عوّاد: رفع علم مصر في مواقع إسرائيل عام 69 وبقي مرتفعًا حتى حرب أكتوبر.. لن نرجع من الشوارع حتى تعود الديمقراطية.. والصمود يقرّب من إنهاء الأزمة قناوى: شربت ماء الندى.. وتجمدت يدي فوق جبل عتاقة سرحان: عيد السويس هو اليوم الذي فصلنا فيه رأس قائدي الدبابات عن أجسادهم الشهيد إبراهيم سليمان أوصى للشيخ حافظ بدفنه فوجده بعد 90 يومًا يبتسم وأسنانه بيضاء تزينت مدينة السويس فرحًا واحتفالًا باليوم الذى خرج فيه الإسرائيليون من المحافظة، ذلك اليوم، الذى وقف فيه الفدائيون ضد العدو الغاشم، واستطاع فيه أبناء السويس استخراج شهادة ميلاد جديدة لهم ولنا جميعًا، وكتبوا تاريخًا جديدًا بدمائهم. قبل خمسة وأربعين عامًا، بالتحديد عام 1968، تكونت منظمة سيناء العربية، التى ضمت الكثير من المدنيين، الذين أرادوا الدفاع عن وطنهم ومساعدة القوات العسكرية بأى طريقة، وكانت تضم فدائيين من مدن القناة: "الإسماعيلية وبور سعيد والسويس". بحثت "المصريون" عن الفدائيين، الذين كونوا هذه المنظمة، لتعرف منهم ما فعلوه من أجل مصر، ومن أجلنا جميعًا، واستطاعت لقاء أربعة فدائيين، من الذين كان لهم دور كبير فى صد العدو الإسرائيلي، ليتذكروا حكايات عن هذه الأيام. فى البداية، سحب بساط المناقشة الفدائى «محمود عواد» قائد مجموعة الفدائيين فى ذلك الوقت، وكان عمره آنذاك 27عامًا، أما الآن فهو على المعاش، ولكن قلبه مازال ينبض بالوطنية والإيمان بالله، ليحكى دوره فى إحدى العمليات، والتى سماها المصريون عملية «وضح النهار»، وكيف قرر قادة المخابرات القيام بهذه العملية، فى الساعة السابعة صباحًا بسبب إنكار الإسرائيليين باستمرار للعمليات الليلية، التى كانوا يقومون بها أمام الرأى العام العالمى. قال عواد: كان لى الشرف أن أرفع علم مصر، لأول مرة على أرض سيناء يوم 5 نوفمبر 1969 (وهو يوم تنفيذ العملية)، وظل هذا العلم مرفوعًا حتى يوم 6 أكتوبر 73.. يوم العبور ويتذكر الفدائى محمود يوم وضح النهار قائلًا: اختارت المخابرات المصرية مكانًا معينًا، على الضفة الأخرى للقناة، لانهيار الروح المعنوية لدى الجنود المصريين، حيث كانوا يتعرضون لغارات جوية رهيبة، لقربهم من موقع إسرائيلى حصين يضربهم بالمدفعية، بالإضافة لتسليط أصوات ليلية، توحى بأن هناك دبابات وسيارات ومدرعات تتحرك، فيستعد الجميع وكأن هناك هجومًا بالفعل. وعن الأحداث الجارية أكد البطل محمود عواد قائد الفدائيين أن الوضع الحالى الذي تعيشه البلاد بعد أحداث 3 يونيه يؤكد عودة حكم العسكر للبلاد بشكل قوي، وأن ما حدث فى ميدان النهضة وميدان رابعة ورمسيس ما هو إلا مجزرة بشرية. واستنكر ما فعلته قوات الجيش تجاه المعتصمين أمام دار الحرس الجمهوري وفى كل الميادين السلمية، مضيفًا إما أن نعيش أحرارًا أو نستشهد. وخاطب المسئولين بالجيش "اتقوا الله الذي سيحاسبكم ثم تردون إليه في آخرتكم". وأشار إلى أن الشباب نزل فى الشوارع والميادين والصمود القوي حتى الآن يقرب إنهاء الأزمة الحالية فى أقرب وقت، وأن المتواجدين ليسوا إخوانًا فقط، والشارع المصري كله يعرف انتماءاتهم السياسية.
أما الفدائى عبد المنعم قناوى -(22 سنة) وقت العمليات، (58 سنة حاليًا)، وأحد أعضاء منظمة سيناء-، الذى كلف بعمليات استطلاع فوق سلسلة جبال عتاقة خلف خطوط العدو، فكان سببًا فى إنقاذ الجيش الثالث الميدانى بأكمله من دمار محقق، وقت 6 أكتوبر، فهل تتخيلون معى أن يبقى هذا الرجل فى دروب الجبل مائة يوم، فى ظروف وعرة، منها أنه كان معه وعاء ماء واحد، وجهاز لا سلكى لا يمكن أن يستخدم فى كل وقت، بسبب مرور طائرات العدو، التى كان يمكنها العثور عليه، وبعد عدة أيام نفدت "زمزمية" الماء، ولم يبق أمامه إلا الندى وقت الفجر.. بالإضافة إلى وجوده فى إحدى الحفر ببطانية خفيفة، لا تمنع البرد القارس عنه، حتى إن أصابعه كانت تتجمد مرات عديدة. ولم يتمالك الفدائى محمد سرحان (71 سنة) نفسه، وهو يروى قصة أصعب أربعة أيام فى تاريخ السويس، فكانت دموعه تغلبه كثيرًا، حينما يتذكر زملاءه الشهداء، فبعد عبور يوم 6 أكتوبر وأثناء المعارك فى 1973، حدثت معركة الثغرة فى منطقة الدفرسوار على بعد 17 كيلو - جنوبالإسماعيلية، فكان العدو يتجه شمالًا نحو الإسماعيلية، وهناك كانت فى انتظارهم مجموعة الشهيد إبراهيم الرفاعى، وتصدى لهم بالقتال، فارتدت هذه القوات إلى الدفرسوار مرة أخرى، وطورت هجومها باتجاهها جنوبًا، محاولة احتلال السويس، وكان ذلك يوم 24 أكتوبر 1973، ولم يكن أهل السويس يعرفون هذه التفاصيل، ولكنهم كانوا يفاجأون بجنود يأتون هاربين قبل هذا اليوم، ويقولون لهم إن اليهود قادمون. وفى مساء يوم 13أكتوبر ذهب الفدائيون للصلاة، فى مسجد الشهداء، وفى صباح يوم 24 قصفت طائرات العدو السويس كلها، وتلا ذلك دخول الدبابات، وعرف أهل السويس أن هناك أكثر من 300 دبابة تحاصر المدينة، وهم لا يملكون أسلحة كافية مضادة للدبابات، وكان الفدائى (سرحان) هو حامل طلقات المدفع ال (RBJ)، المضاد للدبابات، والرامى هو الفدائى الشهيد(أحمد العطيفى)، وكانت الدبابات تدخل فى موجات متلاحقة، عشر تتلوها عشر أخرى، وما إن صوب العطيفى مدفعه نحو الدبابة، حتى أصابت قائد الدبابة، الذى كان يخرج رأسه من باب الدبابة، فى غطرسة شديدة، فانفصلت رأسه عن جسده، الذى سقط داخل الدبابة، فشاهد زملاؤه هذا المنظر، فصرخوا مرعوبين، ومنذ هذا اليوم أصبح 24 أكتوبر هو العيد القومى للسويس. أما الشهيد إبراهيم محمد سليمان كان موظفًا بشركة السويس لتصنيع البترول وقد انضم إلى المقاومة الشعبية ثم إلى منظمة سيناء الشعبية وقام مع زملائه بعمليه عبور قتلوا فيها الكثير من جنود العدو وأحضر مع زملائه أول أسير إسرائيلي، وهو أول من ضرب وأصاب أول دبابة إسرائيلية بعد حصار السويس بالقرب من قسم الأربعين وكان الشرارة والطلقة الأولى في المعركة، وقد كان من أبطال الجمباز وحاز بطولة الجمهورية. وبعد أن فر جنود العدو إلى مبنى قسم شرطة الأربعين لم يعد أمام أبطال السويس إلا اقتحام القسم، ولكن رصاصة غادرة من قناصة العدو أسقطته شهيدًا فوق سور القسم وبقى جسده معلقًا يومًا كاملًا حتى تمكن الفدائيون من استعادته تحت القصف الشديد. وقد أعطي الشهيد الشيخ حافظ سلامة – قائد المقاومة الشعبية- ظرفًا به راتبه الشهري- وساعة يد ماركه "سيكو"، وأوصى الشيخ إذا هو مات أن يقوم بدفنه بنفسه فى لحد من يده ولكن لم تتيح الفرصة للشيخ حافظ أن يقوم بدفنه نظرًا لانشغاله الشديد بإدارة المعركة ولكن أرادة الله أن يتم نقل جثمان الشهيد إبراهيم سليمان بعد 90يومًا من دفنه من مكانه ليكون داخل سور مقابر الشهداء فوجدوا الجثمان كما هو لم يتحلل أو يتغير بل وجدوا شعر رأسه كأنه ممشط ثم إنه يبتسم وأسنانه بيضاء. وقد تم إنشاء مدرسة بمنطقة فيصل لتحمل اسم الشهيد وكذلك مسجد باسمه في منطقة العوايد بالسويس .