عندما دعاني " ميشيل الغندور" بقناة " الحرة" لكي أكون ضيفه في برنامج " ساعة حرة"، وللتعليق علي أحداث كنيسة العمرانية، كنت أمني النفس بحلقة هادئة، أتمكن خلالها من أن اخذ راحتي بأن أغفو، وعندما استيقظ لا أجد قد فاتني الكثير، فبرنامجه ليس هو " الاتجاه المعاكس"، الذي ينبغي أن يكون ضيفه في كامل اليقظة، حتي لا يهزمه مناظره بالضربة القاضية!. كان " ميشيل" في واشنطن، ومعة ضيف بالأستوديو، وكنا ثلاثة من القاهرة عبر الأقمار الصناعية، كل منا في أستوديو مختلف، وكان أحدنا هو نجيب جبرائيل الذي يتم تقديمه إعلامياً علي انه مستشار البابا شنودة الثالث، وقد نفي البابا أن يكون له مستشارون، لكن لم يحدث مرة أن نفي جبرائيل هذه الصفة، التي بفضلها أصبح نجماً تلفزيونيا، مما كان سبباً في إثارة حقد محامين مسيحيين، يرون أنه أخذ أكثر من حقه، علي الرغم من انه يقف الموقف ونقيضه، فهو يتحدث عن اضطهاد الأقباط في مصر، وبشكل يجعلك علي يقين من انه يتحدث عن بلد آخر، وينتقد النظام الذي يقوم بتهميشهم، ثم سرعان ما يزايد علي الجميع، فيبايع الرئيس مبارك!. موضوع كنيسة العمرانية بدأت وقائعه قبل انتخابات مجلس الشعب الأخيرة، عندما تحركت قوات الأمن لتزيل ما ارتكب من مخالفات لشروط الترخيص، ثم سرعان ما تصدي لها نفر من الأقباط، وفي اليوم التالي كان المئات منهم يحاصرون محافظة الجيزة، وهي الجهة التي أصدرت القرار بالإزالة، ورشقوا قوات الأمن بالحجارة، مما نتج عنه اصابة عدد من الضباط، ومن بينهم نائب مدير الأمن، وقد أخطأت قوات الأمن لأنها لم تقابل هذا الاعتداء بالقبلات، وردت بالعنف، مما تسبب في إصابة عدد من المتظاهرين، وقد لقي ثلاثة حتفهم في وقت لاحق. كان سؤال " ميشيل الغندور" لي عن أسباب ما جري، وهل سيؤثر علي أصوات المسيحيين لاسيما وان البلاد علي أعتاب انتخابات برلمانية ( وقتها) وما دلالة التوقيت؟. وكان جبرائيل تحدث فأسهب عن الفظائع التي تواجه المسيحيين في مصر، وعددها ولم اهتم بما قال، لأنني ظننت انه يتحدث عن مجتمع آخر، لكن زميلنا ضيف القاهرة الثالث استنكر ما قال. واعتبر صاحبنا جبرائيل ما جري في العمرانية علي انه حلقة من حلقات اضطهاد الأقباط في مصر، وبدا متناقضاً وهو يقول تارة ان مبني العمرانية " دار خدمات" وتارة بأنه كنيسة، وقد نفي نفياً تاماً ان يكون مخالفاً لشروط التراخيص، لكنه العنت في التعامل مع الأقباط!. وقد قمت بتفسير ما جري، حيث اعترفت بأن هناك مشكلة في بناء الكنائس، الأمر الذي يترتب عليه ان يتقدم المسيحيون بترخيص لبناء دار خدمات، ثم فجأة ، وبقدرة قادر، يتحول المبني إلي كنيسة، ومن باب فرض الأمر الواقع، وهو ما جري في العمرانية، وفي أحيان كثيرة تغض الأجهزة المسئولة الطرف عن هذا التجاوز، وفي بعض الأحيان تتحرك لإلزام القوم بشروط الترخيص. وفي هذه المرة وجد الإخوة الاقباط ان الانتخابات فرصة لإعلان مخالفتهم، فالحزب الحاكم يخطب ودهم، ولم يكونوا يعلمون ان الاحتياج لأصواتهم كان مرتبطاً بالإشراف القضائي علي الانتخابات، أما الآن وفي ظل إشراف الموظفين، فقد آلت العملية برمتها لتكون في قبضة أجهزة الأمن، وهي تقوم بالمطلوب، وليسوا بحاجة لخطب ود الناخبين، أياً كانت ديانتهم!. وبحسب الظاهر من الأوراق، فان كل طرف كان له مبرره، فالطرف المسيحي كان مضطراً لمخالفة شروط الترخيص إزاء هذه العنت في بناء الكنائس، وان كان السيد نجيب ساويرس رجل الأعمال المسيحي قال إن المسيحيين ليسوا بحاجة الي المزيد من الكنائس، فالكنائس الحالية فارغة من المصلين!. أما الطرف الثاني الذي يمثل الدولة فمبرره ان هناك مخالفة صريحة لشروط الترخيص، وعليه فان الواجب الوظيفي يحتم عليهم التصدي لذلك، ومما قرأت في هذا الصدد ان محافظة الجيزة مليئة بالمخالفات في المباني، وهذا صحيح، فما هو المبرر للتصدي لهذه المخالفة فقط!. وهو تساؤل يبدو وجيهاً للوهلة الأولي، لكن فات من يطرحه ان هذا هو التجاوز الأخطر، لأنه قد يكون سبباً في فتنة طائفية، كما فاتهم ان محافظ الجيزة الحالي يعمل بقدر ما يستطيع من اجل إزالة المخالفات لشروط الترخيص في البنايات عموماً، وهو أمر وقفت عليه باعتباري من سكان المحافظة. لم يعجب كلامي نجيب جبرائيل، كما لم يعجبه كلام زميلنا الثالث فقال اننا مقربون من الحكومة المصرية.. أنا مقرب من الحكومة؟.. مع ان أمنية حياتي ان أكون مقرباً من أي حكومة، ولو حكومة ساحل العاج، ومن المؤكد أنني سأموت قبل ان تتحقق هذه الأمنية!. نسيت ان أذكركم بان جبرائيل هو قطب من أقطاب المعارضة في مصر، والدليل انه قيادي بحزب " الغد" جناح موسي مصطفي موسي، الذي منحته لجنة شئون الاحزاب الحزب، بعد ان انتزعته من مؤسسه الدكتور أيمن نور!. لقد أبديت دهشتي في " ساعة حرة" لهذا التعسف الحكومي في بناء الكنائس، في وقت تحولت فيه الكنائس الارثوذكسية بالذات الي منتديات لمرشحي الحزب الوطني، يمارسون فيها الدعاية الانتخابية، وضربت مثلاً بالكنائس الواقعة في الدوائر التي يخوض الانتخابات فيها وزراء، كيف فتحت لهم للدعاية، وكان ابرز مثال علي ذلك كنائس دائرة الدقي، التي احتشد فيها قساوسة الدائرة تأييداً للدكتورة امال عثمان الوزيرة السابقة، والمرشحة عن الحزب الحاكم!. وذلك علي الرغم من ان القانون يحظر ان تتحول دور العبادة الي منتديات سياسية، تماماً كما يحظر التظاهر فيها، ومع ذلك فان الإخوة المسيحيين تظاهروا اكثر من مرة في المقر البابوي. عندما سألني " ميشيل الغندور" وهل تعتقد ان أحداث العمرانية ستكون سبباً في رفض الاقباط التصويت للحزب الحاكم؟.. أجبت بان قرار التصويت لا يبني مثل هذه الأمور، وقلت أنني أؤكد ان أصواتهم لمرشحي الحزب الحاكم، فهذه علاقة استراتيجية، لا يحد منها مشكلات عابرة كهذه. قلت ان البابا شنودة ينام وعندما يستيقظ يؤيد الرئيس ونجله من بعده، كما ان الرجل الثاني في الكنيسة الأنبا بيشوي صرح كثيرا والي حد الملل بتأييده لجمال مبارك!. وإذا بجبرائيل يزايد علي، ويعلن عن تأييده للرئيس مبارك، مع انه كان منذ قليل قطب المعارضة الأول، وكنت منذ قليل ممثل الحكومة المصرية، وكان قد تحدث عن المظالم التي يتعرض لها المسيحيون في مصر علي يد النظام بشكل يدمي القلوب، وكأن الرئيس مبارك ليس علي قمة هذا النظام.. لكنه الخطاب المزدوج، الذي يجعل البابا شنودة نفسه يرفض الصلح في قضية دير أبو فانا، ويطالب بمحاكمة الجناة الذي اعتدوا علي الرهبان، باعتبار ان " قعدات العرب" طريقة لا تتسق مع مدنية الدولة، في الوقت الذي يعلن فيه الآن عن اعتكافه لعدم قبول وساطته والإفراج عن المقبوض عليهم في أحداث العمرانية!. وعلي الرغم من ان درجة الحرارة قد ارتفعت، بسبب أسلوب جبرائيل في الحوار، الذي رمانا بتهمة تمثيل الحكومة، ثم زايد علينا فأيد الرئيس مبارك، إلا ان المناخ العام للبرنامج ظل هادئاً إلي ان أشرت بطرف خفي الي قضية السيدة " كاميليا شحاتة" واخواتها ، عندها صاح جبرائيل صيحة الحرب، ورفع صوته حتي يشوشر علي كلامي، وظل يقاطعني بسبب وبدون سبب، كأني مسكته من يده " الموجوعة". من طبيعة " ساعة حرة" ان الضيف لا يتكلم الا بعد ان ينتهي الاخر، وبعد ان يمنحه المذيع الكلمة، لكن المذكور كان يصاب بحالة هياج كلما تكلمت بعد هذا التلميح، الذي كان ينبغي ان يمر مرور الكرام!. قلت إن التحالفات بين الكنيسة والنظام في الأمور الاستراتيجية، فالقوم يجدون حرجا شديداً اذا أسلمت زوجة قس، والسلطة تتولي رفع الحرج بتسليمهم من تعلن إسلامها، عندها صاح: كاميليا لم تسلم.. كاميليا لم تسلم.. كاميليا لم تسلم!. لا بأس لم تسلم كاميليا، فهل لم تسلم " وفاء قسطنطين" زوجة كاهن " أبو المطامير"، وهل لم تسلم زوجة كاهن الزاوية الحمراء؟ وعلقت انا: أسلم معك ان كاميليا لم تعتنق الإسلام، هي مسيحية، كانت ولا تزال، فبأي تهمة ألقت السلطات المصرية القبض عليها، وبأي صفة يعتقلها البابا شنودة الآن!. وكان صاحبنا في حالة صياح، فلم ينتبه الي ما أقول، ولعله انتبه، فوجد " عزوته" في الصياح، وذكر انه باعتراف الأزهر نفسه فان كاميليا لم تسلم. مما قيل هنا انه القي القبض عليها قبل ان تشهر اسلامها رسمياً، ومهما يكن فهي مسيحية، انا اسلم بذلك، فماذا تفعل في الدير الآن؟! بعد يومين من هذه الحلقة ذهب قادة الكنيسة بمحافظة الجيزة فالتقوا بالمحافظ ومدير الامن واعتذروا عما جري، ويبدو ان الهدف من هذا الاعتذار هو الإفراج عن من تم القاء القبض عليهم، ولما أخذ القانون مجراه، وقامت النيابة العامة بحبسهم خمسة عشر يوما علي ذمة التحقيق، سحب البابا رجاله وتصدر المشهد وقال انهم لم يعتذروا، وذهب للاعتكاف!. وهذا ليس هو الموضوع، فقد بدت لي " كاميليا شحاتة" هي بطحة القوم التي يتحسسونها بين الحين والآخر. وفي اليوم التالي لحلقة " ساعة حرة" استوقفتني يسارية تعمل في مجال حقوق الإنسان: لقد كنت موفقاً إلي ان ذكرت اسم " كاميليا". لم اكن البادئ يا سيدتي بذكر اسمها. لا، أنت تحدثت عنها من بعيد، و الجميع يعلم انك تقصدها، فأغضبت جبرائيل، انسي موضوع " كاميليا" هذا. ولماذا أنساه؟ هي لم تدخل الإسلام كما تظن! وقلت: أنا لم اتصور انها دخلت الاسلام، لكنها انسانة، من حقها ان تعيش حرة كريمة، وليس من سلطة احد ان يعتقلها او يلقي القبض عليها بالمخالفة للقانون. بدت لي " كاميليا" ساعتها ليست انسانة من لحم ودم، وليست مستهدفة بالتالي بمواثيق حقوق الانسان. كل هذا حتي لا يغضب البابا.. سأنسي كاميليا حتي يقولوا عني اني متحضر ومع الوحدة الوطنية ومنحاز للدولة المدنية.. وحتي يبتهج البابا.