يكثر الحكماء عادة فى أزمنة القهر والطغيان ، وفى هذه الأيام كثروا حتى ضاقت بهم البلاد وخنقوا أم العباد ، وإذا جمعت كل حكمهم ومأثوراتهم لن تخرج جميعها عن قول ستى فكيهة " ياولدى من خاف سلم " . اذا جلست الى أحدهم سيهرش لك مخك من كثرة الكلام عن حكايات الفشل والإخفاق عبر التاريخ وانتصار الباطل نتيجة اخطاء أهل الحق ، بدءا من مقتل الحسين وعبد الله ابن الزبير ،وحتى نفى احمد عرابى ومحمود سامى البارودى ومذبحة رابعة ..... الخ ، وفى النهاية لن تخرج من بين يديه الا بمعنى واحد : "طاطى للريح لغاية ما تعدى "، فتهز رأسك مؤمنا على قوله ، ثم تقول له : نعم سيدى ..وماذا افعل بعد ان تعدى الريح ، فيقول لك بعد طول تأمل : هتتعود على المطاطية ياولدى. انهم ينسجون ثياب حكمتهم من خيوط الواقع الذليل ، يكتبون حروفها بمداد القهر والعبودية ، يخبؤون شيخوخة عقولهم ووهن عزائمهم خلف قناع الخبرة والتجربة .... "جاتكم البلاوى مليتو البلد" . اذا نجحت الثورة تصدروا المجالس يحللون ويفسرون اسباب النجاح والتى تتلخص فى ان الثورة انما استقت افكارها من ينابيع حكمتهم ، واذا فشلت تصدروا نفس المجالس هى هى برضه يطنطنون ويرددون ان الفشل ما كان الا بسبب عدم استماع نصائحهم، وهم الذين استشرفوا المستقبل بنظرهم الثاقب فاستشعروا ان زمان التغيير لم تلح بشائره بعد . كانوا ينامون تحت نعال مبارك ومن قبله ، وقبل اللى قبله، وقبل اللى قبل اللى قبله ويتحدثون عن الروية والأناة ، والفتنة نائمة لعن الله من ايقظها ، بينما كانت الفتن صاحية ومفنجلة عينيها تدمر كل شئ ، من الاقتصاد اللى الاخلاق الى التعليم ، واحنا اللى كنا نايمين ، وكلما هممنا بالنهوض اذا بصوت الحكماء الرخيم ياتينا من اعماق اعماق بطونهم بهدوئه المعهود ونحنحته المهببة قائلا " نام نام ياحمام وادبحلك جوزين جمام ، هوووووووه " . وعندما نجحت ظاهريا ثورات الربيع العربى التى اتخذت من السلمية شعارا لها ، قالوا ان هذه الثورات قد سحبت البساط من تحت اقدام تنظيم القاعدة ، ووجهت ضربة فكرية ثقافية ايديولوجية محشية بالفول والطعمية للفكر الجهادى عموما ، لانها اثبتت ان التغيير ممكن بدون عنف وبدون اراقة دماء ، طبعا ده على اساس ان امى هى اللى كانت طوال الثمانية عشر يوما بتوع الثورة تنادى فى الشباب ، أن عودوا الى منازلكم واسمعوا كلام بابا حسنى . واستجيبوا لنداء العقل . الثورات يا شائخى العقول هى قفزة خارج حدود الواقع ، جنون ان كان العقل فى السكون ، أحلام ان كانت الحقائق عبودية وخضوع . فكيف تطلبون من الثوار ان يكونوا واقعيين؟! لم تمتلك ثورة فى التاريخ اسباب القوة ولا كانت تملك مقاليد السلطة ، كيف يا بجم منك له ، والثورات اساسا تقوم ضد اصحاب النفوذ والسلطان . الثورات يصنعها الأحرار ليحرروا بها الجماهير المستكينة من ذل العبودية والتبعية لذوى السلطان ، ولا تقوم بها الجماهير العريضة التى كسر نفوسها طول المدى تحت حكم الطغاة . ايها الحكماء الحلماء الشائخين حليقين كنتم ام ملتحين ، محنيين شعركم ولا حتى حالقينه زيرو ، ادخلوا صوامعكم علشان شكلها هتشتى وانتم عضمة كبيرة ، ولملموا عباءاتكم حتى لا تصيبها دماؤنا ، واغلقوا الأبواب حتى لا يتسلل اليها دخان قنابل الغاز ، واحكموا غلق النوافذ حتى لا يروعكم دوى الرصاص ، وارفعوا اصواتكم بالتلاوة والتراتيل حتى لا تتأذى أسماعكم بأنين جرحانا أو صراخ الثكالى . وحتى لا نسمع نداء عقولكم ، أو تنتقل الينا " الشر برة وبعيد " عدواكم فنتحول "ولا مؤاخذة" الى حكماء ، ونخيب خيبتكم ، ونغفو فى رحاب القهر ستين عاما نغنى ظلموه . ولو نمتم يكون احسن ، نوم العوافى وعقبال النومة الكبيرة . قبر... ياخد ما يخلى عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.