باتت المهمة الأولى في إسرائيل مع نهاية الأسبوع التصدي لمحاولات رفع الحصار عن غزة رغما عنها. "الورطة" حسب تعبير الإعلام الإسرائيلي أو "الفضيحة" على حد تعبير وسائل أخرى قد تشكل أزمة جدية للقيادة السياسية في إسرائيل أزمة قد تهدد مستقبلها وتعزز مخاوف واشنطن من فشل المحادثات الغير مباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين ودخول "عملية السلام" المترنحة في سبات عميق . الولاياتالمتحدةالأمريكية استطاعت خلال في شهر مايو الماضي النجاح في إقناع الرباعية العربية والفلسطينيين بالعودة إلى طاولة المفاوضات حتى وإن لم تكن مباشرة. ووفق المصادر الدبلوماسية، فقد وافقت تل أبيب على قبول صيغة "عدم القيام بنشاطات يُمكن أن تحرج الجانب الآخر" في إشارة إلى موافقة إسرائيلية غير معلنة على وقف البناء في الأحياء العربية في القدس وتحديدا الألف وستمائة شقة في مستوطنة رامات شلومو. إسرائيل وافقت - وفق نفس المصادر التي تحدثت ل swissinfo.ch - على نقل مناطق إضافية من مناطق "ب" و"ج" إلى سيادة السلطة الوطنية الفلسطينية ويبدو أن فحصا أمريكيا لقدرات أجهزة الأمن الفلسطينية من ناحية العدد والعتاد هو الذي قلص عدد المناطق المفروض نقلها للسيادة الفلسطينية حسب التفاهمات الإسرائيلية الامريكية. إسرائيل وافقت أيضا على السماح للشرطة الفلسطينية العمل في مناطق "ج" الواقعة تحت السيطرة الأمنية والمدنية الكاملة لإسرائيل في الضفة الغربية وفتح أكثر من عشرين مخفرا في هذه المناطق وعلى رفع سواتر ترابية وحجرية، وضعتها منذ بداية الانتفاضة الثانية، شكلت حواجز منعت سكان القرى الفلسطينية المحاذية لشوارع رئيسية في الضفة الغربية من استعمالها وجعلتها حصرا على المستوطنين. بالإضافة إلى ذلك، تمت الموافقة على الإفراج عن أسرى فلسطينيين يتراوح عددهم بين الألف والألفين "على الرغم من" عدم الإفراج عن جلعاد شليط الجندي الإسرائيلي المخطوف في قطاع وفتح مؤسسات فلسطينية تم إغلاقها في القدسالشرقية والموافقة على تمديد فترة تجميد البناء في الضفة الغربية بعد انتهاء المدة التي أعلنتها إسرائيل في أيلول القادم وموافقة إسرائيل أيضا على طرح كافة مواضيع الحل النهائي بما فيها القدس واللاجئين والحدود في المفاوضات الغير مباشرة بين الطرفين. البيت الأبيض "يُلمح".. يوم الثلاثاء الفاتح من يونيو 2010، كان من المفروض أن يجتمع بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية بالرئيس الأمريكي باراك اوباما في واشنطن. وفي يوم الاثنين الواحد والثلاثين من مايو، وبعد أن وصلت المعلومات عن أحداث "أسطول الحرية" إلى نتنياهو خلال زيارته إلى كندا، تردد في إلغاء لقاءه المقرر مع الرئيس الأمريكي أم لا. وفي بداية الأمر، قرر إلغاء اللقاء وأمر مرافقيه بالاستعداد للعودة إلى إسرائيل بعدها غير رأيه وقرر البقاء وبعدها عاد وألغى اللقاء نهائيا. بعض المصادر المطلعة على التفاصيل أفادت swissinfo.ch هذا الأسبوع أن أوساطا في البيت الأبيض "ألمحت" إلى ضرورة إلغاء اللقاء والعودة فورا إلى البيت. وفي إسرائيل، كان هناك من تحدث عن "ضعف" رئيس الحكومة وتردده في اتخاذ القرارات بالإضافة إلى كون رئيس الحكومة الإسرائيلي قابلا للرضوخ للضغوطات بسهولة. وهناك أيضا من قال إنه كان من الأفضل لنتنياهو عدم الإجتماع مع اوباما في الظروف المستجدة لأن الحديث عن المفاوضات مع الفلسطينيين وطلب إسرائيل إفشال محاولات إجبارها على نشر وفتح ملفها النووي كان سيُستبدل بجلسة استماع لنتنياهو حول ما جرى في المياه الدولية وسيؤدي إلى جلوسه على كرسي الإتهام أمام الرئيس الأمريكي. الرواية الإسرائيلية.. والأسئلة الصعبة بالعودة إلى الرواية الإسرائيلية لأحداث أسطول الحرية، نجد أنها تتحدث عن "أسطول جمع على متنه مجموعة من المرتزقة والإرهابيين الذين انضموا إلى الأسطول لهدف واحد هو الإعتداء أو خطف أو قتل جنود إسرائيليين وليس لمهمة إنسانية تهدف لإيصال مساعدات غير عسكرية لغزة المحاصرة.. وإنهم لا يمكن أن يكونوا بأي شكل نشطاء حقوق إنسان". ويضيف أصحابها أن روايات الجنود الإسرائيليين العائدين من على متن السفينة "مرمرة الزرقاء" والصور المأخوذة من كاميرات السفينة وطواقم الصحافة الأجنبية التي كانت عليها وكاميرات جنود الوحدات الخاصة ستمكن إسرائيل من إثبات ذلك أمام أية لجنة تحقيق سواء إسرائيلية او دولية . غير أن روايات أولئك الجنود تطرح مجموعة من الأسئلة الصعبة أمام إسرائيل وتحديدا بوجه "المستوى السياسي فيها" على حد تعبير دان مريدور، عضو اللجنة الوزارية السباعية والوزير المكلف بالإشراف على عمل أجهزة الإستخبارات الإسرائيلية. القوة التي اختيرت لتنفيذ العملية على متن السفينة التركية "مرمرة الزرقاء" كانت على ما يبدو من المستجدين أو من الملتحقين حديثا بالوحدة الإسرائيلية الخاصة "الشبه أسطورية" في مكانتها في أذهان الإسرائيليين. هذه الحقيقة بالإضافة إلى سير الأحداث على سطح السفينة تدل على فشل أجهزة المخابرات الإسرائيلية في جمع معلومات كافية حول السفينة وركابها وطبيعة المجموعات الموجودة على متنها ونوايا هذه المجموعات في التصدي للجنود الإسرائيليين وبالتالي في نقل هذه المعلومات للمستويات العسكرية المسؤولة عن التخطيط للعملية واتخاذ القرار بشأن الوحدات المناسبة لتنفيذ العملية. معلومات أخرى تسربت هذا الأسبوع تحدثت عن خلافات بين الشرطة الإسرائيلية والجيش في مراحل التخطيط للعملية. ففي حين أرادت الشرطة أن تقوم وحداتها الخاصة "اليمام" بتنفيذ العملية، أصر الجيش على أن تقوم وحدته العسكرية الخاصة بالعمليات في البحر "شييطت 13 " بتنفيذ العملية . وفق الإستنتاجات التي توصلت لها "لجنة فينوغراد" التي حققت في نتائج الحرب الإسرائيلية الثانية على لبنان (صيف 2006)، هناك مجموعة واضحة جدا من الخطوات التي يجب على المستوى السياسي القيام بها قبل اعطاء الضوء الأخضر لتنفيذ العملية. ويبدو - وفق المصادر الإعلامية الإسرائيلية المطلعة - أنه لم يتم الإلتزام بأي من هذه الخطوات أو البنود. رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو كان في زيارة رسمية إلى كندا يوم تنفيذ العملية، وحسب القانون الإسرائيلي يتم نقل مهامه إلى أحد نوابه إلى حين عودته من الخارج. الوزير بوجي يعلون، رئيس هيئة الأركان الإسرائيلية السابق كان رئيس الحكومة الفعلي في تلك الفترة لكن - وفق مقربي يعلون - فان الجيش الإسرائيلي والمسؤول عنه وزير الدفاع ايهود براك عزلاه تماما عن أية معلومات لها علاقة بالعملية ومنعاه عمليا من ممارسة مهامه القانونية. الموقف من تركيا وفق المفهوم الإسرائيلي، تعتبر تركيا إحدى أكثر الدول أهمية لإسرائيل في المنطقة. كما أن العلاقات السياسية والاقتصادية والأهم، العسكرية الإستراتيجية، بين تل أبيب وأنقرة تعتبر حيوية من الدرجة الأولى لإسرائيل. في المقابل، يتضح أن العلاقة مع تركيا تسير نحو التصادم في الفترة الأخيرة. فعلاقة تركيا بأسطول الحرية كانت واضحة وبادية للعيان للمستوى السياسي الإسرائيلي على الأقل من خلال حقيقة أن النسبة الأكبر من النشطاء على متن الأسطول القادم إلى غزة يحملون الجنسية التركية. أما السؤال المطروح اليوم بشدة في إسرائيل فهو: ما حجم وجدية الجهد الذي بذل من خلال القنوات السياسية والدبلوماسية قبل مغادرة أسطول السفن وقبل مقتل تسعة مواطنين أتراك على أيدي قوات عسكرية إسرائيلية خاصة؟ وهل تم فحص إمكانية فشل العملية والتبعات المترتبة عليها؟ وإن تم هذا بالفعل، هل أخذ بالحسبان الضرر الذي لحق بعلاقات إسرائيل الخارجية وطرق التعاطي معه وحسابات الربح والخسارة لعملية من هذا القبيل؟ تساؤلات ثم ما هو السبب الكامن وراء فشل إسرائيل في إقناع الرأي العام الدولي بوجهة نظرها حول السفينة قبل الإقلاع وعجزها عن تسويق روايتها للإحداث في الساعات التي تلت العملية؟ هل أخذ بالحسبان تأثير نجاح أو فشل العملية على الأمن الداخلي في الإسرائيلي وتحديدا على العلاقات بين مواطنيها العرب واليهود فيما لو أدت العملية إلى مقتل أحد قيادات الفلسطينيين داخل إسرائيل فيها وانعكاساته على الفلسطينيين في الضفة الغربيةوغزةوالقدس؟ وكما هو معلوم، ترفض الأردن مصر وتركيا بتاتا إجراء أي اتصالات مع إسرائيل من خلال وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان. في المقابل، يبدو أن العلاقات مع ليبرمان أكثر أهمية بالنسبة لنتنياهو من العلاقة مع هذه الدول. هل أثر هذا الموضوع على قدرة إسرائيل على إدارة سياسة خارجية أفضل، كان يمكن أن تجنبها - ربما - جزءا من تبعات ما يحدث الآن وما يسميه الإسرائيليون "كُره العالم لنا"؟ هذه المواضيع والأسئلة تشكل مادة دسمة لأشغال لجنة تحقيق إسرائيلية جدية إذا ما أرادت إسرائيل الإفلات من تكرار سيناريو لجنة غولدستون ولجان تحقيق دولية حول العملية وانتهاج غير سبيل الهرب. لكن هذا - إن حصل - قد يكلف المستوى السياسي الأول في الدولة العبرية وتحديدا رئيس الحكومة ووزير الدفاع في إسرائيل حياتهما السياسية وستتوقف ربما "عملية السلام في الشرق الأوسط" مع الإدارة الامريكية والفلسطينيين في انتظار تنظيم انتخابات إسرائيلية جدية أو على الأقل تشكيل حكومة إسرائيلية مختلفة. *خدمة سويس انفو .