تابعت الجدل الدائر بين القوي السياسية المختلفة سواء تلك الحزبية أو الحركات الاجتماعية حول الموقف من الانتخابات البرلمانية القادمة في مصر والتي ستكون انتخابات استثنائية فهي رافعة الانتخابات الرئاسية والتي ستكون هي الأخري انتخابات حاسمة في التاريخ المصري . وتابعت الحراك السياسي الذي دخلت فيه جماعة الإخوان المسلمين كقوة رئيسية دعا مرشدها أكثر من 30 شخصية سياسية لبحث مستقبل الحكم في مصر وبالطبع في قلب ذلك الموضوع الموقف من الانتخابات النيابية القادمة ، وشاهدت صورا التقطت للمرشد ومعه شخصيات أعرف بعضها بدت عليهم البهجة وهم يبدون إلي جوار المرشد وهو يلقي بيانه عن نتائج الاجتماع . وبالطبع فإن هناك حملة توقيعات تقوم بها جماعة الإخوان المسلمين دعا المرشد العام نفسه إلي تدشينها ، بالإضافة لحملة التوقيعات التي أطلقتها الجمعية الوطنية للتغيير ، ويتحدث كوادر كبار في حركات التغيير وجماعة الإخوان أنهم بعد تلك الحملة سيتوجهون بها إلي القصر الرئاسي أو إلي مجلس الشعب كجزء من الضغط عليه لإعادة النظر في المطالب السبعة التي يطالب الناس بتغييرها وعلي رأسها ضمانات لانتخابات نزيهة لا يتم تزويرها . كل ذلك حراك جيد لكنني لم أستطع أن أصل إلي موقف واضح موحد حول موقف تلك القوي المجتمعة مع الأخوان علي كيفية التعامل مع الانتخابات المقبلة ، فهل الإخوان سيمتنعون عن المشاركة في الانتخابات ، وهو نفس حال أحزاب أعلنت ذلك بشكل واضح كما هو الحال مع حزب الجبهة الذي يقوده أسامة الغزالي حرب . وهل اتفق المؤتمرون استجابة لدعوة المرشد العام ولجماعة الإخوان علي برنامج حد أدني تنسق فيه تلك القوي موقفا واحدا من العملية الانتخابية ، أنا شخصيا لا أعرف حتي الآن . غلب علي التقارير التي وصفت ما جري في ذلك الاجتماع أنه انفض دون أن يصل المشاركون فيه إلي قرار واضح حول الموقف من الانتخابات القادمة . هناك تشاور هناك تفكير ، هناك حديث عن استثناء حزب الوسط من الدعوة إلي اللقاء ، هناك حديث عن هيمنة قوة علي قوة أخري ، هناك حركة ولكننا لا نجد أثرا حقيقيا لتلك الحركة علي مسار عملية التغيير التي نود بالطبع أن تكون سلمية . المجتمع المصري مجتمع كبير ، وله طبيعة خاصة هو أنه يتحرك ببطء ولكن بحسم تجاه التغيير ، والمعضلة الرئيسية فيما نشاهده اليوم من حراك سياسي حول التغيير هو أنه يتم في ظل الغرف المغلقة المكيفة ، ولم يتحول إلي إرادة سياسية حقيقية وإلي برنامج حقيقي يتخلل عقول ووجدان الناس . أظن أن لدينا ما يمكن أن نطلق عليه فرصة ثقافية مهمة هذه الفرصة الثقافية تتمثل في أن التغيير يدق أبواب بلادي بقوة لا يمكن مدافعتها ، فالناس خاصة الشباب والنساء والطبقة الوسطي عامة يتوقون للتغيير بعد أن زكم الفساد أنوف الجميع وبعد شاخت القيادات في أماكنها دون امتلاك رؤية حقيقية وجادة تأخذ البلد نحو وضع أفضل للفئات المحرومة والمنهكة والطامحة لمستقبل وغد أفضل ، ويعد عدد الذين وقعوا علي المطالب السبعة مؤشرا علي ذلك ، هناك فرصة ثقافية تقول إن الناس في مصر بحاجة إلي تغيير ، لقد أرهقهم الثبات والجمود التي تعيشه مصر منذ عام 1981 . بيد إن هناك فجوة بين تلك الفرصة الثقافية وما أطلق عليه الفرصة السياسية والفرصة السياسية التي أقصدها هنا هي كيف يمكن أن نحول تلك الفرصة الثقافية إلي لحظة نضال حقيقية يتجاوز فيها ممثلو الأمة وحاملو لواء التغيير فيها عن خلافاتهم ومآربهم ومصالح جماعاتهم إلي موقف موحد واضح من الأسئلة الصعبة التي يجب أن تواجهها الجماعات التي تطالب بالتغيير ، من تلك الأسئلة حين تصل التوقيعات إلي مليون مثلا مطالبة بالمطالب السبعة فهل ذلك كاف وحدة لتحقيق التغيير ، أم أن هناك برنامج لكيفية حمل أمانة من وقعوا لتكون حقيقة واقعة وذلك لن يكون بحمل تلك التوقيعات إلي قصر الرئاسة أو البرلمان . تحويل الفرصة الثقافية إلي فرصة سياسية يحتاج إلي إبداع في الوسائل والآليات والبرامج التي تمكن من أن تتسع تلك الفرصة الثقافية لفئات أوسع وتتعمق في نفس من يوافق عليها بحيث قد يحتاج الأمر إلي تضحيات ، لا تتغير المجتمعات بالاجتماعات والتوقيعات وأخذ اللقطات أمام الكاميرات وإنما تحتاج إلي نضال حقيقي له تبعات وتكاليف يجب علي الجميع أن يكون مستعدا لدفع أثمانها ، الشارع هو الساحة الحقيقية التي تتغير المجتمعات منها وليست المكاتب المكيفة والبيانات ، كما أن العيش في ظل شروط من تريد تغييره ليس سبيلا للتغيير .