عَلَى مدى ستِّ جولات من الحروب المدمِّرة في محافظة صعدة، والتي وسَّعَت سياسة النظام الحاكم من رُقعتها لتمتد من رقعة جغرافية صغيرة في مران حيدان، والتي لا تتجاوز ثلاثة كيلو مترات مربعة، لتتمدد على رقعة جغرافية تعادل مساحة لبنان مرتَيْن. هذه السياسة هي اليوم التي تتكرَّر بتفاصيلِها مع ما يسمى بالقاعدة، وهي نفسها التي تتكرَّر مع الحراك الجنوبي، وهي سياسة ممكن أن نطلقَ عليها بسهولة عملية صبّ الزيت على النار، واللعب بالأوراق القابلة للاشتعال بالقرب من براميل البارود. ما حدث خلال الأسبوع الماضي من أحداث في قلب مدينة عدن المسالمة والمدنيَّة، لا يدعُ مجالًا للشك في أن السياسة، التي يتم التعامل بها مع القاعدة في اليمن، ستنتج لنا مشروعًا آخر ليس أقل خطرًا من مشروع الدويلة الطائفية الحالية في صعدة أو مشروع الانفصال القائم في المحافظات الجنوبية من قبل أصحاب الحِرَاك. كلُّ هذا نتاجُ سياسة هي الأخطر على البلاد حاضرها ومستقبلها، سياسة اللعب بالنار والأوراق الملتهبة، التي ستحرق يد مَن يلعبها، السادات والجماعات الجهادية وأمريكا والقاعدة، والشباب المؤمن وقصر الرئاسة، كلها أمثلة واضحة للعيان بمصير اللعب بالأوراق الملتهبة. المحاولة المستميتة من قِبل النظام في إلصاق تُهمة القاعدة بالحِراك وبعدها المعارضة ممثلةً باللقاء المشترك الذي أسر الرئيس مؤخرًا حديثًا لفضائية روسيا اليوم قائلًا فيه أن عدم استكمال الحوار بين المشترك وحزبه الحاكم يعود إلى اشتراط المشترك بإطلاق سراح معتقلي القاعدة في خطْوةٍ يصفُها المراقبون بأن النظام وصل مرحلة الكيد السياسي الرخيص الذي يشي بفشلٍ ذريع وحيرة مُربِكة في تسويق شمَّاعة القاعدة التي باتت أكثر وضوحًا وانكشافًا للرأي العام المحلي والدولي. جدليَّة القاعدة القاعدة في اليمن قصةٌ مثيرَة، في ضوء التضخيم المتعمَّد لها من قِبل الإعلام الأمريكي والتابع له محليًّا وإقليميًّا، وتورّط بعض المسئولين اليمنيين فيها دون إدراك لعواقب مثل هذا التعامل الذي يرجى منه أن تنطليَ مثل هذه اللعبة مع دهاقنة اللعب بالنار الملتهبة أمريكا وحلفائها. إن النظام فقدَ كلَّ أوراقه في البقاء والاستمرار كصمام آمان متحكّم ببرميل البارود الذي ظلَّ على مدى سنواته الماضية في تصوير البلاد للخارج على أنها مجرد برميل بارود قابِل للانفجار، وأنه هو الوحيد مَن يعمل على عدم انفجارِه، وهي سياسة مستوحاة من المخاوف الدولية تجاه الأمن الدولي والإقليمي لمنابع النفط والغاز العالمية في الخليج. تطوُّرات الأحداث وإعادة تقييم الاستراتيجيات الدولية للقوى الكُبرى، كل حسب استراتيجيته المرتكِزَة على مصالحه القومية والوطنية، وتصريح بعض الأطراف -من خلال مراكز أبحاثها وإعلامها- بوجود مناطق رمادية في قضية ما بات يُعرف بالحرب على الإرهاب، جعل الكثير يعيد حساباته في هذا الاتجاه، وأوضح مثال على هذا هو الموقف الفرنسي الأكاديمي من موضوع القاعدة، كل ذلك والنظام اليمني مستمرٌّ "كأطرش في الزفة" في اللعب مع الكبار دون حسابِه للعواقب التي لن تصيبَ إلا اليمن المتضرِّر الأكبر منها. تساؤلات بريئة ؟ موضوعُ القاعدة لم يعُدْ بتلك الضبابية المخيفَة فقد اتّضحت الصورة بعد تمكُّن دول المنبع لهذا الفكر المنحرِف "مصر والسعودية" من القضاء عليه ودفعِه خارج حدودها، في حين تلقفه عديمو الرؤية، محاولين استخدامَه بطريقة أقرب إلى مراقصة الثعابين المفضَّلة لديهم، غافلين أو متغافلِين للمصير القاتم الذي من الممكن أن تئول إليه الأمور في مثل هذه اللعبة الخطِرَة. التساؤل هُنا لماذا تمكَّنت المملكة من القضاء على القاعدة ودفعها خارج حدودها وقبلها مصر منبع الأفكار التكفيرية والتفجيرية كلها، والتي لم تقُلْ يومًا أنها تُعاني من خطر القاعدة وتفرعاتِها، مع أنها هي البيئة التي أنتجت هذه القاعدة، في حين أن اليمن ظلَّت هي بلد الفكر المتسامح والمعتدل. لماذا لم تظهر القاعدة في السودان أو تركيا أو مثلا في الأردن وفلسطين، أو حتى بعض دول الخليج، عُمان مثلًا، وفضلت أن تظهر في اليمن، هل لأن أنظمة هذه البلدان تدرك عواقب اللعب مع الكبار واللعب معهم بالأوراق الملتهبة؟! لماذا الإصرار على وصْم كل حدث عُنفي في اليمن المليئة بالأحداث بأن وراءَه القاعدة؟! في الوقت الذي تشتعلُ فيه البلاد بالأزمات والأحداث والتوترات التي تضرب البلاد في كل مكان، والتي تتخذ أكثر من طابع سياسي مطلبي أو طائفي. لمصلحة مَن يا ترى عسكرة البلاد ووضعها تحت رحمة وصاية المخابرات الدولية والإقليمية؟! لماذا يرى النظام أن تكون اليمن ساحة صراع للمحاور والمعسكرات الإقليمية؟ وما مصلحة اليمن في هذا المشروع؟ ولماذا الإصرار على أن تُفتحَ جبهات أخرى اليمن في غِنًى عنها أصلًا؟ المصدر: الإسلام اليوم