أكّدت صحيفة الجارديان البريطانية، أنّ فكرة انسحاب القوات الأمريكيةالمحتلة من العراق لا تحمل سوى "دلالة رمزية" في محاولة لتخلص الرئيس الأمريكي باراك أوباما من إرث سلفه جورج بوش. وذكرت الصحيفة في تقرير كتبه "مارتن جولوف" من العاصمة العراقية بغداد، ونُشر في عددها الصادر الأحد "أنّ ما سيبقى في العراق ستة ألوية أمريكية في 94 قاعدة في العراق". وتساءلت الصحيفة "فيما إذا تردد قادة هذه الألوية في إرسال جنودهم لميادين المعارك في العراق، ويكتفون بمشاهدة بغداد وهي تحترق، فإنّ موقف وسمعة أمريكا ستتعرض إلى ضرر يصعب إصلاحه، وهو ما يجعل الحرب في العراق مشكلة لأوباما وليست ميراثًا غير مرغوب من سلفه جورج بوش". وشبهت الصحيفة مغادرة السفير الأمريكي إلى العراق كريستوفر هيل، بمغادرة الحاكم الأمريكي بول بريمر للعراق بعد احتلال بغداد. وقالت: إنّ بريمر غادر زاعمًا "أنّه ساعد العراق على الحصول على استقلاله، ووضع الأسس لدولة فعالة قابلة للحياة"، إلا أنّه ترك البلاد مستلبة لأحزاب دينية وطائفية وهدم بنى الدولة وحل الجيش العراقي الوطني، فيما يعيش أهل العراق في الفاقة والحكومة "الافتراضية" في المنطقة الخضراء؛ مشغولة بمصالحها وتقديم فروض الولاء "لدول الجوار". وقالت الجارديان: "إنّ هيل وصل إلى العراق قبل 16 شهرًا بمهمة مُحددة، وهي تحويل دفة الأمور من بلد يعاني من فوضى طائفية مزقته، حيث بدا مشروع بوش لعراق ديمقراطي وكأنه جنين ولد ميتًا، ولم تعد فكرة كون العراق في مركز شرق أوسط جديد جذابة أو حتى قابلة للتحقيق". وكان في صلب مهمة هيل، إعادة الاعتبار للمكانة المهزوزة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط والعالم عمومًا. وزعم هيل كما هو حال بريمر، أنّه حقق نجاحات وأنجز شيئًا، لكن ونحن في منتصف عام 2010 صار من الصعب إيجاد أي دليل يدعم هذا التفاؤل، الذي عبر عنه السفير الأمريكي السابق في العراق، فالبلد الآن أسوأ مما كان عليه قبل أن يضطلع بمهمته في بغداد، فلا توجد خدمات والتيار الكهربائي مقطوع عن غالبية المدن العراقية في درجة حرارة تصل إلى 48 درجة مئوية، والاغتيالات شبه يومية، وتصاعدت وتيرة التفجيرات وإطلاق الصواريخ. وأكّدت الجارديان على جملة طارق عزيز نائب رئيس الوزراء في حكومة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، التي صرّح بها من معتقله للصحيفة نفسها الأسبوع الماضي "أنّ أوباما يترك البلاد للذئاب"، في إشارة إلى الفوضى السياسية التي تعم العراق بعد سبع سنوات من احتلاله، وتبخر كل مزاعم الحرية التي وعد بها مروجو الاحتلال. وتهكمت الصحيفة على إصرار السفير هيل وعدد من الجنرالات الأمريكيين، مع كل الذي يحدث في العراق من فوضى سياسية وحياتية، على أنّ مهمتهم في هذا البلد قد أُنجزت، بعد سبعة أعوام من الاحتلال، لكن هناك الكثير من العراقيين غير مقتنعين بأن المهمة قد أنجزت بالفعل. وتكشف صورة العراق بعد سبع سنوات من الاحتلال الأكاذيب المتصاعدة والمستمرة عن كون "الحرب تجلب الحرية"، والوعود التي أطلقها بوش وبلير ورددها قادة الأحزاب المتمسكين بالحكومة اليوم، بأنّ العراق سيصبح واحة للديمقراطية في الشرق الأوسط. وتُظهر صورة العراق الحالي "الفشل الذريع" في تحويل مقومات دولة بامتياز إلى بلد مقسم وفق أهواء الأحزاب الدينية والطائفية، وسطوة رجال الدين على الدولة وتهجير وقتل العلماء والمفكرين.