اتشحت محافظة الدقهلية بالسواد وسادت حالة من الحزن والكآبة وجوه المواطنين بعد سقوط الضحايا في اشتباكات دامية وسيل من الدماء الذي لون شوارع محافظة الدقهلية باللون الأحمر ففي أقل من شهر فقدت المحافظة عشرات القتلى والضحايا وأصيب الآلاف من أبنائها سواء من خرجوا للتعبير عن رأيهم السياسي أو من سقطوا شهداء الواجب وهو يؤدون عملهم بالقوات المسلحة أو جهاز الشرطة ليتساوى الجميع ويحمل لقب "شهيد". وفقدت المحافظة في فض اعتصامي "رابعة والنهضة " 35 من أبنائها المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين واثنين آخرين من المعارضين والمناهضين للجماعة وشهيدًا للواجب الأمر الذي جعل مدن وقرى المحافظة تخرج في انتفاضة لتوديع جثامين ضحاياها ليسكن الحزن في البيوت ويصبح النواح والبكاء هو البطل. ففي مدينة المنزلة تم تشييع جنازة "أحمد أمين البلقا" الذي شارك في تظاهرات الخامس والعشرين من يناير وخرج مع رفاقه للمطالبة بإسقاط النظام واعتقل في هذا اليوم وأودع بسجن المنصورة العمومي ليخرج يوم جمعة الغضب ويقرر الاستمرار والمشاركة بالتظاهرات حتى سقط مبارك وواصل البلقا الذي لم يتجاوز الرابعة والعشرين عامًا المشاركة والخروج في الفعاليات التي تنظمها جماعة الإخوان المسلمين باعتباره أحد أعضائها وقبل شهر ونصف قام بتجهيز حقيبته بعدما انتوى الاعتصام بميدان رابعة العدوية رفضًا للانقلاب العسكري مقسمًا ألا يترك الميدان إلا بعودة الشرعية أو الموت شهيدًا وقد بلغه الله الثانية. وفي يوم جنازته أكد "أمين البلقا" والده أنه اليوم يعد يوم زفاف نجله وليس يوم جنازته وقام بإلقاء الحلوى على الحاضرين ليحول المشيعون الجنازة إلى تظاهرة مرددين خلالها "يسقط يسقط حكم العسكر ... الإعلام كداب كداب إبن البلقا مش إرهاب ... يا اللى اديت للسيسي تفويض إنت قلت كام شهيد". أما الطالب عبد الرحمن طه البالغ من العمر 17 عامًا فكانت آخر كتاباته على موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك: "شفت الموت بعينى محدش حكالى شفت الموت بعينى وأنا سلمى محدش حكالى ولا قال لى وشفت حاجة كمان شفت ام ماشية تنادى وتقول قتلوا ابنى امبارح يا مصريين قتلوا ابنى يا مصريين اتفطرت ساعتها من العياط وقلت كان ممكن دى تكون امى وانا ابنها عشان كده بقول لامى وكل اللى يعرفنى اعوه حد يعيط عليا والا هبقي زعلان منه انا يومى هيبق يوم عيد لانى بدافع عن دينى وعن بلدى الإسلامية اللى عايزنها تبق علمانية لا دا مش هيحصل وانا موجود يومى يكون يوم زغاريد وعيد خلاص يا ماما وياكل من عرفنى " . ولم تفرق طلقات الرصاص بين منتمين للإخوان أو مناهضين لهم فقد طالت الطلقات "عادل إبراهيم السعيد" الذي سقط جراء الاشتباكات التي شهدها محيط حي الجامعة بين قوات الأمن والمتظاهرين، ليسقط عادل بعد إصابته بطلق ناري في الفخذ ولم تتمالك والدته دموعها وهي تقول "انتظرته ولم يأت ولكنه كان في المشرحة"، متسائلة والدموع تذرف من عينها من سيربي أطفاله الصغار، مؤكدة أنه خرج لشراء مستلزمات البيت لكنه لم يعد. وفي جنازة شعبية مهيبة خرج الآلاف من أبناء قرية "قرقيرة"، التابعة لمركز السنبلاوين، في حالة من الحزن والبكاء لتشيع جثمان اللواء مصطفى إبراهيم الخطيب، مساعد مدير أمن الجيزة، والذي استشهد بقسم شرطة كرداسة جراء الاشتباكات التي نشبت بين مؤيدي المعزول وقوات الأمن وحاول خلالها مؤيدو المعزول اقتحام القسم وقتل ضباطه وأفراده. ووصل جثمان الشهيد الذي انتظره أهله وأقاربه على مدخل القرية ملفوفًا بعلم مصر وحملة الأهالي على الأعناق حتى المسجد وشارك بالجنازة اللواء عمر الشوادفي، محافظ الدقهلية، واللواء سامي الميهي، مدير الأمن، والعديد من القيادات التنفيذية والشعبية بالمحافظة وعدد كبير من وضباط وأفراد مديرية أمن الجيزة، وتم وضع الجثمان على سيارة مطافئ تقدمتها الموسيقى العسكرية وأشقاء الشهيد والمحافظ ومدير الأمن والقيادات الأمنية والشعبية وخلف الجنازة سار مئات السيدات تتقدمهم زوجة الشهيد وبنتيه نورهان وناريمان. وعقب انتهاء مراسم الدفن تحولت الجنازة الشعبية المهيبة لتظاهرة لرفض العنف والإرهاب ردد خلالها أفراد الشرطة والأهالي هتافات عدة ومنها "يا شهيد نام وارتاح وإحنا نكمل الكفاح" و" يا شهيد نام واتهنا واستنانا على باب الجنة" و"بالروح والدم نفيدكي يا بلدنا".