التصريحات التي أدلى بها الأنبا "بيشوي" سكرتير المجمع المقدس والرجل الثاني فعليا في إدارة شؤون الكنيسة المصرية أتت كنموذج تطبيقي برهاني يصدق على كل الأطروحات التي قدمتها صحيفة المصريون طوال الشهر الماضي عن تغلغل الوعي الطائفي في رأس الكنيسة المصرية ، لأن بيشوي لم يكن يطلق كلمات جوفاء طرأت على ذهنه فجأة وإنما كان يعبر عن مناخ عام يعيش فيه ويتمدد حوله مشبع بكل تلك الكراهية والطائفية المقيتة . كان بعض الزملاء الإعلاميين وبعض الأصدقاء الأقباط يعتبون علينا أننا نبالغ في نقد الكنيسة ونزعات التطرف فيها ، وأنه ينبغي أن نفرق بين سلوك بعض أقباط المهجر وبين "الحس الوطني" للكنيسة المصرية وقياداتها ، وكنا نؤكد لهم من جانبنا أن الأمر أخطر مما يتصورون بكثير ، وأن لدينا من المعلومات والتقارير ما يخيف لو تم نشره ، ولكننا من باب الإحساس بالمسؤولية الوطنية فقط نحجم عن نشر أكثره ، وأكدنا لهم أن الهوس الذي ينشر في مواقع أقباط المهجر هو صدى حقيقي ودقيق لأجواء نفسية وفكرية وسوداوية تعيش في خيالات بعض قيادات الكنيسة هنا في مصر ، وأظن أن التصريحات التي صدرت قبل أيام عن الأنبا "بيشوي" أغنتنا عن الكثير من "وجع القلب" ونحن نشرح لهؤلاء الأصدقاء أبعاد الأمر الخطير ، وأتت تصريحاته "شهادة" غير مقصودة طبعا منه لصحيفة المصريون بأنها أصابت "كبد الحقيقة" وهي ترصد تنامي النزعات الطائفية المتطرفة داخل رأس الكنيسة الأرثوذكسية . ثم جاءت التصريحات الخطيرة أيضا ، التي أدلى بها المفكر الكبير الدكتور محمد سليم العوا لقناة الجزيرة تعليقا على الأحداث الطائفية الأخيرة ، شهادة أخرى للمصريون ولكن من زاوية مختلفة ، وشريط العوا متاح الآن على شبكة الانترنت ، وقال فيه العوا ضمن ما قال أن هناك في قيادة الكنيسة المصرية من يريد حرق الوطن كله ، والعوا عندما يقول ذلك فهو يعرف ما يقول بدقة ، وهو الرجل الذي احتفظ طوال عمره بصداقات عميقة مع قيادات كنسية وقبطية عديدة بما فيها البابا شنودة نفسه . غير أن مقصدي من كلام العوا الذي يؤكد دقة ومصداقية المصريون ، تأتي من زاوية التحالف غير الأخلاقي بين كهنة الكنيسة المصرية وكهنة مشروع التوريث الذي كشف عن بعض وقائعه في الحديث ، وتحديدا ما ذكره العوا عن مؤتمر كنسي كبير تمت الدعوة إليه في العام 2005 ، حضره جميع قيادات الكنيسة الأرثوذكسية داخل مصر وخارجها بدعوة مهمة وعاجلة من البابا شنودة نفسه ، والذي حرص على أن يحضر الاجتماع جميع قيادات وممثلي الكنيسة الأرثوذكسية في الحبشة وجنوب أفريقيا وعواصم عالمية أخرى ، بالكامل حضروا ، من أجل مناقشة بند واحد فقط ، وورقة واحدة فقط كانت معروضة على الاجتماع ، وهي إعلان تأييد الكنيسة المصرية رسميا للرئيس مبارك ونجله جمال من بعده ، لرئاسة الجمهورية ووراثة السلطة ، بما يعني أن مخطط الكنيسة لعقد تحالف غير شريف وغير أخلاقي مع مشروع التوريث هو مسألة استراتيجية للكنيسة وخطة منهجية تم الترتيب لها بدقة ، وبالمخالفة لكل اللغة الجميلة والشاعرية عن بعد الكنيسة عن السياسة وحفاظها على مسافات واحدة من جميع القوى السياسية . لم نسمع للبابا شنودة يوما كلمة واحدة دفاعا عن الديمقراطية في مصر أو الحريات العامة أو حق الشعب في الاختيار أو نزاهة الانتخابات ، لم نسمع له يوما صوتا يدافع عن المظلومين أو يشتبك مع هموم الوطن والمواطن ، كان يتمترس دائما هنا بأن الكنيسة لا شأن لها بالسياسة ، فقط سمعناه مرارا وتكرارا يدخل السياسة من أقذر أبوابها ، باب التواطؤ مع مشروع التوريث ، لكي يقول علنا بأنه يدعم جمال مبارك وأنه لا يرى غير جمال مبارك يستحق أن يرث حكم مصر وأن الكنيسة لا تثق إلا في جمال مبارك ، وكأنه يعلن في ذلك مقررات مؤتمر "2005" الذي أشار إليه الدكتور سليم العوا ، لقد جاءت شهادة العوا لتؤكد دقة ومصداقية المصريون عندما أشارت أكثر من مرة إلى الحلف غير المقدس وغير الأخلاقي بين الكنيسة ومشروع التوريث على حساب الوطن وحريته وكرامة شعبه وحريته واستقلاله ، لا يعني البابا شنودة هذا كله ، كل ما يعنيه أن ينتزع مكتسبات طائفية له ولطائفته حتى لو خربت البلد بعد ذلك ، لم يطلب البابا شنودة يوما ما شيئا لمصر الوطن ، وإنما جميع مطالبه كانت للطائفة . [email protected]