كتب الزميل وائل الإبراشي في "صوت الأمة" مقالا افتتاحيا بوصفه رئيس التحرير علق فيه على حادثة قيام الكنيسة بحبس "كاميليا شحاتة" ، أكد فيه بطبيعة الحال حقيقة إسلامها ، وهي الحقيقة التي لا يستطيع إنسان أن يجادل فيها الآن بعد التطورات التي حدثت والتشنج الكنسي في منع ظهورها والأشرطة والشهادات التي قدمت ويتداولها الملايين عبر العالم الآن ، غير أني لاحظت في كلام الإبراشي مقدمة طويلة عريضة عن لائحة مطالب طائفية هي ذاتها التي يرددها أقباط المهجر ، مثل الحديث الطوباوي عن بناء الكنائس وإطلاق أمر بنائها ، وهو أمر يستخف به "غير المسؤول" ، ولو تولى هو المسؤولية وعرف عواقب مثل هذا "الاستهتار" لكان أول من قننه وجعله في يد أعلى سلطات الدولة لخطورته الشديدة وحساسيته ، وكونه جزءا من أمن الوطن ، فلا يمكن أن تترك شوارع مصر وميادينها في سباق لزرع الكنائس من كل لون ونوع مع ما يثيره ذلك من توترات طائفية شعبية مروعة ، نرى بعض شظاها في مواقف ما زالت محدودة ، فكيف إذا أطلقت واشتعلت ، كما أن هناك توجها لا تخطئه العين الآن في زرع الكنائس الضخمة التي لم تعرفها مصر من قبل في مختلف مدن مصر وقراها، وعلى رؤوس الطرق الرئيسية ومداخل المدن ، وهي أشبه بالقلاع غير المألوفة في مصر من قبل ، وفي مناطق لا يوجد فيها أي مسوغ لتلك القلاع الهائلة ، ولو أطلقت هذا الأمر للكنيسة الأرثوذكسية فمن حق الإنجيليين والكاثوليك وغيرهم أن يمنحوا الحق ذاته وكذلك من حق المسلمين أن يمنحوا الحق ذاته ، والشاطر يسبق !! ، وأحد أهم أسباب التوتر الطائفي في السنوات الأخيرة يعود إلى هذا السباق غير المسؤول والذي لا يتصل بعبادة ولا دور للعبادة ، وإنما بفرض صبغة طائفية محددة على الشوارع والميادين والطرق والمدن ، وهو سباق لا حد له ولا ضابط ، وعندما أطلق هذا السباق في دولة عربية مثل الكويت يوجد بها (192) مائة واثنان وتسعون مواطن مسيحي معظمهم متحدر من الشام وتم تجنيسهم ، أنشأوا في السنوات الأخيرة خمسة وثلاثين كنيسة في أنحاء البلاد ، بمعدل كنيسة لكل خمسة أفراد تقريبا ، وهو نوع من الاستهبال والابتزاز الطائفي للتسامح الإسلامي ، وهو ما يراد تكراره في مصر ، والشحن الطائفي المتوتر خلال الأربعين سنة الماضية لا يحتمل المزيد من سكب البنزين ، وبالتالي فالحديث الشاعري وغير المسؤول عن إطلاق بناء الكنائس هو كلام مصاطب ، يطلقه من ليس مستعدا لتحمل مسؤولية كلامه ، ولا دفع ثمنه ، وعلى كل حال ليس هذا مقصدي من التعليق على مقال "وائل" ، وإنما التعليق خاص بقوله أن القضية يمكن حلها بأن تظهر كاميليا في أقل من دقيقة لكي تقول هل هي مسلمة أو مسيحية ، وهذا تبسيط مخل جدا بالقضية التي نحن بصددها ، صحيح أن المطلب الأساس والأول والبديهي أن تظهر كاميليا شحاتة ، ليس لدقيقة ، بل لمطلق الوقت حتى تتحدث بحرية وتنتقل بحرية وتختار بحرية ، وتحكي للرأي العام ما حدث ، غير أن هذا الظهور يسبقه بداهة تحريرها من سجنها لضمان خروجها من إطار الإكراه البدني والنفسي وحالة الرعب المصاحبة للاختطاف المفاجئ ، وتحقق ثقتها من أنها أصبحت حرة وليست في فخ نصب لها ، على طريقة ما حدث لوفاء قسطنطين قبلها ، وليتحقق لها أنها أخذت للحرية فعلا وليس لاستغلال صورتها دقيقة ثم تعود بعدها لمحبسها وجلاديها ، لا بد أن تتحقق أنها أصبحت في رعاية الدولة ومؤسساتها وقوانينها ، وليس سلطان الكهنة ومجاهل الكنيسة، ولا يجوز أن يتحدث منصف عاقل عن إظهار كاميليا دقيقة أو أكثر أو أقل ، فلسنا أمام مجرم محكوم عليه في قضية من القضايا ، نأتي به من محبسه لكي نظهره للحظات أمام الرأي العام للاعتراف بجرمه ثم يعود لمحبسه ، كما أننا لسنا أمام فتاة قاصر أو طفلة في رعاية والديها ، وإنما نحن مع مواطنة راشدة بالغة عاقلة كاملة الأهلية ، مدرسة للمرحلة الإعدادية ، ولها كافة الحقوق والحريات التي كفلها لها الدستور ، وأي شخص أو مؤسسة تقوم بتقييد حريتها أو حبسها أو منعها من الحركة أو الظهور أو الانتقال تكون قد ارتكبت جريمة تستوجب تقديمها للمحاكمة ، مطلب الرأي العام المصري الآن هو الحرية لكاميليا ، وحقوقها الكاملة كمواطنة كاملة الأهلية ، تسكن في المكان الذي تريد ، وتنتقل إلى المكان الذي ترغب فيه ، وتظهر على القنوات التي تحب أن تظهر عليها ، ويتحاور معها الصحفيون ووكالات الأنباء وتتابعها المنظمات الحقوقية ، وتحتمي بالدولة ومؤسساتها وتستظل بحماية قوانينها وأجهزتها ، وتوضع في رعاية الدولة وحمايتها فترة كافية حتى تسترد عافيتها البدنية والنفسية من مرحلة الاختطاف والسجن المفاجئ والترويع الذي تعرضت له ، ومن ثم منحها الحرية الكاملة للذهاب إلى الأزهر إن رغبت لتسجيل إسلامها رسميا أو عكس ذلك ، باختصار ، لا يمكن أن نختزل قضية كاميليا في أن يقوم مختطفوها وسجانوها في عرضها لدقيقة على شاشة ، وقد سبق ونشرت المصريون تقريرا كشف عن طرح بعض الكهنة فكرة استخدام ماسك "قناع" لخداع الرأي العام بشخصية تنتحل صفتها وتتحدث باسمها لدقيقة أو دقيقتين ، المسألة ليست عويصة ، المطلب هو الحرية ، لكاميليا ووفاء قسطنطين ، وأي مواطنة أو مواطن يريد أن يختار دينه الذي يدين به وتعترف به الدولة ، والمطلب الأشمل هو انهاء هذا المسلسل الفضائحي الذي يتم فيه احتجاز من يريد أو تريد إشهار إسلامها ثم صدور الأوامر الغامضة بتسليمهم إلى الكنيسة وكأنها الدولة صاحبة الولاية على المواطنين ، ينبغي أن ينتهي هذا المسلسل المهين لمصر وشعبها ونظامها السياسي ، ولسوف يأتي اليوم الذي يكشف فيه النقاب عن اسم من تسبب في هذه الفتنة التي أهدر فيها القانون ودفن الدستور ووضعت البلاد على حافة الخطر . [email protected]