في حادث الشغب الجماعي الذي وقع بين جمهوري الزمالك والأهلي ودارت المعركة في شوارع الزمالك القريبة من النادي الأهلي فإن جمهور الشغب قام بمصادرة مجموعة طلبات الطعام التي كان يحملها أحد الشباب علي " موتوسيكل " لتوصيلها إلي أصحابها..! ووقف الشاب يبكي ويستعطف المشاغبين أن يتوقفوا عن إيذائه ولم يجد ما يقوله لهم إلا بعبارة " ليه كده.. دا أنا منكم ", وأثارت العبارة نخوة أحد المشاغبين فربت علي كتفه قائلا " خلاص.. ما تخافش ".. والعبارة بالغة الخطورة والدلالة وهي تحمل الكثير من المعاني التي تثير الرعب والخوف، فهي تعني أن مشاعر الغضب قد تنفجر ضد القادرين والأغنياء بلا تردد أو رحمة وأن هناك تعاطف بين الفقراء وتحالفا غير معلن حول هدف واحد سيتم تحقيقه في الوقت المناسب، وهو هدف موجه إلى من يملكون ومن لديهم ما يخافون عليه..! لذلك لم يكن غريبا أن تتحطم سيارات من لا ذنب لهم في الشوارع، وأن تتعرض المنازل للهجوم وأن يشعر الحي الراقي أن الخطر علي الأبواب وأن أي شرارة يمكن أن تشعل النيران التي قد تحرق الجميع. وهي مشاعر تعبر وتعكس ما حذرنا مرارا وتكرارا من وقوعه، وما كنا نتحدث عنه من أن خروج الجماهير إلي الشوارع بأي دعاوى أو مبررات، لن يعني إلا الفوضى التي لن تكون أبدا بناءة ولن نحصد من وراء ذلك إلا غضبا عارما سوف يجتاح الجميع ليدمر ويحرق في طريقة الأخضر واليابس. ونحمد الله أن في حادث العنف الذي جرت أحداثه في حي الزمالك أن أحدا لم يلق مصرعه في هذه الأحداث، وأن حراس السفارات الأجنبية الموجودة بالمنطقة لم يوجهوا رصاص بنادقهم تجاه المشاغبين الذين أحاطوا بهم من كل جانب، فلو كان هناك ضحايا قد سقطوا في هذه الأحداث لكانت الإشاعات والأقاويل قد بالغت في تقدير أعدادهم، ولكان وأد هذه الأحداث ومنع انتشارها وتفاقمها أمرا مستحيلا.. ومما يزيد من شعورنا بالخوف والقلق أن الشارع أصبح له قادة جدد من البلطجيه والفتوات والمهيجين ممن يقدرون علي تحريك جموع من البشر في أوقات قياسية، وقيادتهم في شكل من أشكال حرب العصابات والتنظيمات المدربة للقضاء علي العدو..! فالذين استطاعوا في غضون دقائق معدودة تجميع كتائب جمهور الأهلي للانضمام إليه والسير في غزوة مسلحة في اتجاه نادي الزمالك لتدمير منشأته وتأديب أعضاءه ردا وانتقاما لما حدث من هجوم جماهير الزمالك علي النادي الأهلي أثبتوا بقدرتهم التنظيمية وتحركهم السريع المباغت أن الشارع يمكن توجيهه وتسييره وتحريكه بعد رسائل علي " الموبايل " وعدة اتصالات هاتفية بعدد من المقاهي حيث تواعد التجمع والانطلاق وحيث يمكن المبادرة بالضربة الأولي قبل أن تتمكن أجهزة الأمن من رصد تحركاتهم وإيقاف وإفساد مخططاتهم. ولهذا كنا نقول دائما ونؤكد أن المنظومة الأمنية في الشارع في حاجة إلي تفعيل وتغيير في الأساليب والفكر، دون انتظار لوقوع الحدث والجريمة، فلا قيمة لوجود الأمن بعد تدمير السيارات وإصابة الأبرياء، ولا قيمة لأي حديث عن الانضباط والاستقرار والأمن والأمان إذا كان الشارع يمكن أن ينفجر في أي لحظة لأي سبب وبأي شرارة..! إننا نقول أن الشارع أصبح معبأ ومهيئا لأي تحرك عنيف ومدمر، فالنفوس مشحونة بخلافات وتصعيدات طائفية وحديث متزايد يحمل تعصبا دينيا من نوع جديد، ويعكس في داخلة أحكاما وعنفا لا علاقة له بالدين والغيرة عليه، والدولة في حالة من الترقب والانتظار تتأخر كثيرا في إصدار القرارات وحل المشكلات بما يجعل الشارع هو المكان المفضل لدي البعض لإثارة مشكلاتهم والتعبير عنها، والحالة الاقتصادية تجعل النفوس مشحونة بكل أنواع الغضب، والإعلام يغذي ذلك كل بكتابات وأخبار أصبح فيها من التحريض أكثر مما فيها من الفهم والوعي والإدراك.. ، وحتى القضاء لم يسلم من تأثيرات هذه الحالة الضبابية، ولم يستوعب أبعاد بعض قراراته وانعكاساتها علي الجوانب الاقتصادية والاجتماعية وما يمكن أن يكون لها من أبعاد ومدلولات سلبية، فأكتفي بأحكام قانونية دون مراعاة البعد الوطني بكافة جوانب. أن حادث الزمالك برغم قسوته وخطورته فإنه يمثل بروفة مسطرة لما يكن أن يكون أخطر وأكثر ضررا، والمهم أن نستوعب ما حدث وأن نستعد جيدا لما هو آت..! [email protected]