قد يتساءل الكثيرون عن أصل تسمية مصر بلقب "أم الدنيا" ، وهو اسم عرفت به مصر منذ زمن بعيد، لكن دون أن ندرى سببه، واللافت أن البعض قد يراها تسمية غير حقيقية، ولا أصل لها، وأن المصريين هم من ابتكروها حتى يضيفوا شرفًا لأنفسهم وإلى بلادهم، وحتى يتفاخروا بهذه التسمية على غيرهم من الشعوب، وهذا وللحق تفسير غير دقيق، فهذه التسمية لها أصل دونما ريب، فيرى البعض أنها قد ترجع لقدم تاريخ مصر، ولأن حضارتها أقدم حضارة عرفها الإنسان والتي ترجع إلى أكثر من سبعة آلاف سنة، ولهذا دعا بعض المؤرخين مصر بأنها "أم الحضارات"، بينما ذهب آخرون إلى أن أصل لقب أم الدنيا أنه يرتبط بالسيدة هاجر المصرية، فهي زوج النبي إبراهيم، عليه السلام، وهي أم إسماعيل، عليه السلام، وهو أبو العرب كافة، وهم ينتسبون إليه، ويعرفون باسم بني إسماعيل أو الإسماعيليين، ولذا فهاجر، كما يقول المؤرخون، هي أم العرب، ولأن هاجر مصرية الأصل فصارت مصر أما للعرب جميعًا، وقد أوصى النبي، صلى الله عليه وسلم، أصحابه بأهل مصر خيرًا، لأن لهم ذمة ورحمًا، والذمة لزواج النبي، صلى الله عليه وسلم، من أم المؤمنين مارية القبطية، رضي الله عنها، أما الرحم فهو لزواج النبي إبراهيم، عليه السلام، من السيدة هاجر المصرية، وربما يكون لهذه الأمور الآنفة اعتبارها في تسمية مصر بأم الدنيا، وأنها تؤكد ذات الدلالة التي تشير إليها التسمية، لكن الذي ربما لا يعرفه الكثيرون أن لهذه التسمية أصلًا قديمًا، حيث ورد في حديث رواه ابن عباس رضي الله عنه، يتحدث فيه عن قدوم مصرايم بن حام بن نوح، ويقال له أيضًا مصر، وهو حفيد النبي نوح، عليه السلام، وهو الذي ينتسب إليه المصريون، ثم عرفوا باسمه بعدئذ، فقد جاء مصرايم إلى أرض مصر حتى يسكن بها هو وأولاده وذلك بعض الطوفان، وقبل أن يجيء مصرايم إلى مصر طلب من جده نوح، عليه السلام، أن يدعو له ولبنيه، وأن يدعو بالبركة للأرض التي سوف يسكنوا فيها، وهي أرض مصر عندئذ، دعا له جده نوح بالدعاء الذي رواه ابن عباس، وقال : "اللهم بارك فيه وفي ذريته، وأسكنه الأرض المباركة، التي هي أم البلاد، وغوث العباد، واجعل نهرها أفضل أنهار الدنيا، واجعل فيها أفضل البركات"، وقد ورد في دعاء النبي نوح اسم "أم البلاد"، وهو الاسم الذي صار يرتبط بأرض مصر، وصار علمًا عليها، باعتبار أن مصر هي أم البلاد، ثم صارت بعدئذ تعرف باسم "أم الدنيا"، ثم استخدم المصريون لفظ "أم البلاد" الذي ورد في ذلك الدعاء في النشيد الوطني لمصر، والذي يقال فيه: مصر يا أم البلاد، وقد وردت تلك الرواية التي رواها ابن عباس عند عدد كبير من المؤرخين العرب والمسلمين القدامى وهم يتحدثون عن مناقب مصر وفضائلها، وممن ذكر تلك الرواية : السيوطي، وابن عبد الحكم، وابن زولاق، وابن الكندي، والقلقشندي، وابن إياس، وابن تغري بردي، وابن خلدون ...إلخ. ولعل ذكر دعاء النبي نوح لمصر عند هؤلاء المؤرخين وعند آخرين غيرهم ليؤكد تواتر هذه الرواية وذيوعها، وأن اسم أم الدنيا كان يرتبط بمصر منذ زمن بعيد قبل أيام هؤلاء المؤرخين، وهذا يعني أن تلك التسمية حقيقية، ولها أصل تاريخي قديم، وليست بدعة أو تسمية مختلقة ابتدعها المصريون حديثًا لبلادهم كما قد يتصور البعض من غير المصريين..... * باحث فى مقارنة الأديان