قد لا يعلم الكثير معنى " سيكولوجيا الجماهير " ، إنها تعني ببساطة شديدة توطين النفس البشرية على شيءٍ ما من خلال عوامل نفسية ، ولعله كلام لوغارتمي إلى حد ما ، ولكن قد تفسره أكثر نظرتنا إلى المسلسلات والأفلام التي تعاقبت منذ تولي النظام رأس السلطة في مصرنا المحبوسة ، وكنت تتابع بشغف الظلم والقهر ، ولو كان المسلسل من ثلاثين حلقة لوجدت منها تسعة وعشرين حلقة ونصف ، ظلم وقهر وإستبداد وتجبر ، والنصف الأخير من الحلقة الثلاثين يقع الظالم ، ولا يكون وقوعه بالضرورة السجن أو أي القصاص العادل ، وإنما قد يحدث أن يترك بلده ويرتحل إلى بلد آخر بعيد ، مثل تلك النوعية من المسلسلات كانت ولازالت نمطاً سائداً لتوطين أنفسنا على القبول بالظلم والهوان ، والقبول بنهايات غير عادلة ، وإلا ذقنا من صنوف العذاب ألواناً . تلك بإختصار سياسة نفسية اتبعها النظام ليجعل منا مسوخاً تحيا لتعيش يومها مطأطأة الرأس ، ولا ترفع رأسها لترى ما يجري حولها . وها نحن أمام مذبحة جديدة لضمير الأمة ، إنها كسر شوكة الحق من خلال وأد القضاء المصري وسجن حرية الرأي من خلال إخراس ألسنة الصحافة .ولا حياة لمن تنادي فقد إعتدنا أن ننتظر حتى يُضحي آخرون من اجلنا وإلا فالرضى بالمقسوم كنز لا يفنى ، ولعلي لا أبالغ في التشاؤم إن قلت أن أننا نضرب برؤوسنا في الصخر ونحن نقف أمام قطار التوريث الذي ينطلق بقوة ، ولن يجد غضاضة في أن يكسر عظام كل من يقف في طريقه أيا كان . وقد أختلف مع أستاذي أ.محمود سلطان في كون وقوف الشعب مع القضاء والصحافة وسن التشريعات التي تضمن لهم قول الحق وتحقيق العدل ، ربما يوقف قطار التوريث ، فمن غير المنطقي بعد إنهيار أقوى الأحزاب المصرية ، وتفريغ الحياة السياسية تماماً بإبعاد كل من يمكن أن يكون عقبة في مراسم توريث الحكم ، أياً كان ولاؤه أو وزنه السياسي والدولي والشعبي ، وكذا حلقات الفتن التي لا تنتهي ، ومحاولة تهميش الدور القضائي والصحفي ، وذبح رؤوس القوى ممن يشكلون نداً قوياً لولي العهد القادم ، وحتى إظهار الحكومة نفسها بالموقف الضعيف الذي يعج بالفساد بما يتماشى و أهداف التوريث ، وأخيراً الإعلان عن عودة العمل بقانون الطواريء ؛ كل ذلك جعل من المستحيل أن تقف عملية التوريث مهما كانت النتائج . لهذا ربما يكون من الضروري - من وجهة نظري - ان تتم عملية ترسيم حاكم مصر القادم ، ولعل الحسنة الوحيدة في هذا الموضوع هي التغيير ، فلو كان الأمر بيدي لساندت وأيدت أمر التوريث بكل ما أوتيت من قوة ، فما يهمني أن يتم التغيير يجلس شخص آخر بفكر آخر ، فبداية التغيير ستتم من خلال الشعب وبما أن الشعب مُغيَب أو مكبل بالأغلال ، فقد يكون الباب الخلفي للتغير من خلال " التوريث " . هلال حسن حلبي