ستظل إشكالية الدين والسياسة.. الدين والدولة ...الدين والسلطة من الإشكاليات المركبة المحملة بإرث تاريخي طويل من الصراعات التى قل فيها ما لله من حقوق و كثر فيها ما للنفس حظوظ. وإذا كانت أوروبا المسيحية قدمت نموذجا دمويا كريها لهذه الإشكالية الى الحد الذي دعا أحد مفكريهم يقول إذا كان الدين المسيحي يحمل بذوركل هذا العداء أوليس من الأفضل أن نعود للوثنية(خطابات عن ضروب البؤس فى زماننا لبيار دى رونسار1562م)مما دعاها إلى الفصل الكامل الذى أسس لعلاقة نهائيه بين الدين والدولة محمله بكل ألوان الكراهية و النفور..وهو الأمر الذي أسس لفلسفات جديدة تؤصل لفكره الفرد والمجتمع والدولة في الغياب التام للدين . فى التاريخ الاسلامى لم نشهد هذه الإشكالية طيلة فتره الحكم الراشدى ..فالدولة فى الأساس لم تقم لها قيامه إلا بالدين وهو ما جعل أبوبكر وعمررضى الله عنهما يؤسسا لعلاقة واضحة بين كل مكونات الكيان الجديد بعد انتقل الرسول و انقطع خبر السماء ..وهى العلاقة التى تقوم على( وليت عليكم ولست بخيركم فمن رأى منى اعوجاجا فليقومه)..فالحاكم يؤكد انه بشر لا قداسة له واحتمال خطأه وارد .ويؤكد _وهذا هام_ على ضرورة الاستعداد لتقويمه ..اى تذكيرة وتنبيهه ومراقبته. تطور الأمرعلى نحو أخر..بعد أن رفع معاوية رضي الله عنه المصاحف فى وجه الإمام على كرم الله وجهه فى صفين..ولو تخيلنا المسالة على نحو أخر لتوقعنا رفع المصاحف من الإمام على (بوابة مدينه العلم )كما وصفه الرسول الكريم ..وهو الأمر الذي استغربه الإمام علىوحذر اصحابه منه..وبتجريد الرؤية نجد انه من الصعوبة فهم علاقة المصحف بخلاف بين فئتين على أمر يتعلق بنزاع على الدولة. ومن يومها واستمر الأمر على التداخل الذى يتجه إلى تحقيق مصلحه تتعلق بحيازة الدنيا لا بإقامة الدين .فكما حسمت صفين برفع المصاحف.. تثبت الحكم الاموى بتعميم دعاء(اللهم لاما نع لما أعطيت ولا معطى لما منعت)على كل المساجد فى كل الأمصا..بالطبع كانت هناك أشياء أخرى على رأسها(المال والأعوان ). إن يكن من أمر فقد أثبتت لنا تجارب التاريخ الانسانى الطويل أن الوجود المباشر للدين في السلطة غيرمفيد للدين ومفسد للسلطة..فكل ما تنطق به السلطة هو اجتهاد بشرى لا قداسة فيه قابل للمعارضة والرفض والتصويب و المحاسبة.ويجب ان يظل كذلك..والدين متمم المكارم يراقب المسألة من بعيد لبعيد..ويقول رأيه ناصحا ومرشدا وهاديا ودليلا . سأحكى لكم على تجربه يبدو أنها استلهمت هذا المعنى..هذة التجربة حدثت فى عهد المأمون الخليفة العباسى الذى تشكلت حوله جماعة من المفكرين استحسن عقولهم وأدائهم ..فعرض على كبيرهم الوزارة (ثمامة بن أشرس) فرفض وفضل أن يكون هو ومجموعته خارج الحكم ..وشرح له فكرته فاستحسنها المأمون ..وهى الفكرة التى تقوم على تكوين طليعة مثقفة تراقب أداء أجهزة الدولة ولا تنغمس مباشرة فى تعقيدات الحكم ..فكرة ذهبيه .. تكاد تمثل حلا رائعا لموضوع الدعوى والسياسي ..الذي شغل ولا يزال أذهان كثيرين من أبناء الأمة المخلصين .. فإذا كانت هناك عبرفي تجربه الحركة الإسلامية على مدار قرن مضى فأهم تلك العبرعلى الإطلاق هى عبرة الاصطدام بالحكومات..والدخول المباشرمعها فى مواجهه تتعلق بالسلطة.. كان من الممكن أن تتحول الحركة الإسلامية إلى تلك الطليعة التي تراقب من بعيد لبعيد ..محتفظة لنفسها بعلاقة جيده مع السلطة بما يمكنها من قول النصيحة الخالصة المصفاة من كل شوائب الغرض والمنافسة وبعلاقة متينة مع المجتمع بما يمكنها من الحركة الهادفة إلى تعميم مكارم الأخلاق(التي بعث الرسول الكريم لتتميمها) وهو الجهد الذي ينتج (رجال المكارم) الذين ينطلقون فى رحاب المجتمع و الدولة يمارسون الأعمال التنفيذية فى السياسة والحكم و الإدارة وهم محصنون بالفهم الاسلامى الشامل وبأخلاق الإسلام الصلبه..وتستمر المسألة دواليك .. الحركة الإسلامية تنتج الرجال ...الذين بدورهم يدخلون دولاب الحكم والإدارة ..ثم ان الحركة الإسلامية لا تكف عن القيام بدور الضمير المراقب لتفاعلات الحياة على مستوى السلطة و الدولة و المجتمع والناس ولديها من رصيد الثقة والتعفف والتنزة ما يجعل لها صوتا مسموعا فى كل الأذان . هذه الفكرة التى ترجع للمفكر الكبير(ثمامة بن أشرس) لم تأخذ حظها الكافى من الفهم والدراسة والتطبيق.ولعلها أهملت لأن صاحبها معتزلي أو لأنها لم تخل من بعض الشوائب..مثل استغلال السلطة فى فرض الفكر والرأي .. وقد كان الافغانى رحمه الله ببصيرته النافذة إلى الباطن العميق لتاريخ الفكرو الحياة عند المسلمين الى جانب أفقه الواسع فى رؤية البشر وعاداتهم ..كان الافغانى مؤهلا بجدارة للقيام بهذا الدور ولو انه ركزطاقته فى التعبير الفكرى عن الإسلام كنظام للاعتقاد والسلوك الإنسانيين لاختلفت الأمور تماما .. ومما اميل كثيرا لاعتقادة هو أن الأستاذ البنا كان سيعدل من مسار الحركة للسيرفى هذا الاتجاه .. لولا الاغتيال ثم الاصطدام بالسلطة الذي بقيت أثارة حتى كتابة هذا المقال .. لكن الفكره تبقى فى ذاتها وجيهة وتمثل فكا لاشتباك زادت تعقيداته ومرشح لمزيد التعقيد ...ومن الممكن أن يتناولها العقل بالتعديل بمرور الزمن وتغير الظروف . نقطة أخرى تلامس الموضوع من أحد جوانبه وهى تتعلق بالحوارالراقي الذى داربين الشيخين الجليلين د عبد الرحمن البر والنابه الواعد عصام تليمه ..وقد استفدت منه كثيرا..وخليق بحوار بينهما أن يكون ثريا ومفيدا . غير أنى لى تساؤل بسيط يتعلق بجملة(رؤية شرعيه)..وهى التى قيلت بصدد الانتخابات البرلمانية 2010م .. لماذا ألحق الدكتورعبد الرحمن(الشرع) برؤيته ..؟؟ لماذا لا يترك الأمر فى نطاق قائله كونه أستاذا جامعيا أو مثقف أو سياسي أو عضو مكتب إرشاد ؟ ويعضد رأيه كما يشاء بفهمه للقران والسنة وأحداث التاريخ .. لكنها فى النهاية تبقى رؤية (إنسان) لماذا إذن وصفها (بالشرعية ). الأصل فى كل شيء انه مباح وحلال(آيات القران المتعلقة بالمعاملات 128 أية من 6000اية)..ليس مطلوبا منا كمسلمين وجهنا وجهنا للذى فطر السماوات والأرض حنفاء..أن نلاحق كل صغيرة وكبيرة وشاردة وواردة(بالرؤى الشرعية)..ما حرمه الله علينا معدود (قل تعالوا اتل ما حرم ربكم عليكم ...)وغيرما ورد فى الآية لم يحرم .. الخوف من ذلك أن تضاف تلك الآراء الموصوفة(بالشرعية) إلى الشريعة فينسحب عليها بمرور الأيام حكم القداسة التي هي لوحي الله لا لأي جهد بشرى مع الأهمية الكبرى لتلك الآراء فى منهجيتها ومنطقها وتجاوبها مع المتغيرات.. هل تذكرون انه بعد اختراع المطبعة خرج علينا علماء الخلافة العثمانية(برؤية شرعية)لطباعة المصحف..بعد تردد وتأخرغريبين على العقلية الإسلامية. يرشدنا العلماء انه إذا وقع ماء على احدنا ألا نسأل هل هو طاهر أم غير ذلك ..ونفترض انه طاهر..فتسير الحياة على هذا المنوال السهل اليسير الخفيف الخالي من الحرج وألغام التحريم. اعتقد ان هذه الطريقة فى تعامل الإسلاميين مع مكونات الحياة هي من رواسب فترة السبعينات.. التى كان الالتزام فيها (مليء) بالملاحقات و الأسئلة... ما موقف الشرع من...؟ لعلنا نعلم أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسألوا إلا عن اثني عشر مسألة !!.