كان توقيع الدكتور سعد الدين إبراهيم رئيس ومؤسس مركز بن خلدون على بيان يدعم حق جمال مبارك في الترشح لرئاسة الجمهورية صادما لمن يعرفون الرجل الذي ظل طوال الفترة الماضية من أشرس الرافضين للتوريث السياسي والذي صك مصطلحا يستخدمه كل الرافضين للتوريث وهو " الجملوكية" أي الدمج بين النظامين الجمهوري والملكي. لا أظن أن هذا التوقيع جاء عفو الخاطر، أومجاملة لمن زاروه في مكتبه بالمقطم وطلبوا منه ذلك، أو حتى نتيجة جهل بمضمون البيان، ورغم أن الدكتور سعد أصدر بيانا للتوضيح أنه أيد فقط حق جمال في الترشح كأي مواطن مصري ولكنه لا يؤيده بعد ذلك كمرشح، إلا أن ما فعله الدكتور سعد يعد سقطة كبرى لأستاذ علم اجتماع وناشط سياسي ومؤسس ومدير لمركز تخصص في الشأن السياسي وقضى سنوات من عمره سجينا بسبب معارضته الشديدة للنظام، وإذا كان من الممكن التسامح مع هذه السقطة من ناشط شاب فإن من الصعب التسامح مع الدكتور سعد الذي لم يعد يختلف بذلك عن "دكاترة" الحزب الوطني "المتحذلقين" الذين يثرثرون كثيرا بأن من حق جمال الترشح لرئاسة الجمهورية كأي مواطن مصري وفقا لنصوص الدستور، ولا أدري من أين أتوا بهذا النص الدستوري الذي يتيح لأي مواطن مصري الترشح، بخلاف ذلك النص المشئوم في المادة 76 التي فصلت على مقاس مواطن مصري واحد، ووضعت سدودا وجدرا عازلة ضد ترشح أي مواطن مصري آخر باستثناء بعض "العرائس" الضرورية "للزفة الكذابة" من عينة بعض رؤساء وقيادات الأحزاب الورقية. منذ ان عاد سعد الدين إلى القاهرة في زيارة قصيرة قادما من واشنطن دون أي اعتراض من الأجهزة الأمنية التي كان يتخوف منها كثيرا بسبب ما كان ينتظره من بلاغات كيدية؛ توقع البعض أن تفاهمات أو تعهدات خفية تمت قبل عودته من واشنطن عبر وسطاء مصريين أو أمريكان، وربما كان منها تخفيف حدة معارضته لمشروع التوريث، مقابل التسامح في حقه في التنقل من وإلى مصردون المشاركة في أي أية أنشطة سياسية لا ترضى عنها السلطة، وهو ما حرص سعد الدين منذ عودته إلى القاهرة على تنفيذه، وتعلل الرجل بتدهور صحته ليقر في بيته أو أحيانا قليلة في مكتبه منتظرا الزائرين من الإخوان والأحزاب والقوى السياسية، ويبدو أن زوجته السيدة باربارا كانت هي الحارس الأمين لتنفيذ تلك التفاهمات والتعهدات، فمنعته بشكل مقصود من حضور أية فعاليات بدواعي صحية، ويبدو أن الكردي استنتج تلك التفاهمات، أو أن شخصا على صلة بها همس بها في إذنه، وشجعه على الذهاب إلى سعد الدين بعد أن تم " تظبيط دماغه". لم تكن تبريرات سعد الدين التالية مقنعة لأحد، ولم تمحو أدران تلك السقطة الشنيعة، وقد كان بإمكانه بدلا من التوقيع على بيان بأحقية جمال في الترشيح أن يطلب من ضيفه أن يوقع هو على دعم مطالب الإصلاح الدستوري أو ان يوقعا بيانا مشتركا يتضمن الدعوة لتعديل الدستور المصري وخاصة المادتين 76و 77 وكذا المطالبة بعودة الإشراف القضائي كشروط ضرورية قبل تأييد حق ترشيح جمال مبارك، أو بالتزامن مع اعترافه بذاك الحق، لكن يبدو أن التفاهمات اقتضت ذلك ونحن لا ندري، وإذا كان الدكتور سعد جادا بالفعل في تصحيح خطيئته فليس أمامه من سبيل سوى الإستقرار في القاهرة ولو لبضع أسابيع ينخرط خلالها بشكل مكثف في الفعاليات الرافضة للتوريث، ويكون مستعدا مرة أخرى لدفع ثمن إستعادة المصداقية. نجاح الخطة مع سعد الدين إبراهيم فتح الشهية لتكرارها مع آخرين حسبما أعلن الكردي في حواره مع الإعلامي جابر القرموطي في برنامج مانشيت، مساء الاثنين على قناة أون تى فى، حيث ذكر أنه يقوم حاليا ب "جس نبض" المرشد العام للإخوان و حركة كفاية وحركة 6 أبريل، ونسي الكردي أن هذه الحركات لا تزال محصنة ضد تفاهمات الأمن والحزب الوطني، وانه حين يذهب إليها – إذا سمحوا بدخوله - سيجد من يقدم له بيانا بالمطالب السبعة للإصلاح الدستوري للتوقيع عليه، وسيجد من يعطيه درسا في احترام المبادئ.