وسط الجدل المتطور بشأن الإصلاحات لازال المفكرون العرب والشعوب العربية يؤكدون على الحاجة إلى الثقافة والإصلاحات الديمقراطية الخاصة بهذه المنطقة في الشرق الأوسط، ومعارضة فرض النماذج الغربية بقوة. وفي تأكيده على صعوبة تنفيذ عملية ديمقراطية مناسبة للغرب دون الانتباه إلى الظروف الإقليمية قال عمرو حمزاوي، أحد كبار الباحثين في وقف كارنيجي للسلام الدولي في واشنطن: "إن وجود النموذج الديمقراطي الذي يمكن تصديره إلى كل مكان يعتبر كلاما فارغا، وليست له أية مصداقية أخلاقية بسبب المآسي والكوارث الأمريكية في العراق". وقال حمزاوي: "إن الديمقراطية مطلب شعبي في بعض الدول، لكنه ليس كذلك في منطقة الخليج؛ حيث إن الشعب لا يعاني من مشكلات اقتصادية قاسية، ولديه اهتمامات مختلفة". وأضاف: "إن الوضع هنا مختلف تماما، وينبغي التعامل مع كل حالة بشكل منفصل. إن الديمقراطية غير مقبولة إذا كانت تؤثر بشكل سلبي على الثقافة التي جاءت لتحكمها". وفي مؤتمر نظمه مركز الإمارات للدراسات والأبحاث الإستراتيجية في وقت سابق من هذا الشهر قال الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد الرحمن بن حمد العطية: "كلما حاولنا أن نتوصل إلى حلول نابعة من بلادنا للأزمات (الإقليمية)، مع تجنبنا لصورة الإصلاح في ظل الضغط الأجنبي، كلما كنا أكثر نجاحا في تحقيق إصلاحات وسياسات واقعية". وفي إشارة إلى المجالات التي تتطلب تركيزا فوريا قال العطية: "من الناحية الديمقراطية ينبغي أن تكون هناك طريقة لتنفيذ سياسة للتحديث بشكل فعال، ولمكافحة المشكلات الاجتماعية مثل الفقر والأمية، في الوقت الذي نبدأ فيه في شق طريقنا نحو التحول الديمقراطي، وتنشيط دور منظمات المجتمع المدني". ورغم أن الجدل بشأن الإصلاحات كان مرتبطا في الماضي بشكل ثابت بحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إلا أنه يُشار إلى العراق الآن بشكل متزايد باعتبارها مثالا على عدم ملاءمة الحلول "الأجنبية" للمنطقة. وفي تأكيده على أن الحرب في العراق والضغوط الأمريكية على دول الشرق الأوسط كان لها تأثير سلبي قال البروفيسور برهان غليون، مدير مركز الدراسات الشرقية المعاصرة بجامعة السوربون بباريس: "منذ أن خرجت الولاياتالمتحدة بخطتها الخاصة بتعزيز الديمقراطية في الشرق الأوسط وتحفيز التنمية الاقتصادية في المنطقة من أجل مواجهة "الثقافة" المغذية للإرهاب، ارتكبت الإدارة أخطاء قاتلة لأنها ربطت مشروعها بحماية المصالح الإسرائيلية". وأضاف موضحا: "إن الحرب الرامية إلى دمقرطة العراق كان هو أثمن الهدايا التي قدمتها الإدارة الأمريكية على الإطلاق إلى النظم الديكتاتورية في العالم العربي؛ فقد كانت الحرب مثالا عمليا على ما تعنيه الديمقراطية كما يراها الأمريكيون. كما أن الدول العربية تنظر إلى الحرب في العراق باعتبارها ممارسة تهدف إلى تأمين موارد النفط القادمة من المنطقة، وتدمير إحدى الدول العربية لصالح إسرائيل". وحتى المواطنون العاديون يعتقدون أنه رغم أنه يجب أن تؤخذ في الاعتبار الأفكار ووجهات النظر الإبداعية، فإن الثقافة المحلية والظروف الاجتماعية يجب أن تكون في الصدارة عند بناء الأفكار الخاصة بالإصلاح في المنطقة. يقول عامر مصطفى، ويعمل بإحدى شركات النفط: "لقد أصبح للعديد من الدول في المنطقة قادة جدد، وهم يقومون بخطوات بناءة في تحسين النظم السياسية، لكن الديمقراطية لا يمكن تحقيقها في فترة وجيزة. إن الديمقراطية ستنجح فقط إذا تم التخطيط لها على مراحل، وأُخذت ثقافتنا في الاعتبار. إن مجرد اتباع نموذج غربي سوف تكون له آثاره الكارثية". ومع هذا فإن خبراء آخرين يصرون على أن ربط المبادئ الغربية والإصلاحات الداخلية سوف يحقق التوازن الصحيح، كما سيحث الدول في المنطقة على أن تفتح عقولها عند دراستها للإصلاحات. من جانبه يتفق داوود الأزدي، وهو أكاديمي، على أن الضغط لن يجدي، إلا أنه كرر فكرة أن الدول العربية ينبغي أن تتعاون مع الغرب بدلا من أن تدخل في صدام، وقال: "إن نجاحنا في التحول الديمقراطي يكمن في تأسيس منبر متعدد الأطراف للحوار، وهو ما يمكن أن يخلق جوا من الثقة المتبادلة". وأشار الأزدي على أن العرب يمكن أن يتبنوا النظام الديمقراطي الهندي، مضيفا: "إنهم (الهنود) لديهم مشكلاتهم وهو يواجهونها، ونحن أيضا ينبغي علينا أن نواجه مشكلاتنا. ويمكننا أن نبدأ من البداية، باستئصال الفساد وتبني الشفافية". وقد أكد غليون على أنه يتفق مع ممارسة "الضغط"، ولكن مع اختلاف؛ حيث قال: "إن هذا أمر حاسم فيما يتعلق بالإصلاحات في العالم العربي؛ لأن منظمات المجتمع المدني ضعيفة. وربما كان الأمر مقبولا بشكل أكبر إذا كان من يمارس هذا الضغط على الأنظمة العربية هي الهيئات الدولية مثل الأممالمتحدة وليس الولاياتالمتحدة". ويشير الجدل الحالي أيضا إلى أنه رغم أنه إذا تم تنفيذ الإصلاحات من قِبل الحكومات أنفسها معتمدة على عزمها واستعدادها فإن هذا سيكون في صالح هذه الإصلاحات، إلا أنه لا ينبغي رفضها سريعا إذا فُرضت من أطراف أجنبية. ومع هذا فإن الخبراء يحذرون من أن عملية الإصلاح يمكن أن تواجه مختلف العقبات. ويؤكد بعض الخبراء على أن الإصلاحيين ينبغي أن يركزوا جهودهم على التعليم من أجل تحقيق الإصلاحات في العالم العربي في الوقت الذي يُظهر فيه العالم العربي "جنون ارتياب غير مبرر" ضد جميع أشكال الإصلاح، بما في ذلك إصلاح التعليم؛ لأن هذا المشروع يتم دعمه من قِبل الحكومات الغربية في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر على الولاياتالمتحدة. وقال إبراهيم قويدر، المدير العام لمنظمة العمل العربية، ومقرها القاهرة، إن العرب يحتاجون أيضا إلى تحقيق تنمية اقتصادية من أجل التغلب على مشكلة البطالة المتزايدة. وقال: "إنها بمثابة قنبلة زمنية يمكن أن تنفجر في أي وقت. إن المشكلة تكمن في الحكومات الفاسدة، التي تقوم بإعاقة التكامل بين الدول العربية". (المصدر: آي بي إس )