مع قدوم الخامس من يونيو كل عام تتكرر التحليلات والأسئلة حول المسئولية عن تلك الهزيمة النكراء . وفى الحقيقة إن استمرار توالى النكسات حتى بعد تحقيق الانتصارات على العدو الصهيونى ( فى أعوام 1973، 2000، 2006، 2009) يظهر أن المسئولية يتحملها نحن الشعوب العربية التى لم تستطع استعادة حريتها وإرادتها وتحقيق استقلالها الوطنى والدفاع عن أمنها القومى طوال هذه العقود الممتدة من مطلع القرن الميلادى المنصرم وحتى الآن لمواجهة المشروع الصهيونى الذى يتمدد طوال القرن وينتقل من مرحلة إلى مرحلة، ويعيش الآن آخر مراحله وأحلامه فى السيطرة التامة على المنطقة وإجبار النظم والنخب الفكرية والسياسية والعسكرية ثم الشعوب على القبول به طواعية أوكرهاً . عند التأمل البسيط فيما حدث خلال الأسبوع الماضى الذى شغلنا فيه حدثان كبيران :- الأول: العدوان الصهيونى الغادر على قافلة "أسطول الحرية 1" وقتل 19 شهيداً تركياً ( لم يظهر منهم حتى الآن إلا جثث 9 شهداء والباقى قد يكون ابتلعهم البحر المتوسط) ومنع القافلة من المرور من المياه الدولية إلى شاطئ غزة ، والذى أظهر صلابة وشجاعة الشعب التركى العظيم وقدراته على مقاومة العلمانية الاقصائية والعسكرتاريا الطاغية والتغريب المتعمد. الثانى: العدوان البوليسى المصرى على انتخابات التجديد النصفى لمجلس الشورى والاستيلاء على أصوات الناخبين ومنع الشعب المصرى من اختيار نواب يمثلونه ويرفعون صوته ويطالبون بحقوقه، والذى أظهر ضعف ورخاوة الشعب المصرى وعدم قدرته على مواجهة السلطة الغاشمة ولو بغضب مشروع. الحدثات مرتبطان ، وقد ربط بينهما وزير خارجية العدو الصهيونى "ليبرمان" فى حديث له بالأمس القريب حيث قال: إن تركيا تتحمل المسئولية عن تدهور علاقاتها مع دولة الكيان الصهيونى وأصبحت تماثل إيران كما حدث عام 1979 بعد انتصار الثورة الإيرانية الإسلامية، وذلك بسبب نجاح حزب العدالة والتنمية ذى الجذور الإسلامية فى الانتخابات والتغيير الذى حدث بسبب ذلك فى المجتمع التركى. الإجراءات التى تم استخدامها فى الحادثين متشابهة وهى "القرصنة" و "السطو" واستخدام "الإرهاب" لتخويف الأبرياء المسالمين سواء الذين حملوا المساعدات والتبرعات على سفن اشتروها بأموالهم وشاركوا فى تجهيزها بجهودهم الذاتية، أو الذين ترشحوا لنيل ثقة المواطن المصرى وحاولوا الوصول إليه بدعايتهم الانتخابية وحثه على التصويت الإيجابى لتغيير وإصلاح مؤسسة دستورية هامة. السمت العام للمشهدين واحد تقريباً : بلطجة ، عدوانية، استخدام مفرط للعنف والقوة كما وصفه الرئيس "مبارك"؛ عدم احترام للقانون الدولى أو المحلى، احتقار للمراقبين الذين يرون ويسمعون ما يحدث، تعتيم إعلامى بكسر كاميرات المراقبة، واحتجاز رجال الإعلام، اعتقالات لمدد متفاوتة لأيام أو ساعات، إجبار على الابتعاد وعدم الإصرار على نيل الحق الطبيعى سواء لتوصيل المساعدات أو التصويت . الرعاية للبلطجة واحدة، والرعاة هم هم، الأمريكيون وإلى حد ما الأوربيون، والأوامر صدرت من جهة واحدة هى القيادة العليا فى البلدين، فى دولة الكيان الصهيونى من مجلس الوزراء المصغر، ومصر من الحزب الوطنى ورئاسته التى صرّح أحد كبار رجاله د. مصطفى الفقى بأن أىّ رئيس فى مصر لابد أن يحظى بدعم ورعاية أمريكية بل وصهيونية وهو الدكتور الفقى ليس مجرد قيادة حزبية وفقط بل مفكر عروبى ورجل دولة، وهو الذى صرّح فى تصريح نادر بأن تزوير الانتخابات ضرورة للحفاظ على النظام والأمن القومى . الخوف فى الحالتين واحد، هو الخوف من الناس العاديين وليس من القوات العسكرية أو العمليات الإرهابية أو محترفى العنف والقتل، النشطاء على ""سفن الحرية 1" لم يحملوا أسلحة أو مدافع ولم تحملهم زوارق حربية ولا بوراج ، والمرشحون للانتخابات فى مصر و مؤيدوهم لم يكن معهم سكاكين ولا عصى، وتوجهوا بسلام إلى مقار لجان التصويت فإذا بالضباط يعتدون عليهم بالرصاص الحى فى أكثر من مكان أو يردوهم على أعقابهم منكسرين إلى بيوتهم دون تصويت. الهدف فى الحالتين واحد وهوكما صرّح أركان دولة العدو الصهيونى : حماية أمن إسرائيل : ذلك الكيان العنصرى المغتصب لأرض فسطين، وكما صرّح أوباما وبلير وبايدن وغيرهم من ضرورة تفهم دواعى العدو الصهيونى وحاجته إلى الأمن، بينما تقوم النظم العربية بتزوير الانتخابات بضراوة أيضاً للحفاظ على أمن العدو الصهيونى، لأنه وكما يصرحون : إذا وصل المعارضون لسياستهم ونهجهم إلى الحكم أو التأثير فى القرار فسيدفعون فى مواجهة مع العدو الصهيونى وسيشعلون الحروب فى المنطقة ضد العدو الصهيونى وسيكررون الهزائم النكراء وتتوالى النكسات لأننا سنخسر تلك المعارك وننهزم فى هذه الحروب حيث أنهم لم يستعدوا لها طوال تلك العقود ولم يهيئوا الجيوش ولا أعدّوا الشعوب لمواجهة قادمة بل منّوا النفوس باستقرار (ظهر أنه زائف) وأمن (ظهر أنه مفقود) ورخاء ( تبدد مع الريح والأزمات ) وتنمية ( انكشفت أنها خرافة) و (ديمقراطية لم تتحقق أبداً خوفاً من غضب العدو والرعاة لهم). ولذلك نفهم لماذا هذا الإصرار على استمرار حالة الطوارئ فى دول الطوق جميعاً، ولماذا الإصرار على تزوير الانتخابات وإغلاق الطريق نحو تداول السلطة فى بلاد مثل مصر والأردن وسوريا (أما لبنان فوضعها مختلف ولها حديث آخر ) . هل نستحق استمرار تلك النكسات؟ هل نتحمل نحن المسئولية بدلاً من تحميلها للزعماء كما حدث فى حروب الهزائم فى 1948 ، 1956 ، 1967 ؟، أو كما حملنا السادات إضاعة ثمار النصر فى أكتوبر 1973 ؟. العدو واضح لا لبس فيه وهى الصهيونية ورعاتها فى العالم، أوروبا وأمريكا وإلى حد ما روسيا، والبداية الصحيحة هى الإصرار الشعبى على نهج المقاومة ودعم صمود المقاومة فى فلسطين ولبنان وكل مكان. والانطلاق للمواجهة والحل يبدأ من التغيير فى نفوسنا كشعوب والإصرار على استعادة الحرية للشعوب العربية والإسلامية وتغيير قواعد العمل السياسى فى بلادنا لامتلاك قرارنا بإرادة حرة مع إدراك تام أن المواجهة مع العدو طويلة ومستمرة على كل الجبهات وليست مجرد مواجهة عسكرية أو حربية. اليوم فى فلسطينالمحتلة حكومة يمنية عنصرية متطرفة يدعمها مجتمع عنصرى صهيونى يميل باستمرار إلى التطرف والعدوانية. وهناك فى المواجهة حكومات مثل "تركيا" التى تواجه بدبلوماسية هادئة بعد أن انضمت إلى المواجهة، وإيران التى تواجه بعصبية زائدة وتدعم حركات المقاومة لتصمد فى وجه العدو الصهيونى، وشعوب عربية وإسلامية ترفض التطبيع مع العدو وترفض وجوده من الأصل على أرض فلسطين وتتبرع لصالح الشعب الفلسطينى وحركات المقاومة رغم كل الاتهامات بدعم الإرهاب، وفى الصدارة شعب فلسطين صامد على أرضه وفى الشتات لن ينقسم على خيار المقاومة رغم كل المحاولات المستميتة لإحداث الانقسام. نقطة الضعف الرئيسية فى خطوط المواجهة طوال العقود الماضية والتى تسببت فى النكسات المتوالية هى نظم الحكم العربية التى سطت على الحكم دون تفويض شعبى، ونحن السبب لأننا لا نتحرك بضغوط جادة للحصول على حقنا الإنسانى الطبيعى فى انتخابات حرة دون تزوير ومجالس دستورية تعبّر عن إرادتنا الشعبية، وتداول للسلطة يحقق آمالنا فى الحياة الحرّة الكريمة حتى لا تتكرر النكسات والهزائم.