يضم هذا الكتاب عبر صفحاته وقائع مواجهة فكرية مع الدكتور رفعت السعيد ، أحد القيادات البارزة ، والصاخبة ، في اليسار المصري ، والمواجهة خضتها من خلال جريدة الشعب المعارضة ، على مدار عدة أعداد ، وكانت المواجهة ، فيما يبدو ، صدمة مفاجئة للرجل ، أعجزته عن الرد ، وهو المشهور بأنه لا يترك شاردة ولا واردة مما يمسه أو يتعلق بقضيته إلا ويرد عليها ردا مريرا ومتعجرفا ، ثم كانت الواقعة التي صدمت الرأي العام أن يلجأ الرجل إلى رفع دعوى قضائية ضدي مطالبا بحبسي ، بسبب هذه المقالات ، رغم أنه كان من أعلى الأصوات التي تهاجم من يرفعون القضايا ضد الكتاب والمثقفين ، ويهاجم الإسلاميين على وجه الخصوص بدعوى أنهم يجرجرون أصحاب الأقلام إلى المحاكم ، ويؤكد على أن الرأي لا يواجه إلا بالرأي ، ولذلك فقد آثرت أن أسجل وقائع هذه المواجهة الفكرية ، وملحقها القضائي ، في هذا الكتاب ، تذكارا لتاريخنا الفكري والسياسي .. إن الحياة الفكرية في أمة من الأمم ، هي الحاضنة للنمو الحضاري والإنساني المعبر عن هواجس هذه الأمة وقلقها وطموحها .. ومن ثم ، تكون المشاركة في خضم هذه الحياة الفكرية وقضاياها ومشكلاتها وتبايناتها ، نوعا من المسئولية والأمانة ، تلزم الخائض فيها ، من المفكرين والمثقفين والعلماء ودعاة الدين بحدود ضرورية من النزاهة والأمانة واستشعار حجم التبعية الملقاة على عاتقه نحو أمته وحاضرها ومستقبلها ، وتكون محاولة العبث بحياتنا الفكرية أو تلغيمها أو تحويلها إلى ساحة ضيق الأفق والخلق لتصفية حسابات سياسية أو عقائدية ، يكون ذلك كله جريمة ترتكب في حق الوطن وإنسانه ومستقبله ، لأنه يحرمه من ثمار الحوار الوطني الإيجابي البناء والخلاق ، ويعزز من الصدع في البناء النفسي والفكري والحضاري في المجتمع ، لأن العابث واللا مسئول ، يبحث عن مبررات الفرقة والقطيعة والتدمير ، وليس عن إمكانات الحوار والتلاقي والبناء .. والكتاب الذي بين يدي القارئ الآن ، هو محاولة محدودة لتطهير حياتنا الفكرية من إحدى أبشع صور العبث واللا مسئولية ، وهي تلك التي يمارسها أحد الكتاب الماركسيين المعروفين . والكتاب وإن كان يتخذ من نتاج هذا الكتاب نموذجا لكشف أسلوب العبث والتخريب وتلغيم الحياة الفكرية ، ونسف أي جسور للحوار الوطني البناء ، إلا أنه لم يقصد الكاتب بشخصه ، وإنما كرمز ونموذج فكري يمكن أن يقيس عليه القارئ لمعرفة أساليب أخرى ، لعابثين آخرين وما أكثرهم الآن عسى أن تتمكن الأمة من محاصرة خطرهم ، وتحجيم آثار تخريبهم في حياتنا الفكرية وحوارنا النهضوي .. لقد تحولت جهود فريق من الماركسيين بفعل مرارة الإحباط لاحتراق مشروعهم الفكري والسياسي والإنساني ، إلى رغبة عارمة في حرق الدار كلها ، وتخريب أي مشروع وطني نهضوي جاد ترتضيه الأمة ، أو تميل إليه ، وتحول بعض (المنظرين) الجدد للماركسية إلى ما يشبه (مقاولي الهدم) لما تبقى من بناءنا الفكري والنفسي والإنساني ، مع قدرة مذهلة على القفز بين المبادئ والمواقف والرايات ، سواء كانت راية الماركسية ، أو عمامة الدين ، أو عباءة السلطة ، أو خنادق المعارضة . ومن أجل وقف ذلك العبث ، وتلك الجرائم ، صدر هذا الكتاب القاهرة : رمضان 1418 ه يناير 1998 م