كان الداعية الدكتور صفوت حجازي صادقا في نصيحته للحكومة في ندوة نقابة الصحفيين مؤخرا بأن تحتضن القنوات الإسلامية حتى لا تدفعها للخروج خارج مصر دون التقيد بآي ضوابط، حيث أورد المثل العامي (ابنك في حجرك فلا تتركه يذهب إلى حجر غيرك). لكن الحكومة المرتبكة هذه الأيام في أسعار " القوطة" والاستعداد لانتخابات مجلس الشعب لا تسمع هكذا نصائح، لأنها ببساطة لا تفهم سوى لغة الضغط، والضغط في هذه الحالة ميسور جدا للقنوات الإسلامية، حيث أن الأقمار الصناعية الآن متعددة ومتنافسة، وكلها ترحب بهذه القنوات بغض النظر عن هويتها الدينية، المهم أنها ستدفع إيجارا سنويا ثابتا وستملأ فراغا على تلك الأقمار. ما يجعل الضغط أكثر تأثيرا هو وجود أقمار صناعية أوربية تبث على المدار ذاته الذي يبث عبره" النايل سات"و" العرب سات" ما يعني أن المشاهدين ليسو بحاجة لشراء أطباق جديدة لتلك الأقمار، بل إنهم سيتمكنون من التقاط القنوات الدينية عبر تلك الأقمار الأوربية. ويبدو أن الخوف من هذا النزوح الجماعي للقنوات الإسلامية إلى الأقمار الأوربية هو الذي دفع إدارة قمر النايل سات للموافقة على عودة قناة الرحمة لصاحبها الشيخ محمد حسان عبر اسم جديد هو" الروضة" ولكن بكامل طاقمها السابق. وقد تلقى المسئولون عن القنوات الإسلامية تطمينات من الحكومة بأن أزمة القنوات ستنتهي عقب انتهاء انتخابات مجلس الشعب، حيث ستعود القنوات للبث مجددا، ولكن وفق الضوابط الجديدة التي طلبتها سلطات المنطقة الحرة في مدينة الإنتاج الإعلامي. وبمناسبة الحديث عن الضوابط الجديدة التي تشترط تنوع البرامج بين اجتماعية واقتصادية وترفيهية ودينية الخ، وتنوع المذيعين والمقدمين بين الرجال والنساء، فإن من الممكن القول بكل ثقة" رب ضارة نافعة"، فقد سجلت تلك القنوات حضورا كبيرا، متقدمة على غيرها من القنوات خلال الفترة الماضية، لكنها من وجهة نظري لم ترق لتقديم بديل إسلامي عصري للقنوات الفضائية العادية، بل " استسهلت" جذب جمهور البسطاء ، وكذا اجتذبت القطاع الأكبر من السيدات خاصة ربات البيوت، لكنها في ظني لم تستطع إقناع النخب المثقفة والطبقة الوسطى التي هي دائما رمانة الميزان في أي مجتمع، ومن هنا فإن فرض التنوع بقرار حكومي قد يحقق لها الوصول إلى هذه الفئات التي لم تصل إليها من قبل حتى وإن فقدت بعضا من جمهورها الأكثر بساطة. ليس هناك مشكلة دينية في تنويع المنتج الذي تقدمه القنوات الإسلامية، فمن الممكن بث أفلام ومسلسلات تدعو للفضيلة وتعزز القيم الإسلامية في المجتمع، دون المس بثوابت الدين ولا بالمظاهر الإسلامية، وهذا النوع من المسلسلات والأفلام أصبح موجودا مع تعدد وتنافس شركات الإنتاج، كما يمكن لهذه القنوات تقديم برامج اجتماعية، واقتصادية وترفيهية برؤية إسلامية تشتبك مع مشكلات الواقع وتقدم لها الحلول المناسبة، لكن المشكلة الرئيسية أمام هذا الأمر تبقى مالية بالأساس فشراء هذه المسلسلات والأفلام وتقديم تلك البرامج يتطلب مزيدا من النفقات التي لا تحتملها ميزانيات تلك القنوات في الوقت الحالي، ومن هنا يأتي الدور على رجال الأعمال المؤمنين برسالة تلك القنوات لدعمها إعلانيا حتى تتمكن من تنويع منتجها والوصول إلى الفئات الأكثر تأثيرا في المجتمع، كما أن على مسئولي تلك القنوات الاجتهاد والإبداع في تقديم برامج منوعة بضيوف متخصصين، وعلى هؤلاء الضيوف أن لا ينتظروا مقابلا لمشاركتهم في تلك البرامج، بل اعتبارها حسبة لله..