لو دفعت جماعة الإخوان المسلمين المحظورة سياسيا ملايين الجنيهات لإنتاج مسلسل جماهيري عن حركة الجماعة وتاريخها وأعمالها ، ما كانت قد نجحت في ذلك بنفس الدرجة التي ساهم في مسلسل "الجماعة" التليفزيوني الذي يعرض حاليا في خدمة الإخوان وإعادتهم إلى بؤرة الأحداث ، وفرض وجودهم وتواجدهم في أجهزة الإعلام الرسمية والغير رسمية . ولقد كان قادة حركة الإخوان المسلمين من الذكاء بحيث نجحوا في تضليل وخداع التليفزيون الرسمي عندما أعلنوا غضبهم ووجهوا انتقاداتهم للمسلسل في حلقاته الأولى بحيث أقنعوا القائمين على إنتاج المسلسل بأنه ضار بالإخوان بينما كانوا في أعماقهم يرغبون في استمرار إذاعة حلقاته وفي تحقيق أكبر قدر من الانتشار والجماهيرية له . فالذين كتبوا وأنتجوا المسلسل اعتقدوا أنه سيساهم في تعرية وفضح الإخوان والكشف عن صلتهم بأعمال العنف واستعداداتهم لذلك ، ونسوا أن الذين يشاهدون المسلسل ويتابعونه بشكل دائم معظمهم من البسطاء وأنصاف المتعلمين الذين يستهويهم أداء الشخصيات والمواقف التمثيلية أكثر من المعاني والمضمون . فالنخبة المثقفة التي تشاهد المسلسل على دراية كاملة بتاريخ الإخوان وبأبعاد الحركة وأهدافها ، وهم في ذلك لا يحتاجون إلى إقناع أو مسلسل تليفزيوني يعيد عليهم هذه المفاهيم ، أما الأجيال الجديدة وربات البيوت ومدمني مشاهدة المسلسلات الرمضانية فقد أتيحت لهم فرصة التعرف على الإخوان والإعجاب بأداء الممثل الذي قام بدور الإمام حسن البنا ، وكان ذلك دافعا إلى التعاطف معه على حساب المواقف الدينية والسياسية التي حاول المسلسل إدانته من خلال إبرازها وتوضيح انعاكساتها الخطيرة على المجتمع . ولا يجب أن نغفل في ذلك أننا في بلد ما زالت نسبة الأمية مرتفعة فيه للغاية ، وهناك من يتأثر كثيرا من الدراما التليفزيونية في أفكاره وأحكامه ، ومن يعتمد أيضا على المسلسلات في أنها مصدر المعلومات المنبع الوحيد لثقافته . ولقد كان عصام العريان المتحدث الإعلامي لجماعة الإخوان المسلمين على حق عندما قال أن عرض مثل هذه الأعمال الفنية سيزيد من التعاطف مع الإخوان ، وهو نفس ما ألمح إليه الدكتور محمد بديع المرشد العام للإخوان عندما قال إن هذا المسلسل سيجعل أفراد الشعب الذين لم يلتقوا بالإخوان في لهفة للبحث عن حقيقتهم وهي إشارة إلى أن المسلسل خدم الجماعة وجعلها تتحول من كتب مقرؤة وأنشطة سياسية واجتماعية محظور التحدث عنها ومناقشتها إلى واقع حي تم تجسيده في عمل درامي فدخل كل بيت وجذب انتباه الناس وأعاد إلى الأذهان التذكير بحسن البنا وقدراته وأفكاره أياما كان الاختلاف معه أو إدانة المنهج والفكر الذي حاول أن ينشره في المجتمع والذي لم يكن قائما فقط على الإصلاح والدعوة الحسنة بقدر ما كان أيضا منهجا قائما على العنف ومحاولة التغيير بالقوة وبأساليب غير مشروعة لا تتفق مع أحكام ومبادئ الدين . إن الطريقة التي تم بها إنتاج وعرض مسلسل الجماعة لا تختلف كثيرا عن نفس الأسلوب الذي تتم به المواجهة الإعلامية الرسمية لكافة القضايا والمعارك ، فهي طريقة لا تأخذ في الاعتبار أن هناك مساحة للاختلاف ومساحة للتلاقي ، وأن الخلاف في الرأي والتوجه لا يعني إدانة الآخر على طول الخط وتسفيه آرائه ، واستباحة دمه ، فهذه الطريقة جعلت الإعلام الرسمي يفقد قوته وتأثيره لأنه لا يتحدث بلغة المنطق والحوار بقدر ما يخاطب فئة معينة لا زالت تؤمن بإمكانية الوصاية والهيمنة وفرض قناعاتها الخاصة على الرأي العام .. إن جماعة وحيد حامد قد تكون عملا دراميا موجها ، وقد يكون نابعا من قناعات شخصية ينبغي التعامل معها باحترام وتقدير ، إلا أنه في النهاية جاء عملا يضفي الشرعية في الشارع على جماعة الإخوان بدلا من أن يعزلها ويبرز خطورة تواجدها والضرر الذي يعود على المجتمع من جراء وجود هذه الجماعات والتنظيمات .. إن مثل هذه االجماعات والتنظيمات التي تأخذ بأساليب العنف يجب أن تواجه بالقانون فقط ، وأن يتم تجاهلها أو التحدث عنها إعلاميا أو سياسيا ، فتكرار الحديث يمنحها الشرعية ويرفع عنها صفة "الحظر .. والمحظورة" .. وهذا هو ما يريدون ويبحثون عنه .. ! [email protected]