في تقرير شامل رصدت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية تفاصيل الاتصالات المكثفة التي جرت بين مسؤولين أمريكيين وقيادة الجيش المصري والحكومة لمنع وصول البلاد إلى حافة الحرب الأهلية ، وأكدت الصحيفة في تقريرها أن الدبلوماسيون الأمريكيون والأوروبيون.. كانوا يأملون في تعزيز موقف المسؤولين القليلين داخل الحكومة المصرية الإنتقالية الداعمون لسياسة شاملة يرأسهم نائب الرئيس المصري وقتها، محمد البرادعي. وقالت الصحيفة أنه بععد المذبحة الثانية في 26 يوليو حادثة المنصة أراد البرادعي أن يستقيل غير أن وزير الخارجية الأمريكي أقنعه بالعدول عن ذلك بحجة أنه أكثر الأصوات العاقلة –إن لم يكن الوحيد- التي تدعو لضبط النفس داخل الحكومة. غير أن الفريق السيسي لم يثق أبداً في البرادعي، بحسب الصحيفة. وعلى الجانب الآخر كان هناك مجموعة صغيرة من ضباط الجيش المقربين من السيسي يرون أن الفرصة أخيراً سنحت للتخلص من جماعة الإخوان المسلمين. ومن بين هذه المجموعة اللواء محمد التهامي، رئيس المخابرات العامة، والذي يعتبره السيسي معلمه وبمثابه أب له، واللواء أركان حرب محمد حجازي، الذي خلف السيسي في رئاسة المخابرات الحربية. ومع غياب أي ردود فعل عقابية على مصر بعد عمليتي القتل الجماعي ضد المتظاهرين، أكد العديد من المحللين في الخارج أن هؤلاء المتشددين داخل السلطة الجديدة سيصبحوا أكثر جرأة. وقالت الصحيفة أن المبعوث الأمريكي للقاهرة، ويليام بيرنز، تمكن من الوصول لخطة بمساعدة نظيره في الإتحاد الأوروبي، برناردينو ليون، يقوم بموجبها الإخوان المسلمين بحصر تظاهراتهم في ميدانيين وتقليل عدد الحشود وإدانة العنف علناً، وفي المقابل تصدر الحكومة بياناً مماثلاً تتعهد فيه بالإلتزام بعملية سياسية شاملة تسمح لأي حزب المنافسة في الإنتخابات، وكدليل على حسن النية تطلق رئيس البرلمان المنحل، سراح سعد الكتاتني، وأبو العلا ماضي، مؤسس حزب الوسط. حيث كان الدبلوماسيون الغربيون يشعرون أن الكتاتني بالتحديد أثبت أنه صوتاً براجماتياً قادر على الوصول للتسوية. ولكن في 4 أغسطس فاجأت الحكومة المصرية الدبلوماسيين الغربيين بتوجيه تهم بالتحريض على القتل لمرشد الجماعة، محمد بديع، وخيرت الشاطر القائد الأكثر تأثيراً داخل التنظيم. وما زاد الصدمة أن الإتهامات الجديدة جاءت بعد ساعات قليلة من السماح لبيرنز وليون بلقاء الشاطر والذي وافق على الحاجة الملحة للحوار ولكنه لم يؤيد هذه المقترحات. غير أن الدبلوماسيين كانا لا يزالان يتشبثان بالأمل أنهما تمكنا من إقناع الحكومة، فقام ليوم بالإتصال بالقيادي الإخواني عمر دراج في صباح يوم 6 أغسطس وأخبره أن ينتظر إطلاق سراح الكتاتني وماضي خلال ساعات. ولكن عندما لم يحدث شئ، إتصل دراج بليون الذي أكد له أن لا شئ يثير القلق وأن الحكومة الجديدة على الأرجح أجلت عملية إطلاق سراحهما ليوم لتجنب الظهور بأنها إنحنت للضغوط الأمريكية. تصاعد التوتر وفي الخامس من أغسطس وصل عضوا الكونجرس الأمريكي، جون ماكين وليندسي جراهام، للقاهرة وسط تصاعد التوتر. وبدءا رحلتهما بزيارة السفيرة الأمريكيةبالقاهرة، آن باترسون. وقال جراهام "كان بإمكانك أن ترى على وجهها أن أحداً لا يسمع". وأضاف أن المسئولين بالإدارة الأمريكية طلبوا منهما أن يضغطا على الحكومة المصرية من أجل إطلاق سراح الكتاتني وماضي وأن يضغطا على الإخوان المسلمين لسحب الناس من الشوارع. وقال جراهام أنه حذر الجانب المصري من أن الولاياتالمتحدة ستضطر في النهاية إلى قطع المساعدات لمصر إذا لم يتم إقامة إنتخابات تعديل الدستور. وأشار جراهام إلى أنه جادل السيسي قائلاً "إذا ترشح مرسي للإنتخابات في أي وقت قريب فإنه سيلقى خسارة فادحة. ألا توافق على ذلك؟" فأجاب السيسي "بكل تأكيد". ثم رد بعدها جراهام قائلاً "إذاً ما تفعله الآن هو أنك تصنع منه شهيد. إن الأمر لم يعد يتعلق بمدى سوء إدارتهم للبلاد ومدى تهميشهم للمؤسسات الديموقراطية. إنه يتعلق بك". أما اللقاء مع رئيس الوزراء، حازم الببلاوي، فكان أكثر توتراً، حيث قال جراهام بأنهما عندما غادرا اللقاء قال لماكين "إذا كان صوت هذا الرجل مؤشراً على الموقف (الحكومي)، فإنه لا مخرج من هذا الأمر". وعندما بدأ الإعلام الرسمي المصري يسرب تقارير عن بيان وشيك من الحكومة يعلن عن فشل الجهود الدبلوماسية، صعق عضوا الكونجرس وأخذا يسارعان من أجل تأجيله. وفي اليوم التالي أكد المبعوث الأوروبي، برناردينو ليون، للإسلاميين أنه على الرغم من فشل الضغوط للإفراج عن الكتاتني وماضي إلا أن السلطة المصرية الجديدة وافقت على الأقل على سحب البيان. ولكن بعد نصف ساعة أصدرت الحكومة البيان رغماً عن ذلك. وقالت الصحيفة أن الأمريكيين والأوربيين كانوا غاضبين ويشعرون بأن الحكومة المصرية خدعتهم وتلاعبت بهم. وقال دراج في حوار مع الصحيفة الأمريكية "لقد تم إستخدامهم لتبرير العنف. لقد تم إحضارهم حتى تتمكن حكومة الإنقلاب من الزعم أن المفاوضات قد فشلت، على الرغم أنه في الواقع لم تكن هناك مفاوضات". وأشارت الصحيفة إلى أن المبعوث الأمريكي، ويليام بيرنز، غادر بعدها القاهرة وهو يشعر بنذر شر. فيما قال الدبلوماسيون الغربيون بالقاهرة أنهم على عكس تصريحاتهم المعلنة فإنهم أيضاً فقدوا الأمل. وفي محاولة أخيرة لمنع العنف، إتصل هيغل بالسيسي يوم 9 أغسطس وتحدث معه في مكالمة إستمرت 90 دقيقة حث فيها هيجل السيسي بشدة على ضبط النفس وتجنب العنف وإحترام حرية التجمع والتحرك نحو مرحلة إنتقالية سياسية شاملة. ولكن داخل الحكومة المصرية كان النقاش الوحيد حول التكتيكات ومن سيتحمل اللوم. وبحسب دبلوماسيين ومسؤوليين مصريين، فإن اللواء محمد إبراهيم، وزير الداخلية، كان مقتنعاً بأن القوة الغاشمة هي السبيل الوحيد لفض الإعتصامين، ولكنه كان يخشى أن يتم إستخدامه ككبش فداء إذا ساءت الأمور بشدة. وفي مساء يوم الأحد الماضي، أخبر مسؤولون بالداخلية الصحفيين أن الشرطة ستبدأ التحرك فجر الإثنين لتضييق الخناق على المعتصمين وقطع المياه والغذاء عنهم وأنها ستلجأ للتصعيد التدريجي للقوة الغير فتاكة. غير أن الدبلوماسيين أكدوا أن وزير الداخلية أعاد النظر في تلك الخطة طوال الليل خوفاً من أن المنهج التدريجي سيكشف الشرطة ويجعلها عرضة لإنتقام الإخوان الذي كان سيتلقى أيضاً اللوم عليه. وبعد يومين أخبر وزير الداخلية والحكومة البرادعي أن لديهم خطة جديدة لتقليل الخسائر وهي إستخدام القوة القصوى للإنتههاء من الأمر سريعاً، ووافق الجيش على دعم الشرطة. ولكن الهجوم في صباح اليوم التالي أسفر عن مقتل أكثر من 600 شخص وبدأت الأرقام تتصاعد، مما دفع البرادعي للإستقالة. ومع وصول مشاهد قوات الأمن المصرية وهي تفتح النار على المتظاهرين لشاشات التلفزيون في واشنطن عاود هيجل الإتصال بالسيسي مرة أخرى وحذره من أن العنف وضع "عناصر مهمة في التعاون الدفاعي المشترك بيننا في خطر"، وهي النقاط نفسها التي أوضحها كيري لوزير الخارجية المصري في الوقت نفسه. وبدأ المسؤولون الأمريكيون بعدها في فتح قنوات الإتصال مع الجانب المصري، حيث تحدث كيري مع نبيل فهمي ليحث الحكومة على تعيين مبعوث للتفاوض مباشرة مع الإسلاميين.