قدمت لجنة العشرة المسودة الأولى للتعديلات الدستورية على دستور 2012 للرئيس المؤقت، ونشرت هذه المسودة قبل يومين، ولما كانت هذه المسودة هي النواة التي تناقشها لجنة الخمسين لإقرارها،فإن أهم المناقشات هو ما سيكون الآن، وليس بعد ذلك، حيث يكون الأوان قد فات أو كاد!. ولو كان في العمر بقية، ستحتاج مناقشة تلك المسودة لعدة مقالات، على أن هناك قاعدتان هامتان أحب ان أبدأ بهما، لتسهل علينا تلك المناقشات: القاعدة الأولى: أن تلك التعديلات –التي بلغت أكثر من مائة كما أشارت اللجنة- تبلغ من كثرتها وعمقها والروح الغالبة عليها ما يجعل منها دستورًا جديدًا تمامًا وليس مجرد تعديلات، وإن حافظت اللجنة على كلمة (تعديلات) حتى يسهل تمريرها على الجماهير التي أيدت قبل شهور قليلة دستور 2012، فلم يكن من السهل أن يقال لها أن الدستور الذي حاز موافقة الثلثين قد ألقي به جانبًا وهذا دستوركم الجديد، فدعت المواءمات إلى إستخدام تعبير (تعديلات) للإشارة للدستور الجديد !!. القاعدة الثانية: أن لجنة العشرة وقد أسمت مسودتها المقدمة (تعديلات دستورية)، فإن هذا يلزم منه أن كل كلمة في الحذف والإضافة مبنية على القصد المحدد، ويستبعد إحتمال الغفلة، ورغم أننا في جميع الأحوال نربأ بالمشرع الدستوري عن الغفلة حتى لو كان ينشئ دستورًا جديدًا، إلا أن هذا الإحتمال أكثر إستبعادًا ونحن نتحدث عن محذوفات بعينها أو إضافات بعينها.
(الديباجة) - خلت الديباجة الجديدة من أي إشارة لثورة 25 يناير التي تصدرت ديباجة دستور 2012. - الفقرة الثانية من إعلان المبادئ جاءت غامضة تمامًا، فإما أن يكون قد سقط من صياغتها شيئ ولم يتم الإنتباه له، وإما أنها كتبت هكذا في إشارة للمبادئ فوق الدستورية التي كان يتبناها د. البرادعي. - تم إحداث تغيير مزدوج في – في منتهى الخطورة من وجهة نظري - في الفقرة الخاصة بالقوات المسلحة، فبعد أن كانت في ديباجة دستور 2012 كالآتي (قواتنا المسلحة مؤسسة وطنية محترفة، محايدة لا تتدخل في الشأن السياسي، وهي درع البلاد والواقي)، فإذا بكونها مؤسسة محايدة يحذف !، وعدم تدخلها في الشأن السياسي هو الآخر يحذف !، ويوضع بدلًا من ذلك (قواتنا المسلحة درع البلاد الواقي تحمي حدود الدولة وتزود عن أمنها القومي)، فتم إضافة مهام القوات المسلحة بجملتي: (تحمي حدود الدولة)، وهي متفقة مع جملة درعها الواقي، والتعبير الآخر (وتزود عن أمنها القومي)، وهو تعبير مطاطي مفتوح على كل التفسيرات للأمن القومي، ودون وضع تعريف له أو الإحالة لوثيقة أو قانون يضع تعريفًا له ولحدوده، وهو بالتالي يفتح الباب على مصرعيه للتدخل الداخلي للقوات المسلحة بدعوى حماية الأمن القومي (كما حدث بالفعل في 3 يوليو، وهو مشابه لما طالب البرادعي به من قبل من وضع مادة تجعل الجيش حاميًا لمدنية الدولة، فتم تسميتها [الأمن القومي ] )، بل ويفتح هذا التعبير المجال لتجاوز ما ذكر في الجملة الأولى من حماية الحدود، وتخطيه إلى إطلاق المجال للتدخلات خارج الحدود على رقعة واسعة، تحت نفس الدعوى (الزود عن الأمن القومي) !.
- وكما طال التغيير دور القوات المسلحة في ديباجة الدستور طال كذلك مؤسسة الشرطة على نحو لا يقل خطورة، فبعد أن كانت في ديباجة دستور 2012 (لا عدل بلا حماية، ولا حماية بغير مؤسسات أمنية تحترم كرامة الإنسان وسيادة القانون)، إذا بكرامة الإنسان وسيادة القانون تتبخر من الفقرة !!، وتصبح كالآتي (فلا عدل بلا حماية، ولا إقتصاد بدون أمن، ولا تنمية ولا إستقرار مجتمعي في ظل إنفلات أمني)، وهكذا فإن الفقرة التي كانت متوازنة في دستور 2012 بين ضرورات الأمن ووجود مؤسساته، وبين إحترام كرامة الإنسان وسيادة القانون إذا بها تفقد توازنها في دستور 2013 وتبدو كما لو كانت مكتوبة لحالة طوارئ وإنفلات أمني، حاذفة الإشارة في هذا الموضع لإحترام كرامة الإنسان وسيادة القانون !!. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.