يحكي أن أحد أخطر عملاء المخابرات الأمريكية الكبار كان روسيا وإستطاعت المخابرات الامريكية أن يجندوه ويخترقوا به القيادة السوفيتية، و كان يعمل بأحد المناصب القيادية في ذلك الوقت، وكلف هذا العميل في بداية تجنيده بمهمة وحيدة لا ثاني لها، حيث كانت هذه المهمه تنحصر في أنه كلما طرحوا عليه عدة اسماء ليختار من بينهم من يتقلد منصب ما لموقع مهم من مواقع الدولة الحساسة في قيادة الدولة كان يختار الأقل كفاءة، أي الأسوأ من بين هذه الاسماء فيوسده الأمر ويقلده هذا المنصب، وقيل بأن هذا الامر كان أحد أسباب انهيار الاتحاد السوفيتي. ومعايير إختيار القيادات في الدول المتقدمة والتي ترغب في التقدم تعتمد علي رضاء المواطن عن الخدمات العامة لديهم من شاغل المنصب ومدى قدرة المسئول على حل مشاكل المواطنين واجتيازه الأزمات المختلفة التي قد تواجهه فى نطاق عمله، وتطويره لمؤسسته من خلال خطة عمل ممنهجة بأسلوب علمى يحقق أهدافه من خلال مؤشرات واضحة وقابلة للقياس ومعلنة مسبقا، وفي ظل الظروف الإستثنائية التي تمر بها البلاد فيجب ألا نكتفي بالمعايير السابقة التي ذكرتها والتي تطبق عند إختيار القيادات في الدول المتقدمة والمستقرة، إذ يجب أن يضاف إلي هذه المعايير بعض المعايير الإضافية، فيجب أن يكون لدي القيادات رؤية وإستراتيجية وخطة عمل واضحة لكى يستطيعوا أن يحفزوا الآخرين للعمل فى نفس المسار ووفق الرؤية التي يؤمنون بها ويتبعوها ، ويكون لدي القيادات أيضا القدرة والمهارة الفائقة علي السيطرة والتحكم بثبات إنفعالي متزن فى المواقف المختلفة واحتواء الآخرين من العاملين والمواطنين بما يتفق مع القانون، ويكون لدي القيادات القدرة علي الخيال والإبتكار والثقة في أنفسهم و أفعالهم وقراراتهم، وليسوا بمؤجلين للقرارات والأفعال الحاسمة تفاديا لمواجهة المشكلات المترتبة علي إتخاذ مثل هذه القرارات ، والقيادى لابد أن يكون ذا شخصية قوية لا يمكن سبر أغوارها، ولديه الكثير من الحزم والضبط والربط ويعترف بخطئه إن أخطأ ويفضل احترامه لذاته عن بقائه على الكرسى مهما كان حجم الإمتيازات التي يحصل عليها من بقائه وهو في سدة القيادة، والقيادى الناجح فى هذه المرحلة الدقيقة من عمر مصر لابد أن يتميز بالذكاء والمعرفة والدراية والوعى الكافى بالنواحى الإدارية والسياسية والاقتصادية، والقيادي العبقري هو من يستطيع بما يملك من قدرات لم تتوفر لسواه أن يحول المنحن إلي منح لكل من يقع تحت مسئوليته. وعلي الرغم من الحاجة الماسة لإختيار القيادات العبقرية لكافة المؤسسات المصرية بمعايير متشددة لإفراز افضل الكفاءات التي تكون لديها القدرة علي وضع حلول غير تقليدية لمشاكل مزمنة، وزادت هذه الحاجة لمثل هذه القيادات بعد الثورة ولكن لشديد الأسف والأسي كأن ثورة لم تقم وكأن أرواحا لم تزهق ودماءَا لم تٌرق، وابناء لم ييتموا وامهات لم يثكلن وزوجات لم يرملن، فالمعايير كما هي إن لم تزدد سوءا والمحسوبية كما هي إن لم تزد تردي وتغول، كنا جميعا نحلم بالثورة التي تثور علي بالي الموروث من إختيار أهل الثقة أو العشيرة دون النظر في أي من معايير الإختيار الصحيحة التي علي إثرها تٌبني المؤسسات ومن ثم يٌبني الوطن الذي يتوق شوقا لإستنشاق نسائم الحرية وعبير التقدم واللحاق بركب الامم المحترمة، ولكن الحلم الوردي لشباب الثورة النقي ذهب سدي أمام شبق السلطة لدي البعض والفساد المتأصل في جينات المتسلطين والمتنطعين من ذوي مركبات النقص التي يبحثون عن إستكمالها علي حساب الغلابة والمستضعفين والمغيبين أيضا. وجري العرف في بلدي - قبل الثورة وأثنائها وبعدها- أن من يصل إلي رئاسة أي مؤسسة يضرب بمعايير إختيار المساعدين والمدراء عرض الحائط ويشرع في إختيارهم من اهله واصدقائه وعشيرته والبرتيتا دون أدني خجل أو خشية من الله في سوء إختياره وينطبق هذا العرف البغيض علي كافة المؤسسات بدءا من مؤسسة الرئاسة مرورا بالوزارة وصولا لمعاوني الخدمة في الوحدة المحلية بقرية ميت غريطة، وللامانة اسجل انه إذا اردنا لهذا البلد أن ينهض من سباته ويعبر من الوضع الحالي لابد أن نتخلص من هذه الامراض المزمنة ويتم إختيار القيادات وفق المعايير المتعارف عليها والتي يمكن بهذه الإختيارات ان نصلح من الاوضاع المتردية التي لا تخفي علي أحد. وللحديث بقية إن كان في العمر بقية
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.