يقولون فى المثل إن لسان العاقل في قلبه، وقلب الأحمق في لسانه. وأن السَّرْج المُذهَّب لا يجعلُ الحمار حصانًا. وأن الذي لا يعرف الصقر يشويه. وأن الحافى يسخر من الناعل. وأنه لا مصيبة أعظم من الجهل. وأن لسان الجاهل مفتاح حتفه، كل ذلك أمثلة مهمة عن الحمقى، فلا تكن صديقى القارئ أحمقًا وجاهلًا. فلا مصيبة فى الدنيا أعظم من الجهل والحمق. فالمحتمي بالأحمق عريان، لأنه محتمى ببيت العنكبوت. فانتبه لتلك السطور جيدًا، وفتش عن الروايات ومقاصدها وركز قبل فوات الأوان. فمنذ الإنذار الأول الذى أصدره وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسى فى 23 يونيه 2013، وحتى اليوم الثالث من يوليو 2013 تاريخ نزعه من الحكم، قضى الرئيس محمد مرسى عشرة أيام كاملة فى السلطة. والناظر لتلك الأيام والباحث عن تفاصيلها، سيسمع من الميادين المختلفة كلامًا متناقضًا ومهمًا فى نفس الوقت. فقد أجمعت الروايات التى سمعتها عبر الميادين المختلفة، والواردة عبر بريدى الإليكترونى من أصدقاء معروفين ومجهولين، بأن الرئيس مرسى قضى أيامه الأخيرة فى مكتب خصص له فى فيلا داخل الحرس الجمهورى. فقبل هذا الإنذار بيومين، وبالتحديد يوم 21يونيه 2013 اجتمع الرئيس السابق عقب صلاة الجمعة مباشرة مع فريقه الرئاسي ومساعديه فى جلسة مغلقة استمرت حتى ساعات الصباح الأولى. وفى يوم السبت الموافق 22يونيه 2013 التقى مع فريقه الإعلامى. حيث التقى بالدكتور عبد المجيد مشالي، وهو أحد كوادر الإخوان ورجل عمال، والمسئول عن هذا الفريق. وكذلك الدكتور سامع العيسوى، وكان من ضمن الحملة الإعلامية لمرسى فى الانتخابات الرئاسية. وحضر اللقاء أيضًا مستشاره الإعلامي أحمد عبد العزيز، كمسئول عما يحدث فى مبنى التليفزيون من بث، وأيضًا باعتباره الذى يتعامل مباشرة مع العقيد شريف اللبان، والمقدم هاني السيد غراب، والرائد أحمد عبد النعيم، والعقيد حمدي سنجر من الحرس الجمهورى، فى ترتيب اللقاءات واستقبال الضيوف الحاضرين لمقابلة الرئيس. وأيضًا حضرها المهندس أسعد الشيخة، وهو أحد رجال الأعمال الإخوان وبلديات الرئيس مرسى ومن نفس قريته العدوة مركز ههيا محافظة الشرقية، باعتباره نائب رئيس الديوان الرئاسى. وكان صدور الإمهال الأول، ولمدة أسبوع، من قبل الفريق عبدالفتاح السيسى يوم 23 يونيه 2013، استجابة للفعاليات التى حدثت الجمعة 21 يونيه هو بداية الشرر. حينها ترددت الأنباء عن إقدام الرئيس على إقالة وزير دفاعه. لكن أعتقد أن مرسى لو أقال الفريق عبدالفتاح السيسى من وزارة الدفاع حينها، كانت أيضًا ستكون نهايته الحتمية لا محالة، بل لعل مصارحته الأولية للإخوان يوم 24 يونيه 2013عن نيته لإصدار هذا القرار، ثم تراجعه عنه، إنما ترجع لإدراكه لردة الفعل القوية للجيش، وأنه لن يرضى بهذه الإقالة قطعًا. كون السيسى قد أصبح بعد البيان ملهمًا لكل القيادات العسكرية والشعبية. وأن تفكير الرئيس مرسى فى إقالته وتراجعه فيها، تعود لإدراكه باستحالة تنفيذها على أرض الواقع. وعلى هذا أصبحت نبرة السيسى ولغة خطابه تتجاوز لأول مرة خطاب رئيسه التنفيذى المباشر. كل هذا التدافع بالطبع كان يحدث بعيدًا عما يجرى فى الشارع استعدادًا ل30 يونيه. ما يعنيا فى تلك الأيام الأخيرة لمرسى ورجاله فى الحكم، أن الروايات لم تنس ذكر الدكتور أيمن علي، وهو المشرف علي ملف الإعلام الرئاسي، ومن أعضاء تنظيم الإخوان الدولي، ومستشار الرئيس لشئون المصريين بالخارج، وبأنه كان دائم الحضور لتلك الاجتماعات الأخيرة مع الرئيس. وجدير بالذكر، أن الدكتور أيمن علي هو شقيق الدكتور إيهاب علي، طبيب الفريق الأول لكرة القدم بالنادي الأهلي، وهو مقيم بالنمسا مع أولاده الذين يحملون جنسيتها. ومن ثم كانت اجتماعاته مع باقي الفريق الإعلامي بمثابة ترتيب للأولويات وتوزيع للمهام، وإصدار للبيانات الرئاسية ليلقيها المتحدثون الرسميون. وبالطبع لا يمكن نسيان حضور السفير عمر عامر، المتحدث الرسمى للرئاسة، لهذه الاجتماعات. ناهيك عن دوام جلوسه مع الدكتور عبد المجيد مشالي، لتوفير مادة إعلامية لمداخلات الفضائيات وبرامج التوك شو. فضلًا عن ذهابه يوم 30 يونيه لقصر القبة لإجراء مؤتمره الصحفى الشهير، ثم رجوعه للحرس الجمهورى مرة أخرى. وقيل بأن الدكتوره باكينام الشرقاوى هى التى كانت تلتقى به لتطلعه على صعوبة الموقف، وأنه لابد من التصرف. وقيل أيضًا بأن طريقتها فى الإدارة هى التى جعلته يهدد بالانسحاب من المشهد يوم الاثنين الأول من يوليو 2013، وبالرجوع مرة أخرى لعمله بوزارة الخارجية. غير أن إحدى الروايات تقول إن الأمر ليس كذلك، وأن سماعه برغبة إيهاب فهمي، المستشار بالخارجية، هو الذى جعله يفكر فى هذا الانسحاب جديًا. حيث عقد فهمى مؤتمرًا هزيلًا عصر 30 يونيه، بعدها أشاع أنه ترك منصبه بحجة إصابته بجلطة. لا غرابة إذًا، فى أن تتحدث الروايات عن اجتماع الرئيس مرسى بالعديد من الشخصيات يوم 30 يونيه 2013، اليوم الذى خرجت فيه الملايين لتطالب بانتخابات رئاسية مبكرة، وعزله من منصبه. فعلى مدار اليوم والليلة، لم تنقطع الوفود القادمة لأرض الحرس الجمهورى. وقيل إن غالبيتهم كانوا أشخاصًا غير معروفين، جاءوا ليجتمعوا مع أحمد عبد العاطي. وتحدثت الروايات بأن الرئيس التقى يومها مع وزير الاستثمار يحيى حامد. فضلًا عن تكليف الدكتور عصام الحداد وخالد القزاز لسكرتير أول الرئيس ببعض المهام. فحسب الروايات، بأنه كان دائم الدخول لقاعة الاجتماعات، ثم الخروج منها لغرفة العمليات بصحبة خالد القزاز أو أحمد عبد العاطي أو محمد حافظ. وقيل إن الابن الأصغر للدكتور مرسي، عبد الله، حضر للمكان بعد منتصف الليل، ودخل لقاعة الاجتماعات من الباب الخلفي للحرس الجمهوري. ليجتمع مع والده لمدة نصف ساعة، ثم خرجا سويًا متجهين لمقر الإقامة، المعروف بالهليثي Healthy . وبمجرد انصراف الرئيس في تمام الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، طلب أحمد عبد العاطي وباقي الفريق الرئاسى المبيت فى المكان، على الفور سلمهم العقيد هانى ما يلزمهم من تجهيزات من إدارة العهدة بمخازن الرئاسة، وتم إعداد أماكن للمبيت. وحسب الروايات، كان أعضاء الفريق يسمعون أصوات الشباب أمام نادي هليوبوليس، ويرون الألعاب النارية في سماء المنطقة المحيطة بقصر الاتحادية. وللحديث بقية فى المقال المقبل بمشيئة الله. د. أحمد عبد الدايم محمد حسين- كاتب ومحلل سياسى Ahmedabdeldaim210@hotmail,com