إنه يوم الأحد الأسود ، الذى رأيت فيه علامات الأفق المسدود،وتصرخ بنُذُر مستقبل يثير الرعب فى قلب كل من يشعر شعورا صادقا بحب هذا الوطن ،والانتماء له .. طوال سنوات عمرى ، التى أرادها الله أن تطول لتصل إلى منتصف السبعينيات ، حيث رأيت ،ومررت ،وخبرت عشرات الأحداث الجِسام بمصر : منذ الغارات الألمانية على العباسية أثناء الحرب العالمية الثانية .. مرورا بالحرب التى انتزعت 1948 قطعة من أغلى أجزاء الوزطن العربى :فلسطين ،وحريق القاهرة ، يناير 1950 .. والعدوان الثلاثى عام 1956 .. ثم ذروة المأساة بهزيمة يونية 1967 .. ثم وفاة عبد الناصر ،ورؤية مئات الألوف يسيرون فى الشوارع مذهولين يبكون الزعيم الذى ، مهما قال البعض عنه ، فهو الرجل الذى عاش ومات فقيرا دفاعا عن إرادة وطن أرادوا له أن يعيش مستذلا. .. وما بين هذا وذاك ،وما بعده ،من مصائب وكوارث مرت بمصر ... فضلا عن أحداث شخصية لا تعد ولا تحصى من أمراض ،أو وفاة أم وأب وأخوة ،وحروب شنها هذا وذاك ، أو هؤلاء وهؤلاء على شخصى ،وخاصة طوال عهد حسين بهاء الدين ، وزيرا للتربية ،ومعه كتيبته المعروفة ..طوال هذه السنوات بما مر فيها ، كان من العجيب حقا ، أننى ،وسط الدموع والأحزان ، كنت أرى شعلة الأمل من بعيد ..كنت دائم " الحلم " ، بأن الغُمة لابد أن تنقشع .. كنت معروفا بميلى إلى التشاؤم ، على المستوى الشخصى ، لكن حلمى بالنسبة لهذا الوطن ، لم يتراجع أبدا ، مما كان يجعلنى دائما أتحمل ما يصعب تصوره .. كان هناك صوت داخلى يرن فى أذنى دائما ، أن الغد لابد أن يحمل لنا طاقة نور ،ويدهش البعض من قولى هذا ، لافتين نظرى إلى أن الكثرة الغالبة من كتاباتى ؛وكأنها صرخات وآهات ودموع ، ، حتى قد لاحظ واحد أن عبارات بعينها تشيع بين عناوين كتبى " محنة .." " الفساد " ،" شروخ " ،وما سار على هذا النهج ،وكان ردى أن ثقتى بأن الفجر لابد أن تلوح تباشيره ، لا يستطيع أحد أن يهزها .. إلى أن جاء يوم الأحد الأسود ، الثامن والعشرين من شهر نوفمبر من عام 2010 لينكشف " المستور " ، الذى كان كثيرون يشيرون من قبل إليه ، لكننى كنت أُكَذب الجميع بينى وبين نفسى ، مؤكدا صعوبة تصور هذا الذى يشيرون إليه ، من هول تصور تبعاته الجِسام على كل مصرى ومصرية. لم أصدق لحظة ، أية كلمة سمعتها من مسئول منذ ما يقل قليلا عن أربعة عقود ، على وجه التقريب ، منذ أن بدأ الارتباط بأمريكا وإسرائيل ، عن خير متوقع لمصر ،وعن ديمقراطية ،وعن تنمية ،وعن نهوض تعليمى ..كانت تصريحات المسئولين تنزل فى أذنى وكأنها وخز إبر من فرط شعورى بزيفها وكذبها ،وإلا فهل يصدق من له ذرة من عقل أن يرى من ارتضى لنفسه موقع " حمل " – مصر - أن يجئ خير من ذئب- أمريكا وإسرائيل- يتحكم فى خطاه ؟ بدأت المقدمات ، منذ عام 2007 ، عندما تمت تعديلات دستورية كارثية ، كما وصفها عدد من ذوى الضمير الحى من أساتذة القانون الدستورى فى مصر ، وفى مقدمتهم الفقيه الجليل الدكتور يحيى الجمل ،وغيره كثيرون ...تعديلات ، لو حاول الشيطان نفسه أن يُفَصِّلها لكى لا يستطيع ارتداءها إلا جسم بعينه ، تشبه – والقياس مع الفارق فى حجم الكارثة المتوقعة – ما كان يفعله البعض فى جامعاتنا ، زمن قصر التعيين على نشر إعلان بطلب كذا وكذا من وظائف أعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم ، حيث كنا نسخر من بعض هذه الإعلانات قائلين " ناقص يقولوا : "...وأن يكون المتقدم اسمه كذا " !! هذا بالإضافة إلى إلغاء الإشراف القضائى ، الذى استطاع – ولو إلى حد ما فى انتخابات 2005 أن يضع حدا لبعض " الفُحش " فى التزوير ،ويحضرنا هنا هذا الموقف المشرف للسيدة الفاضلة " نهى الزينى ". ومنذ شهور قليلة ، علا صوت الخطى إلى الأفق المجهول : فهذا المُزعج – بالنسبة للنظام ،وما يبيته لمستقبله - المسمى إبراهيم عيسى ، كان له برنامج على قناة " أون تى فى " ، تم وقفه ،وكانت الحجة الهزيلة المعلنة " كى يتفرغ لرئاسة تحرير الجريدة التى يصدرها " ! وبعد أسابيع قليلة ، تفرغ الرجل لرئاسة التحرير ،كانت الإطاحة به، هو وصحبه من جريدة الدستور التى كانت صاحبة الصوت الأعلى فى النقد والمعارضة ، ليبدأ الباقون فى التزام الحذر والخوف ،وفقا للمثل المعروف " اضرب المربوط يخاف السايب " ،وإن جاء التنفيذ على العكس ، حيث ضُرب السايب ، فمن باب أولى ، لابد للمربوط أن يفزع من خياله !! وبدأت الإنذارات الخفية لبرامج التلفزيون الخاص ، وخاصة برامج " التوك شو " ،و" قرص الأذن " ، فكان إيقاف برنامج عمرو أديب على قناة أوربت ، فإذا بنغمة النقد تخف كثيرا من برامج القنوات الخاصة ، حتى لقد عرض برنامج العاشرة مساء مرة فقرة عن " عالم الحيوان " لا أنساها أبدا ، حيث يمكن أن تنتقد دون مؤاخذة . ثم كانت الطامة الكبيرة بإغلاق الكثير من القنوات الدينية. صحيح أنها لا تطرق باب السياسة ، لكنها صاحبة دور ملحوظ فى تعزيز الاتجاه الدينى ،وهذا الاتجاه ،عندما يتعزز ، فهذا يفسح المجال " للمحظورة " أن تكسب المزيد من الأنصار ..وبطبيعة الحال ، لا تُذكر الأسباب الحقيقية ، فى كل مرة للتغيير الأسود ،وإنما يقولون هنا مثلا ، أن هذه القنوات تشيع الخرافة ،وتنصثح بتناول ما يسمى بالطب البديل دون تصريح منموزارة الصحة والفتاوى المتشددة ، بينما ، لو كان هذا هو السبب الحقيقى ، لكان سهلا أن يُشار إلى هذه القنوات بالملاحظات ،وإنذارها أولا ، وإعطائها مهلة لتصحيح الوضع ،وإلا تم سحب التصريح لها . والمحزن حقا أن يهرع يساريو النظام إلى الترحيب بهذه الخطوة ، بزعم أن هذه القنوات تشيع التخلف والظلامية ،وإذا سلمنا بأن هذا منبوذ بالفعل، لكن لم يقلقهم أبدا برامج كثيرة ، حتى فى تلفزيون الدولة ، تشيع عُريا وألفاظا هابطة ،ومواقف خليعة ، لو حدثت فى الشارع ، لوقعت فى يد شرطة الآداب! ثم كانت تلك القيود التى فرضتها وزارة الإعلام على البث التلفزيونى من داخل مصر ، لقنوات فضائية خارجية ... وكان شئ ما شعرنا به ، دون أن نمسك بأدلة ملموسة ، بالنسبة لقناة الجزيرة ، من حيث تخفيف الحدة .. وكان لابد من ظهور كتائب ضاربى الدفوف ،والراقصين على الحبال ، وفرق التزيين والتجميل ، على صفحات الصحف الحكومية ،وعبر قنوات التلفزيون الحكومى ، لتمهد ،وكان أظهر تمهيد هو هذه الضربات الكلامية ،والتشويهات المتعددة " للمحظورة " ، التى نُذَكر القارئ بأن عددا من المسئولين صرحوا ، علانية ، منذ فترة ، وعدة مرات بأن هذه الجماعة ، لن تصل إلى تحت القبة ، مثلما حصل فى 2005 ، فعلام يشير إلحاح مسئولين على اتجاهات نتائج انتخابات ، لم تكن قد أُجريت بعد ، إن لم تكن هناك نية مبيتة للتدخل السافر ،والتوجيه ؟ ومن هنا كانت المطاردة ،والاعتقالات ،ووضع عشرات العراقيل الإدارية ،والتسويف ، فضلا عما حدث يوم الانتخاب . كنت ، قبل يوم الأحد السود أتساءل بسذاجة بينى وبين نفسى : لِمَ كل هذه التحسبات ، المختلفة كثيرا عما قبل ؟ وهل يتوقع أحد ألا ينجح حزب الدولة ؟ لقد كان برلمان 2005 يمتلئ بثمان وثمانين من الإخوان ، وعدد من المعارضين المحترمين ، فهل استطاع أحد أن يمنع الدولة من أن تفعل ما تريد ؟ وتمر أسماء أمامى ، مندهشا ألا تحصل على أصوات النجاح ، مثل حمدين الصباحى ،وسعد عبود ،وجمال زهران ، وعلاء عبد المنعم ،وحمدى حسن ، وسعد الكتاتنى ،ومحمد العمدة ،ومن سار على دربهم ؟؟ ولما حدث ما حدث أثناء هذه الانتخابات ، أو " المسرحية " المسماة بذلك ، مما أصبح معلوما للجميع ، ظهر المستور ،عندما ثبت أن المجلس الذى سماه البعض بحق مجلس "أحمد عز" ،والذى ظهر فيه الحرص الشديد على أن يكون خاليا من المعارضة وظهر معه الأفق المسدود .. ستزداد ضراوة فريق بيع مصر ،وارتهان مستقبلها ،واستنزاف دمائها لصالح " شياطين الأعمال "،وتوثيق الروابط مع أمريكا وإسرائيل ، وازدياد التفسخ العربى ،وتزييف الوعى ،وتجريف العقول،والتراجع الشديد فى اتلتنمية المعتمدة على الذات.. وهكذا بدأت لأول مرة فى حياتى أشعر بأن حلم التغيير قد ضاع ،ولولا خشية الله ، للطمت الخدود ،وشققت الجيوب ، حتى لا أُعد فى زمرة الداعين بدعوة الجاهلية الأولى !! لكن هاتفا هتف بداخلى " يا فرعون : إيه فرعنك ؟ قال : مالقيتش حد يردنى " ،و" كما تكونوا ، يُوَلّى عليكم "!!