(إن الحركة الإسلامية بقيادة الإخوان المسلمين تتطلع إلى "الأستاذية" في العالم، لكن خطؤها القاتل هو ضعف قراءتها للتوازنات الدولية واعتمادها على خطاب ديني مغلق في اتجاه واحد، إنه خطأ قديم غالبًا ما يكون مآل مرتكبيه إلى زوال أو الانزواء( لماذا نَحِنُّ إلى الأشياء الجميلة والأحياء بناسها وأسواقها؟ لأنها تمثل ذاكرتنا وهويتنا وعلامة وجودنا، ننسحب إليها في أوقات المحن ونتدثر بلحافها فنصبح دافئين ومتآلفين مع بعضنا البعض، من الإسكندرية إلى الأقصر والفيوم، وصولاً إلى المنصورة والعريش ثم نعود إلى القلب، القاهرة، نرى أن هناك فئة من الناس تعبد الله ولا تعرف من السياسة سوى لعنتها على أسواقهم ومعاشهم ومآلهم، وآخرون لا يفرقون بين الشريعة والشرعية، وهناك البعض يتاجر في الغامض بينهما، فتصبح السياسة مشوبة بجو من الشك والفوضى والحيرة، باعتبار أن ممارستها عند بعض الفصائل تتأسس على منطق الطائفة بدل المؤسسة التي تحترم الرأي وتصوغه في اتجاه مصلحة الدولة وإعلاء سيادتها من أجل الاستقلال والريادة والرفاه، إضافة إلى تفعيل الإنتاجية. إن الحركة الإسلامية بقيادة الإخوان المسلمين تتطلع إلى "الأستاذية" في العالم، لكن خطؤها القاتل هو ضعف قراءتها للتوازنات الدولية واعتمادها على خطاب ديني مغلق في اتجاه واحد، إنه خطأ قديم غالبًا ما يكون مآل مرتكبيه إلى زوال أو الانزواء، وعندها يكون الخوف من الديمقراطية وما تحمله العملية السياسية من بديل قوي للتطرف الذي يجب دحره إلى الزاوية، حتى لا يصبح صوته عاليًا، وكان لا بد من العمل على المحافظة على مؤسسات الدولة بدل الانجرار إلى القبيلة التي دمرت العملية الديمقراطية بغباء سياسي لا نظير له. كان الأولى هو الانفتاح على كل مكونات الوطن وعدم الإخلال بأوضاع لا يمكن البث فيها بمعزل عن أي توافق إقليمي ودولي ويهم الأمن القومي المصري بالدرجة الأولى. نرى أن النداء بدولة الخلافة باستدعاء العقيدة بدل روح العقد الجامع لكل المواطنين، كان خطابًا غير موفق، وهو مجرد تعبير عن حلم يساور بعض الحالمين، إن الجيش هو ملك للأمة وليس لفصيل دون آخر، فهو مؤسسة لها تاريخ وعمق نسيجي مهم داخل المجتمع المصري، بالتالي كانت هناك محاولات لاستمالته والزج به في مغامرات لا يمكن للمجتمع ولا الظرف أن يتقبلها، وهو من مؤسسات الدولة التي يجب المحافظة عليه والاتكاء عليه وعدم دفعه دفعًا إلى ممارسة السياسة من قِبَلِ جميع الفصائل، فملمس السياسة بقفازات عسكرية تنطوي على ارتكاسات غير معلومة النتائج، ونتساءل: من قتل عشرات رجالات الجيش والشرطة ومن ضمنهم عميد بالجيش في سيناء؟ أليس غباء الإخوان ولن أقول بأيديهم؟ آشتون هذه الأيام تعرض وساطة الأوروبيين من أجل تدوير عجلة السياسة والتوافق بدل الارتكان إلى لغة العناد والتصلب والاستعصاء على منطق الحوار، وهذا هو البديل، حتى لا ينسلخ البلد من تسامحه وسقوطه في مستنقع العنف والتخوين. الإسراع في أخد المواقف المتزنة بدل أخذ الصور هو الصياغة البليغة لعقد الشراكة بين أبناء الوطن الواحد تحت سماء السلام. هل سوف ننتظر إلى أن يحكم القدر فيما آلت إليه الأمور، فالوضع ليس مثاليًا، بل هي فوضى منظمة، إن رسالة الإسلام جامعة تتصدر كل ما هو في خدمة الفرد والجماعة، وخيانة هذه الفلسفة جاءت من طرف من أقحم التأويل الديني في عالم السياسة، فهدم من حيث لا يدري لغة العقل والحوار في الخطاب الديني، وأصبحت لغة المصلحة السياسية الآنية والضيقة هي المتكلمة والغالبة، هذا ما يحدث في مصر الآن بعد الرجة التي قامت في 25 يناير 2011 ضد حكم مبارك، فأصبح نظامه من التاريخ الذي لم يكن الإخوان مشاركين في صياغة تطوراته، كعادتهم حيث كانوا يناورون ويفاوضون على مواقع وصفقات ليست سياسية فحسب، وإنما اقتصادية أيضًا. عندما نقلب الأرقام ونستقرئ غوامضها من يوم 25، يرجع بنا التاريخ إلى سنة 52، عندما أراد الإخوان جزءًا من الكعكة التي قالوا إنهم أوجدوا مستلزماتها فأضاعوا فرصة البناء وعادوا إلى الانزواء، ووصلوا مؤخرًا إلى الصندوق وربحوا رهان الأصوات فانتشوا بالسلطة ولم يربحوا الوطن ورفاق السلاح، فأضاعوا مرة أخرى الفرصة، هنا هل سينزوون ويضيعون فرصة المراجعة التاريخية؟.. يقولون بأيدينا وصلتم وبأيدينا سوف نهدمكم، لكن أليس لغة العقل والتسامح وممارسة السياسة بلا تكفير هى الأوْلى؟ لأن اللعبة بلا قواعد تدعو إلى البلطجة، كلمة لا نحبذها ولا نريدها بديلاً لمؤسسات الدولة، حتى لا نعود إلى زمن المرتزقة ومن يدفع أكثر يكون في أول القائمة، لا نريد الإقصاء فكرًا ولا سلوكًا ولا ممارسة سياسية، نرجو أن يعيد الكل حساباته في مصلحة الوطن الأم، حتى نعيد ميزان القوى إلى مجالاته السياسية بلا كفر بالصندوق والانتباه إلى تلك الفئات المحرومة والمهمشة، ونتساءل: من يحاول الإجهاز على الديمقراطية بمعناها الإيجابي لها، لكي لا نرى حشودًا تكفر بالكل وتكفر الكل وتضع الكل في سلة واحدة وتئول الأمور إلى برك مليئة ببقع نتنة وبلا لون؟ نرى أن تدخل مصر عصر الغفران بدل صكوك الغفران تمهيدًا إلى بناء مؤسسات ديدنها دولة القانون. نعم هناك تسلل لمنهجيات عاقرة في التدبير والتسيير على جميع المستويات، لكنها لا يمكن أن تسيطر على كل العقول وجميع المفاهيم الحرة التي تحترم معنى الإنسان في كينونته وتطلعاته لكي تتم عملية تحرير الذهنية من رواسب العبودية في مجالات عدة يتأسس عليها المجتمع الحاضر المُعَوْلَمُ بإرادته، أو لا، وإعادة النظر في آليات تعويم الديمقراطية من أجل الكل وليس فئة دون أخرى سياسيًا وأيديولوجيًا واقتصاديًا وثقافيًا حتى تتعمم لغة الجمع بدل الجماعة الدالة على منطق الخصومة.