حينما قامت الثوره الفرنسيه فى القرن الثامن عشر , ظلت من يومها مصدر إلهام لكثير من الأمم والشعوب برغم مساحات الإتفاق والإختلاف معها فيما قامت به من محاكمات وما نفذته من إعدامات وما رفعته من شعارات وخاصه تلك الصيحه التى ترددت أصداؤها فى أرجاء فرنسا على ألسنة الثوار "اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس" ...لأنهم أدركوا أن هاتين المؤسستين كانتا مصدر تعاسه وشقاء لملايين البشر وهما السبب المباشر فى تخلف البلاد فلم يتسامحوا معهما . لقد ترك الإسلام مساحه للعفو ولكنه قبل ذلك أقر للناس نظاماً لا تستقيم الحياه بدونه ولا تصلح المجتمعات إلا بتطبيقه وهو نظام القصاص "ولكم فى القصاص حياة ..." فليس من المعقول أن يأتى طاغيه مستبد فييستهين بحياة الناس ويتسلط عليهم بغير حق ويعمل فيهم سجناً وتقتيلاً بسبب خصومات سياسيه أو منافسات حزبيه أو يستحل الأموال فيطلق يد حاشيته فى نهب خيرات البلاد بعد أن يتجاوز هو مرحلة الشبع إلى مرحلة البشم لدرجة أن أحدهم قد يتجشأ فتتساقط من فيه رزم الدولارات فيضطر إلى أن (يحبس بكام مليون يورو) لتثبيت أوضاعه وشىء لزوم الشىء ...بينما أصحاب هذه الأموال من الفقراء يتضورون جوعاً أويتكففون الناس !! إذن كيف نحاكم ونحبس حرامى الغسيل أو حرامى الفراخ أو نشال محافظ تخصص خط شبرا بينما نترك من يضع يده فى جوف 80 مليون مصرى لينشل قوتهم ؟ ...كيف نحاسب من يزور محرراً ليغتصب جزءاً من أموال أبيه وهى حق إخوته فى الميراث ثم نعفوا عمن يزور إرادة 80 مليون ويستمرأ هذا الفعل حتى يدمنه ,فكما كان دور المؤسسه الدينيه تسويغ تصرفات الملك وإسباغ المشروعيه عليها فقد تطوعت النخبه الفاسده للقيام بهذا الدور وبدلاً من هذا البساط الأحمر الذى يمدونه لتقف الحاشيه على أطرافه لاستقبال الملك أصبحت النخبه الآن كلها من حملة الدكتوراه فيأتون بشهاداتهم العلميه ويقومون برصها كبساط طويل مزيل بأختام أكبر جامعات العالم ويصطفون عند أطرافها وهم يرقبون حذاء الملك وهو يطأها بتلذذ واستهزاء ..هؤلاء الآن هم السدنه ..يدبجون الخطب المكدسه بالأرقام الكاذبه عن معدلات النمو ويلفقون ويدلسون لإيهام الناس بأنهم يعيشون أزهى عصور الديمقراطيه, ويمارسون الدجل والشعوزه ويزينون الباطل ويخالفون ضمائرهم العلميه لأن ضمائرهم الدينيه لا أقول قد ماتت وإنما يضعونها فى ثلاجات ضخمه تقوم بتجميدها لحسابهم حتى إذاما بلغ أحدهم أرزل العمر أو تغير النظام فإنهم يسعون لاستردادها وإجراء عملية إعادة تنشيط لها حسب الحاجه . لقد تحدث القرآن عن دور الملأ فى إفساد الحكام ولا نكاد نجد آيه بين دفتى المصحف فيها تهديد ووعيد للفراعين والطغاه إلاَ وكان للملأ فيها نصيب كل من يعين الملك ولو بكلمه يدخل دائرة الإدانه صغر دوره أم كبر وهذا أمر قرره رب العزه "إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين" قد تغفر الأمه لجاهل أو مخطأ بجهل أمَا هؤلاء فلا عذر لهم فهم من أكثر الناس علماً فى تخصصاتهم .. والمصيبه الكبرى ان أغلبهم أعلام فى مجال العلوم القانونيه والسياسيه التى هى أساس كل بلاء تعيشه الأمه الآن. أنا أتحدث عن مرحله تتغير فيها أحوال الأمه فنفاجأ بعودة هؤلاء وهم يتحدثون عن عودة الوعى وعن ذلك الشخص الذى أغواهم وسقاهم "حاجه أصفره" فلم يدروا ماذا يشرعون ولا ماذا يقولون !! إن ذبح إنسان أو قتله أو سجنه أو سلب ماله عمليه تحتاج دائماً إلى فتوى قانونيه أو تسويغ دستورى وهذا مايفعله هؤلاء بأمتهم فهم شركاء فى كل جرائم القتل وتقييد الحريات وسلب الأموال وإننى لأسمع صدى صيحة ثوار فرنسا يتردد فى أسماع المصريين هذه الأيام ... فترى كم يبلغ طول أمعاء كل واحد منهم وكم تبلغ قوتها حينما تحين لحظة الحساب ؟ م.احمد محمود