نظمت القوات المسلحة صباح أمس احتفالا رائعا، احياءا لذكرى نصر (أكتوبر رمضان) العظيم.. والاحتفال بلا مبالغة كان أسطوريا، ولأول مرة أشعر بأن الجيش أراد أن يبرق عدة رسائل من سيناء المحررة حيث أقيم الاحتفال منها لأول مرة. الجيش قدم أمام الرئيس مبارك عرضا حيا لعملية عبور قناة السويس واختراق الساتر الترابي واقتحام نقطة حصينة للعدو، شاركت فيه جميع وحدات القوات المسلحة، ولا يمكن أن نفصل بين هذا العرض وبين خلفيته التي استدعت أجواء حرب أكتوبر من حيث الأغاني والروح وأداء التحية العسكرية من قائد القوات الجوية في ذلك الوقت الفريق محمد حسني مبارك للقائد الأعلى للقوات المسلحة الرئيس الراحل محمد أنور السادات رحمه الله تعالى. فإذا كان الاحتفال على هذا النحو، واختيار مكانه في سيناء وفي منطقة لا تبعد كثيرا عن حدود مصر مع فلسطينالمحتلة ،يتضمن رسالة واضحة للكيان الصهيوني لا يمكن أن تخطئها عين المراقب.. فإن الرسالة الأهم كانت داخلية بامتياز.. إذا بدا هذا الاحتفال "الأسطوري" وكأنه إعلان بانحياز المؤسسة الوطنية المفصلية في مصر ل"الشرعية".. وللرئيس مبارك باعتباره الرئيس الشرعي فضلا عن رمزيته النضالية كضابط مقاتل بالجيش يعبر عن "الشرعية الثورية" التي انتزعتها بحق القوات المسلحة في ثورة يوليو عام 1952 واعطتها شرعية الحكم منذ ذلك الوقت وإلى الآن. الرسالة التي أُبرقت من سيناء كانت بحسب تقديري جلية الفحوى والمحتوي، مفادها أن الجيش الذي أنهى الملكية منذ ما يزيد عن نصف قرن، لن يسمح أبدا بأي شكل من أشكال التحايل عليها .. وأن النظام الجمهوري سيظل محتفظا بنقائه وجيناته كما تأسس أول مرة في منتصف القرن الماضي. احتفالية هذا العام بنصر أكتوبر العظيم، ليست ككل مرة، لا من حيث المكان والحضور وطبيعة العرض وتوهجه وتألقه.. وبدا لي بعدما شهدت الحضور على المنصة وكأن الرئيس مبارك، شاء أن يعتبرها رسالة اطمئنان للرأي العام القلق الآن بسبب جدل الخلافة في مصر.. رسالة اظن انها قد تضع حدا للمخاوف من أن يأتي إلى الحكم من بعده ، حاكم "جاهز" أو "مُعلب" لا يتمتع بمواصفات رجل الدولة أو على الأقل يكون أقصر قامة بكثير من زعماء مصر الأقوياء : نجيب وناصر والسادات ومبارك الذين تعاقبوا على حكم البلد من منذ حركة يوليو.. قد يستفز الرأي العام ومؤسسات القوة ويضع مؤسسسة الحكم ذاتها والبلد كلها كذلك في أزمة شرعية وقلاقل واضطرابات مكتومة قد تنفجر في أية لحظة. احتفالية أمس.. صحيح أنها كانت احياءا لذكرى أهم وأكبر انتصار عسكري عربي على العدو الصهيوني منذ اغتصابه الأراضي الفلسطينية في الاربعينيات.. ولكنه أيضا بحسب تقديري كان اعلانا عن انتصار "الجمهوريين" في مصر . [email protected]