كان من أهم النتائج التي أعقبت ثورة ال 25 من يناير .. اقبال العامة والخاصة على الشئون السياسية. فصارت السياسة حديث الناس في منتدياتهم وتجمعاتهم، وأضحى الناس يتناقشون ويتحدثون في الأمور العامة والأحداث السياسية في كل مكان.. في وسائل المواصلات وفي أماكن الدراسة والعمل بل وحتى على المقاهي! ولا شك أن "الإهتمام بالأمور السياسية" تُعد علامة على تطور المجتمعات وتحضرها ومدى وعي أبناء هذا المجتمعات. غير أن هذا الأمر اختلف تماماً في مصر "الثورة" أو في مصر "الجديدة"! فقد خرج المصريون من اعراض تام عن السياسة إلي انشغال كامل بها. ولكن هذا الإنشغال أظهر لنا "غلظة" في النقاش، و"حدة" في الكلام، و"بذاءة" في العبارة، و"تسفيه" للآراء .. هذا بالطبع فضلاً عن السباب واللعان والإشتباك بالأيدي!! وصارت السياسة "مفرقة" للجماعات و"هادمة" للعلاقات و"داعية" للشحناء! ولم يقتصر هذا الأمر على العوام من الناس بل امتد ليشمل الخاصة وأولي الرأي منهم! بل وسمعنا ورأينا من بعض الفضلاء ما يتعارض مع ما ألفناه منهم من "حسن الخُلق" و"عفافة اللسان"! وأمام هذه الظاهرة الخطيرة التي جعلت الإقدام على المناقشة في "أمر" أو "حدث" سياسي ما ضرباً من "المغامرة" التي لابد من حساب مخاطرها وتكلفتها! هذا بالطبع فضلاً عن القبضة الأمنية الحالية التي يفرضها المهيمنون على الأوضاع في البلاد. كان لابد أن نحاول أن نرصد أسباب هذه الظاهرة التي أدت بنا إلي هذا الواقع "المرزي" فإن أول طريق العلاج هو معرفة الداء لكي نبحث له عن دواء. أول هذه الأسباب هو "حدة" الوضع السياسي الراهن وتطرفه. فالمشهد المصري تمخض عن فريقين لا ثالث لهم، "مع" أو "ضد"! "مع" قادة المؤسسة العسكرية و"ضد" المناهضين – على اختلاف تياراتهم وتباين توجهاتهم – لما قامت به، أو "ضد" قادة المؤسسة العسكرية و"مع" الرافضين لما قامت به. وفي ظل هذه الحالة "شديدة" التباين جاءت هذه "المباراة الصفرية" التي لا ينتصر طرف فيها إلا بعد القضاء على الطرف الآخر. وثاني هذه الأمور هو التناقضات "الواضحات" في المواقف السياسية من بعض الرموز والنخب. الأمر الذي يصيب الكثيرين منا "بصدمة" أو"حنق" أو "غيظ" خاصة عندما لا يجد تفسيراً معقولاً أو منطقاً سليماً لفهم جملة هذه "التناقضات"! فعلى سبيل المثال – لا الحصر – موقف حزب النور من المادة 219 والتي "افتعل" بسببها "معارك" في اللجنة التأسيسية لوضع الدستور 2012 .. و"قاتل" رجال حزب النور و"دعاة" الدعوة السلفية بالأسكندرية حينها عليها، مؤكدين على خطورة هذه المادة وأنها هي التي ستحفظ العباد والبلاد من خطر"التشيع" وخطر "العلمنة"! ورفضوا –حينها- تفسير المحكمة الدستورية للمادة الثانية. بل و"اتهموا" أنصار التيارات الإسلامية الأخرى بأن موقفهم من الشريعة مشابه لموقف العلمانيين والليبراليين! وبسبب هذه المادة انسحبت في "نهاية" عمل "اللجنة التأسيسية" بعض الرموز والتيارات! وصار حزب النور هو "المدافع" عن الشريعة ضد خصومها من العلمانيين وغيرهم وضد أيضاً التيارات الإسلامية الأخرى "المارقة"! والآن حزب النور يوافق ويدعو إلي الموافقة على "إلغاء" هذه المادة ويرى أن الدستور الحالي أحفظ للشريعة بدونها!! وأن "المارقين" المهاجمين لهم الآن ليس لهم الحق في التعليق على هذا لأنهم لم يكونوا مهتمين بوضعها في الدستور!! وتغافلوا على أن بسبب "اصرارهم المفتعل" على وضع هذه المادة ثارت نزاعات وخصومات بين أعضاء اللجنة التأسيسة التي انتهت كما أسلفنا الذكر بإنسحاب بعض الرموز والتيارات. وثالث هذه الأمور هو "موروثات" النظام السابق التي جففت "منابع" المعرفة ولم تسمح بقيام حياة سياسية "سليمة" بل وحياة "اجتماعية" أيضاً! وكانت القبضة الأمنية "تهيمن" و"تسيطر" على الحياة العامة والثقافية والأدبية فضلاً عن السياسية. فكان نظام "مبارك" غير فاسد فحسب بل ويكرس الفساد! وصُرف شباب الأمة إلي ملهيات من مباريات وأفلام وغيرها من مغيبات العقول! فكانت النتيجة المنطقية لكل هذا ما نشهده الآن! وهذا عين ما قاله الإمام الكواكبي (1265 - 1320 ه = 1849 - 1902 م):" لا يخفى على المستبدّ، مهما كان غبياً، أنْ لا استعباد ولا اعتساف إلا مادامت الرّعية حمقاء تخبط في ظلامة جهل وتيه عماء..". وفي الحديث الشريف: "كَمَا تَكُونُوا يُوَلَّى عَلَيْكُمْ" – ضعفه الألباني في ضعيف الجامع الصغير برقم 4275 -. الأمر الذي أدى إلي غياب "ثقافة" الإختلاف و"أدب" الحوار. وأخيراً وليس آخراً .. هو سياسة "الإقصاء" التي يمارسها كل من قادة المؤسسة العسكرية ووسائل الإعلام "الرسمية" و"الخاصة" المملوكة لبعض رجال الأعمال. فقادة المؤسسة العسكرية يتعاملون مع المعارضة السياسية بمنطق "الرصاص" ومنطق "القوة" بذريعة "الحرب على الإرهاب"! ولا تكاد "مظاهرة" معارضة أو مناهضة لهم تخلو من اعتقالات أو اصابات أو قتلى! أما وسائل الإعلام "الرسمية" و"الخاصة" فهي لا تنقل الحقائق كما هي وتدع للمشاهد والمراقب الحكم وتقدير الأمور .. بل لا تنقل إلا ما تريد أن تنقله، ولا تسمح لصوت أو رأي إلا إذا كان يرى ما ترى! وضاعت إسطورة "الرأي والرأي الآخر" وضاعت "المصداقية" و"الموضوعية" وكان ضياع "الحقيقة" هو أول ضحية لهذه السياسة "العبثية". إنها دعوة "صادقة" لأن نأخذ من السياسة ما نُصلح به أحوالنا ونبني به مجتمعنا .. لا أن تأخذ السياسة منا "أخلاقنا" و"أوقاتنا" وتُذهب بنا الي مهالك الأودية. والله من وراء القصد ،،، عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. HossamGaber.BlogSpot.Com