا وإسبانيا وشمال إفريقية ، واتجهت شرقا حتى دقت أبواب موسكو . لا فرق إذا بين ألمانيا النازية ، واليهود النازيين . وهم يهود .. هذه حقيقة لا يماري فيها أحد بوصفهم يعتنقون الشريعة اليهودية ، أما إنهم إسرائيليون ؛ فهذه مسألة فيها نظر من حيث الدين أو من حيث العرق . فمن حيث الدين فهم يعلنون أنهم ينتمون إلى اليهودية ، واليهودية تشريع إلهي لا يقر القتل ولا الظلم ولا العدوان ولا الاغتصاب ، ولأنهم يقتلون ويظلمون ويعتدون ويغتصبون ؛ فهم خارج الدائرة الربانية النقية ، ولا يمكن أن نسميهم إسرائيليين نسبة إلى إسرائيل أو سيدنا يعقوب عليه السلام ، وإسرائيل معناها بالعبرية عطية الله أو عطاء الله ، ولا يمكن أن يكون القتلة والظالمون والسفاحون والمغتصبون في أرض فلسطين من عطاء الله أو ينتسبون إلى عطيته ،فيعقوب الذي ابيضت عيناه من الحزن لا يمكن أن يقر الإجرام في حق البشر وسلب أراضيهم ، واغتصاب ثروتهم ومصادرة حرياتهم . يجب ألا نعترف بما يسمى إسرائيل ولو اعترفت بها الدول ، ولا نردد هذا الاسم ولو ردده العالم كله، ولا نخشى وصف اليهود بالنازية . فاليهود غزاة نازيون ولا فخر ، وإن كان البعض يسميهم بالصهاينة المحتلين حتى لا يتهم بمعاداة السامية.. ونحن الساميون الحقيقيون ، وليس أولئك الخزر القادمون من بحر قزوين ، أو الفلاشا القادمون من أرض الحبشة ، فهؤلاء وأولئك غير ساميين . وعندما يوصف النظام المصري القائم بالنظام البوليسي الفاشي ، فهذا ليس افتئاتا عليه ، فالبوليس هو الذي يحكم ويتحكم في كل شيء على أرض المحروسة ، وهو فاشي في سلوكه ومنهجه لا يمنعه دستور ، ولا يردعه قانون .. وأينما وليت وجهك تجد البوليس يتدخل في كل صغيرة وكبيرة ؛ فهو المهيمن على الجامعات والقضاء والصحافة والإذاعة والتلفزة والمساجد والنقابات وبقية المؤسسات والنشاطات ؛ حتى عضوية الأندية الرياضية لا تستطيع أن تحصل عليها إلا إذا رضي عنك البوليس ، فضلا عن السفر والقدوم ، وصديقي جمال سلطان خير من يعرف ذلك ، فالبوليس يستطيع أن يمنع من يشاء من السفر ، خذ مثلا :عصام العريان وجمال حشمت وغيرهما ممن لا يرضى عنهم البوليس . يتم منعهم من السفر رغم أنف الدستور والقانون . أما مالك العبارة الذي قتل ألف مصري ، فيتم تسفيره وتوديعه بكل حفاوة ومهابة ، ومثله الذين يسرقون وينهبون المليارات .. وعند القدوم يُستقبل أبناء الوطن الشرفاء الذين يتحملون العناء والشقاء فيُحتجزون ، ويُذلون لساعات ، بل إن أنصار القضايا العربية والمصرية مثل "جورج جالاوي" يُحتجز بطريقة مقززة ، ومثله صفوة المصريين الذين يشاركون في المؤتمرات والندوات الدولية ويرفعون رأس الوطن يلقون هذا الاستقبال الحافل بالإذلال والإهانة على يد البوليس الذي يهيمن على كل شيء في الوطن..فهل نستطيع بعد ذلك أن نسمي النظام بغير البوليسية الفاشية ؟ وصف النظام بالبوليسية والفاشية ، وصف صادق ودقيق يعكس حقيقة الواقع ، والمجال ليس فيه متسع للوصف والإسهاب .. لعل صديقي جمال سلطان يتسع صدره لبعض المسميات والمصطلحات التي لا تتجاوز الحقيقة والواقع، وإن كنت أقدر ظروف الصحيفة ومسئولياتها ، ونسأل الله العون والسداد . [email protected]