هل هي خطوة التصعيد الأخيرة أم خطوة أخرى فان دلائلها متحدة في ذات البعد والهدف الذي تزحف له وهو الحرب الأهلية التي طغت صورتها ومدافعها بعد المشهد الذي أعقب اقتحام المطار من مفرزة عسكرية لحزب الله مع عمل استعراضي مؤكّد طوّق المداخل وشكّل متراس للواء جميل السيد دون أي وجود لجندي واحد ليسلم مذكرة الاستدعاء فضلا عن التوقيف فيما كان جنود المطار المعتادين يقفون منزوعي السلطة والشخصية الاعتبارية الوطنية للأمن اللبناني وهم يشاهدون التنفيذ وهو الإسقاط الأكبر لمقدمات الحرب الأهلية على المشهد البيروتي وبذات الذاكرة التي يعيشها اللبنانيين ويفزعون من استدعاء قصتها . الغريب أن النائب عن حزب الله في البرلمان اللبناني حسن فضل الله صرح أو هدد في ذات العملية بان لبنان سيشهد فتنة لم يشهدها من قبل وهنا لا توجد ترجمة أخرى لمصطلح فتنة اكبر من ما شهده لبنان إلا الحرب الأهلية التي كانت مقدمة لاجتياح وتغوّل إسرائيل في الأرض والشأن اللبناني , ورغم أنّ حزب الله لا يزال يعيش مفاجئة المواجهة العسكرية مع اقرب حليف سُنّي له وهو جمعية المشاريع الذراع المدني لطريقة الشيخ الهروي الصوفية المقربة من دمشق وما أظهرته المواجهة من آثار التعبئة التي يعيشها كل سنة لبنان من خطابات واستفزازات حزب الله , وقد حذرنا في حينه من خطورة أن ينزلق الحزب باستدراج إسرائيلي امني خاصة بعد ثبوت علاقة العميد كرم بجهاز المخابرات الإسرائيلية وان علاقته ممتدة مع تل ابيب منذ أن كان الجنرال عون في فرنسا , إلا أنّ الحزب يتقدم نحو الفتنة بصورة متزايدة , وهو ما يطرح تساؤل أولي في سياق رسالة النائب فضل الله ...لماذا لا يكون مقصود الحزب هو رفع سقف المطالب وتنفيذ تكتيك منسّق مع دمشق لإلغاء المحكمة الدولية . والحقيقة أنّ الإجابة على هذا التساؤل يأتي من تأمل الساحة اللبنانية الداخلية وتطورات المشهد الإقليمي وان هذا النوع من الاندفاع أكان قرارا استراتيجيا من رعاة الحزب في دمشقوطهران بالذات التي قد يختلف قياسها للأمور عن الشام , أو كان توافقا عاما أن يتقدم الحزب لمقدمات هذه الحرب خاصة بعد أن هدد أهالي بيروت بسبعين أيار حتى تنهار كامل الممانعة أمامه ويتشكل من حصيلة الفوضى نظام سياسي موالي لدمشق يُنجز مشهد لبنان الجديد بعد العودة لأنصارها وتصدع مرحلة المستقبل وحلفائه الضعيف ذاتيا بحكم انه لا يملك قوة ردع عسكرية ودفاعية وهي الذراع الوحيدة التي تفرض التوازن العملي في لبنان . غير أنّ احتمال مباركة دمشق لهذه الخطوة مستبعد لأنّها لا تزال في موقع حصد عودة هذا التوازن التدريجي لمصالحها فضلا عن الحد الأدنى من الالتزام السياسي والأدبي الذي أعطته دمشق للرياض وللدوحة والسبب الأهم ربما يعود إلى أنّ طبيعة السوريين تدرك أنّ هذا الحراك التفجيري قد يحر ق المراحل ويؤتي بنتائج لا تستطيع السيطرة عليها وبالتالي لا تفضل هذا الاندفاع المتهور من الحزب , ولذلك فان الأنظار عمليا تتجه لطهران بحكم اضطراب الملف الداخلي لديها وقضية المعارضة السياسية المتصاعدة واحتجاجات الأقاليم بالتزامن مع أجواء صراع بارد في الملف النووي يواكبه قلق شديد من عودة طالبان وعدم ضمان ثبات الوضع العراقي . كل ذلك يجعل تحريك طهران نحو قواعد التفجير في المنطقة بين البحرين ولبنان يدخل في هذا السياق الذي جربته وهو إشعال الإقليم مقابل تقدم مشروع الصفقة أو تعويض خسائرها , أمام ذلك يشكل قلق طهران من عدم الإفادة من الزخم الإعلامي والسياسي الذي صُنع لحزب الله خلال الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان بصناعة مشروع النفوذ الطائفي والتوازنات التي تحدث عنها الرئيس بري باسم المحاصة الطائفية وان التأخر في استثمار ذلك البعد بعد تأكد تراجع حزب الله إلى أداة تقاسم وصراع طائفي أكثر منه مقاومة وبالتالي فرض حصته على الأرض طائفيا وهو ما تخشى طهران وحزب الله وحركة أمل من فوات فرصه خاصة مع القلق من تغيرات المنطقة وبالتالي لا بد من التحرك في هذا الاتجاه ولو بدا لعباً بالنّار لكن من الواضح أن حزب الله لديه عقيدة سواءً سُميّت غرورا أو ثقة كبيرة بقدرته على تصفية النفوذ أو الوجود السني العائق أمام حصيلته السياسية الكبيرة التي يسعى لها ...فهو رهان خطير يحرق لبنان لكنه في ذات الوقت قد يحمل مفاجئات كبرى لم يحسب لها الحزب حساب ويدرك بعد فوات الأوان أن الحرب التي كان يُحذّر منها دحرجته تل أبيب في أشنع منها واستخدمته كما استخدمت أشقائه في العراق فقط تغير المصطلح من ميليشا إلى مقاومة والراية والقرار في قبضة إيران .