بعض المؤشرات التي حدثت في تقديم أوراق المرشحين للانتخابات المقبلة تكشف عن قلق كبير لدى قيادات الحزب الوطني تجاه نتائج الانتخابات ، وهو قلق يمكن أن يفسر بعض الأحداث غير المسبوقة التي أرسلت رسائل خطيرة للجميع ، مثل واقعة إطلاق النار من قبل رجال أمن على مؤيدين لأحد المرشحين في الاسكندرية مثلا ، الحزب الوطني امتنع عن إعلان أسماء مرشحيه للانتخابات حتى اليوم الأخير ، وامتنع عن تقديم أوراق مرشحيه على مستوى الجمهورية حتى الربع ساعة الأخير من اليوم الأخيرة للتقديم ، وهي واقعة تحتاج لبعض الشرح . الحزب الحاكم أصبح مصابا بتخمة من الأوزان الثقيلة ، مليونيرات وأصحاب مصالح كبيرة ، كلهم طامح إلى أن يكون بالقرب من "دفء" السلطة ، طبعا لخدمة الشعب ومصالح الكادحين ، وليس لخدمة استثماراته وطموحاته ، كما أن هناك عوائل كبيرة أصبحت تثقل الحزب وتروع قياداته بنفوذها ، وهذه التخمة حولت الحزب إلى مجموعات كبيرة من مراكز القوى والثقل ، وكلها متعارضة ، وكلها مدركة في سلوكياتها بأن الإدارة السياسية للدولة أصبحت أبعد ما يكون عن "المؤسسية" ، وأنها أقرب إلى العلاقات العامة وإلى الصلات الشخصية بالنافذين في الحزب ، مما جعلهم أقل احتراما لأي قواعد حزبية أو مؤسسية ، وهذا ما أوقع قيادة الحزب في ورطة ، وأصبحت غير قادرة على إرضاء هذه الديناصورات المتعارضة ، وتخشى بالمقابل من انقلابها على الحزب بممارسات تضر بوضعه في الانتخابات ، على طريقة : علي وعلى أعدائي ، ولذلك حاول المهندس أحمد عز ابتكار فكرة الحصول على توكيل رسمي من "الطامحين" بتفويض الحزب في تقديم أوراق ترشيحه أو سحبها ، غير أن الغالبية اعتبرت أن هذا "ملعوب" فامتنعوا عن تقديم هذه التوكيلات أو العمل بمقتضاها ، وبالتالي فكر "المهندس" في لعبة أخرى يقطع بها الطريق على الخارجين على الطاعة . الفكرة تمثلت في التعمية على المرشحين المختارين للحزب وعدم إعلان أسمائهم في الدوائر المختلفة ، باستثناء عدد قليل من الوزراء ، وتم تقديم الوعود الشفاهية السرية الخاصة جدا للعشرات في الدائرة الواحدة كل على حدة بأنه مرشح الحزب ، وبالتالي أصبح الجميع يمني نفسه بأنه سينزل على قوائم الحزب ، وحتى يضمن الحزب تمسكه بأوراق لعبة الترشيح كلها ، بدون توكيلات أو يحزنون ، قرر عدم الكشف عن مرشحيه حتى اللحظة الأخيرة ، وفي الربع ساعة الأخير بعد تقديم أوراق مرشحي الحزب يكون قد أسقطت في يد الموعودين الآخرين ، الذين اكتشفوا أنهم كانوا ضحية "ملعوب" المهندس ، فضاعت عليهم فرصة الترشح ، ليس فقط على قوائم الحزب ، بل ضاعت الفرصة كلها ، لأن أبواب الترشح قد أغلقت ، وكل سنة وأنتم طيبون . المشكلة أن "هدايا" التعيين في مجلس الشورى قد انتهت ، وبالتالي فلا توجد أي وعود أخرى يمكن "تخدير" المخدوعين بها ، وهو ما يجعل المستقبل مفتوحا على مخاطر تحالف هؤلاء المغدورين مع قوى أخرى ، والأقرب هو تحالفهم مع الإخوان المسلمين في الدوائر التي قرر الإخوان النزول فيها ، وهو ما يضيف قوة استثنائية لنفوذ مرشحي الإخوان ، كما سيضيف قوة استثنائية لبعض المرشحين المستقلين خارج الأحزاب وخارج الإخوان . غير أن الأجواء تشير إلى قدر من الثقة لدى الوطني في نجاح عملية "إخراج" نتائج الانتخابات ، لأن المنافس الأساس للفريق وهو الإخوان امتنع عن النزول في جميع الدوائر أو حتى أغلبها ، لأسباب غير مفهومة ، بينما قرر الوفد النزول في دوائر غير مسبوقة مع اطمئنان استثنائي في قياداته بأنهم زعماء المعارضة في البرلمان المقبل ، فهل سنشهد مفاجآت من العيار الثقيل في الانتخابات المقبلة ، وهو الأمر الذي لن يحدث إلا بمواكبة أحداث عنف مروعة ، أم أن "إخراج" العملية سيتم حسب المرسوم ، بالتزام الجميع بأدوارهم وحدودهم ، سنرى . [email protected]