في أول أكتوبر الماضي 2013،عادت "كاترين أشتون" إلى القاهرة، وبالتأكيد فإنها جاءت في ذلك الوقت لأسباب قوية، ولا يمكن بحال الاعتقاد بأن عودتها آنذاك كانت من أجل أن تستأنف الوساطة من حيث بدأت قبل أن تغادر القاهرة مستاءة منذ أكثر من شهرين قبلها. في ذلك الوقت، كانت التسريبات الواردة من مصادر قريبة ل"جهات السيادية"، تقول إن ثمة "تفهمات" مع الجماعة، باتت مشجعة لتسوية الأزمة والوصول إلى حل.. غير أن الأسماء التي كانت مرشحة كما قالت تلك التسريبات للقاء آشتون هم تقريبا المنشقون عن الجماعة، ولذا فإن الوساطة كان مآلها الفشل كما حدث فعلا. التسريبات ذاتها كشفت إنه كان من بين تلك الأسماء المحامي البارز مختار نوح، وهو أكثر المنشقين اعتدالا.. ورغم أنه خارج الجماعة، منذ سنوات طويلة، إلا انه استند إلى خطاب نقدي عقلاني وهادئ ورصين، وليس ثمة "كراهية" له داخل التنظيم.. غير أن ثمة أسماء أخرى، ربما كان اختيارها غير موفق، بسبب خطابها العدواني والمتطرف إزاء الجماعة، مثل ثروت الخرباوي وكمال الهلباوي وإسلام الكتاتني. الأخبار التي تواترت في ذلك الوقت أشارت إلى أن ثمة اقتراحا كان قد تقدم به الاتحاد الأوربي، ووافقت عليه الجماعة.. غير أن سؤالا مشروعا كان حاضرا بالتزامن مع ذلك يسأل عن: أية جماعة تلك التي سيتم الاتفاق معها؟! كان في ذلك الوقت هذا السؤال هو السؤال المفصلي في المسالة كلها.. لأن الأسماء المرشحة للتفاوض تمثل "خوارج "التنظيم.. وهي لا تملك إلا حصتها غير المضمونة في الظهور على الفضائيات المناوئة للجماعة.. وليس لها أي تأثير على الكتلة الصلبة من الإخوان، وبالتالي فإن الحوار معها وحسب، كان عبثيا ومضيعة للوقت. غير أن ثمة أخبارا تواترت، أشارت إلى معلومات مهمة، ربما كانت هي الأكثر قبولا وموضوعية .. قالت: إن من بين المشاركين قياديتين من التيار الأكثر اعتدالا وانفتحا على الحوار، وهما د.عمرو دراج والدكتور محمد على بشر.. غير أن معلومات حصلت عليها من مصادري الخاصة، قالت إن نقل المرشد السابق محمد مهدي عاكف في ذلك الوقت من السجن ل"العلاج" في مستشفي المعادي العسكري، كان خطوة سبقت وصول كاترين آشتون للقاهرة، تمهيدا لإطلاق سراحه، ل"أسباب صحية" وفق اتفاق مع السلطة، بمقتضاه يرأس عاكف اللقاءات التي بدأت يوم 1 أكتوبر الماضي مع المبعوث الأوروبي. والحال أن أهم شخصية يمكن أن نعول عليها في هذه المسألة، هو مهدي عاكف، والذي يعتبره قطاع ليس بالقليل من الإخوان، ثاني أهم مرشد بعد "التلمساني"، وهو المرشد الذي تنازل طواعية عن المنصب، للمرشد الحالي الموجود في السجن د. محمد بديع.. ما يعكس تكوينا نفسيا، قابلا لتقديم تنازلات كبيرة. ويوم أمس أطلق سراح عاكف، بعد أيام من نقل الرئيس المعزول من محبسه إلى إحدى المنشآت العسكرية التابعة للجيش، بالتزامن مع أخبار تكاد تكون مؤكدة بأن الإفراج عن عاكف ونقل مرسي، يأتي في سياق ترتيبات لإطلاق جولة جديدة من المفاوضات مع الجماعة، للوصول إلى اتفاق يخرج البلاد من أخطر مأزق سياسي، وتقترب يوما بعد يوم إلى حافة الإفلاس والاحتراب الداخلي، فيما بات الإخوان أكثر قلقا من ذي قبل مع اقتراب موعد الاستحقاق الدستوري، إذ ستطوي نتائجه حال جاءت كما تتمناه السلطات الجديدة صفحة الإخوان إلى أجل بعيد جدا.. ولعل ذلك ما جعل الجماعة أقل تشددا في مطالبها وأكثر قابلية لتقديم تنازلات مقبولة. لكن المشكلة الأكبر، ربما تتعلق بالموقف داخل الجماعة، وشبابها الموجود حاليا في الشوارع، وما إذا كان سيقبل بالتسوية المتوقعة، لأن "المرارات" التي خلفتها المواجهات الأمنية، قد تكون سببا في تعثر انجاز أي مشروع لتجاوز المحنة، لا يعبأ بفاتورة التكلفة الباهظة التي قدمتها الجماعة، منذ الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي.. وهو السؤال الذي يصعب على أي مراقب أن يجيب عليه بشكل قاطع. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.