قطعت وزارة الداخلية شوطًا في تطبيق برامج "الأتمتة"، باستخدام الحاسوب والأجهزة المبنية على المعالجات والبرمجيات لتخزين المعلومات وتوثيقها واستخراجها، وربما كانت إدارة الجوازات والهجرة أول من استخدم ذلك للكشف عن أسماء المغادرين والواصلين، وربما كان الغرض الأساس من ذلك التعرف على المنوعين من السفر، والمُترقب وصولهم لأسباب أمنية سياسية. وقد اتسع المجال حتى أصبح اليوم لكل شخص – حتى الأطفال- رقم قومي، كما يتم استخراج بطاقات الرقم القومي ورخص القيادة ورخص تسيير المركبات باستخدام الحاسوب، وهناك جواز السفر الذي يتم التعرف على بياناته آليًا دون حاجة لادخال بيانات، فضلا عن الأرشيف الإلكتروني المتوفر لدي جهات أمنبة. وكثيرًا ما طالب كتاب وسياسيون- خاصة من المعارضة- بتطبيق مثل هذه النظم الحاسوبية المتطورة في مجال الانتخابات لتنقية الجداول الانتخابية، وتيسير قيد الناخبين، وسهولة التعرف على اللجان الانتخابية المقيدين بها، انتهاءًا بالتصويت في الانتخابات بشكل آلي يمنع التزوير، والتدخلات البشرية غير المرغوب فيها. وفي عام 2005، أي قبل خمس سنوات، وقبل الانتخابات البرلمانية السابقة كتبت المقال التالي في "المصريون"، بعنوان "فكرة من الهند.. حاسوب لمكافحة التزوير" وقد عدت إليه هذه الأيام لأرى إن كانت قد حدثت خطوة واحدة إلى الأمام .. فلم أجد خطوة واحدة على طريق التصويت الإلكتروني، ولكن وجدت خطوات للخلف، ومنها على سبيل المثال نقل اللجان بشكل متعمد لتدويخ الناخبين حتى ييأسوا من التصويت، أو لإحكام السيطرة على اللجان، حتى أن بعض اللجان نقل قريبًا من المقابر، ربما لتأكيد أن الموتى يشاركون في التصويت باسمائهم التي لم تحذف من جداول الانتخاب. يقول المقال: الهنود ليسوا "هنادوة" دائما، كما نظن، إذ لهم ابتكارات واختراعات، وهم يسابقون الآن الدول الكبرى لحجز مقعد في مقدمة قطار العالم، فيما ينتظر آخرون مثلنا "الشعبطة في السبنسة". وفي مجال الانتخابات كانت الهند من أوائل دول العالم المتخلف التي اعتمدت التعددية الحزبية، وجرى فيها تبادل سلمي للسلطة لقرابة ستة عقود منذ استقلالها عن بريطانيا. وفي السياسة الهندية خطايا وأخطاء كثيرة، من قبيل اضطهاد الأقلية المسلمة واحتلال كشمير، ولكنا نشير هنا إلى أحد الإنجازات الهندية في مجال الانتخابات، وهي عملية التصويت الإلكتروني. تتلخص الفكرة في ابتكار "ماكينة تصويت إليكترونية" نصحت بها وطلبت تصميمها لجنة الانتخابات هناك، وقد استخدمت تلك الماكينة لأول مرة بشكل تجريبي قبل 15 سنة ( احسب بالتالي الفارق الديمقراطي بيننا وبينهم). ويتم إجراء عملية التصويت بهذه الماكينة دون حاجة إلى طباعة أوراق الانتخاب. وتضمن هذه الطريقة دقة وسرعة أكثر في التصويت، ووفرًا في التكاليف بإلغاء عملية طباعة بطاقات الانتخاب ونقلها وتخزينها وتوزيعها على اللجان، كما أنها تيسر عملية عد الأصوات ومن ثم، سرعة إعلان النتيجة، وباستخدام تلك الماكينة فلا مجال لوجود أصوات باطلة. تتكون ماكينة الانتخاب الإلكترونية من وحدتين: إحداهما للتحكم وتكون مع رئيس اللجنة الفرعية، والأخرى للتصويت ويستخدمها الناخبون، ويربط بينهما كابل طوله خمسة أمتار. وبدلا من تسليم الناخب ورقة التصويت يقوم رئيس اللجنة الفرعية بالضغط على زر معين في وحدة التحكم وعندها يتمكن الناخب من الإدلاء بصوته بالضغط في وحدة التصويت على الزر المقابل لاسم المرشح أو الرمز الذي يختاره، فيرى ضوءًا أحمر ويسمع صفيرًا .. وهذا معناه أن عملية التصويت قد تمت بنجاح. وبعد قيام الناخب بالتصويت تغلق وحدة التصويت ولا يستطيع الناخب التصويت أكثر من مرة، ولا يستطيع غيره التصويت حتى يأذن له رئيس اللجنة. كما لا يمكن برمجة الماكينة لمنح الأصوات لمرشح بعينه وإنما تذهب الأصوات للمرشح الذي اختاره الناخب. وفي بداية عملية التصويت يقوم رئيس اللجنة بالضغط على زر " النتيجة" حتى يتأكد مندوبوا المرشحين من أنه لا توجد أي أصوات مخزنة سابقًا داخل الماكينة. وبالضغط على زر "المجموع" يظهر العدد الإجمالي للمصوتين حتى هذه اللحظة دون أن تظهر أي مؤشرات لاتجاهات التصويت. ومع تصويت آخر الناخبين يغلق رئيس اللجنة الماكينة ويُطلع المندوبين على عدد الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم، لمقارنتها عند بدء عملية عد الأصوات وتجميعها. ولأن الهند دولة متخلفة تنقطع فيها الكهرباء مثلما تنقطع عندنا - ولا أعرف إن كانت تقطع عمدًا أثناء الانتخابات كما حدث عندنا- فقد صممت الماكينة الانتخابية بحيث تعمل على بطارية 6 فولت وليست بحاجة للكهرباء، كما أنها ليست بحاجة إلى غرفة مكيفة الهواء كما هو الحال بالنسبة لكثير من أجهزة الحاسوب. وتستطيع الماكينة تسجيل 3840 اسمًا للناخبين كحد أقصى، وهو عدد كبير بالقياس لأعداد الناخبين في كل لجنة فرعية، كما أن بإمكان الماكينة تسجيل أسماء ورموز 16 مرشحًا، وإذا زاد عدد المرشحين عن ذلك يتم الحاق وحدة ثانية بالأولى بعدد مماثل، وهكذا حتى يصل عدد المرشحين إلى 64 كحد أقصى، وربما لم يتوقع الهنود أن يزيد العدد أكثر من ذلك، ولذلك فهم يقولون إنه إن زاد العدد عن 64 تتم العودة إلى نظام ورقة الانتخاب التقليدية. ولمواجهة أي أعطال قد تطرأ على إحدى الماكينات يتم توفير ماكينة احتياطية لكل 10 ماكينات عاملة، وتظل نتائج التصويت التي تمت قبل العطل محفوظة في الماكينة لعشر سنوات على الأقل، ويمكن استخراجها بعد تصليح العطل ولا حاجة لإعادة التصويت. وقد يقال إنه من غير المناسب استخدام هذه الماكينة المتطورة في بلد لا تزال فيه نسبة معتبرة من الأميين- أظنها تزيد عندنا ولا تنقص- والرد على ذلك أن استخدام الماكينة أيسر من التصويت الورقي، فالناخب لا يحتاج لأكثر من أن يضغط على الزر المقابل للاسم أو الرمز الذي يختاره، وهذا أيسر من استعراض الأسماء والرموز في الورقة والتأشير مقابلها، وقد لقي استعمال الماكينة ترحيب الفلاحين والأميين في الهند. وماذا عن تقفيل اللجان؟ إذا غاب القانون وسادت البلطجة فلا يستطيع الحاسوب أن يدافع عن نفسه، وسيلقى مصير صندوق الانتخابات ولو كان زجاجيًا، ولكن مع فارق مهم، فالماكينة الانتخابية مصممة بحيث لا يتم إجراء أكثر من 5 عمليات تصويت في الدقيقة بينما يمكن تسويد عشرات الأوراق يدويًا في الدقيقة، وبذلك يمكن تقليل حجم الضرر الحاصل. وهنا اختلاف آخر بيننا وبين الهند، فهم ينتظرون تدخل الشرطة بعد 30 دقيقة لطرد المزورين، أما عندنا فنحن ننتظر موعد إغلاق لجان التصويت لوقف تدخل الشرطة. كما يمكن لرئيس اللجنة – إن لم يكن متواطئًا- أن يضغط على زر "إغلاق" لمنع عمليات التصويت غير القانونية. وفي حالة الحاجة إلى إعادة عد الأصوات يتم استعراض عمليات التصويت على وحدة التصويت. الفكرة بسيطة وقابلة للتطبيق إن خلصت النوايا.. فهل نقلد "الهنادوة" مرة بدلاً من السخرية منهم؟. [email protected]