في أواخر العام 1970، نجح المناضل اليساري المثقف، الطبيب "سلفادور الليندي" (62 عامًا) في الفوز برئاسة جمهورية شيلي بعد معاناة شديدة وفارق بسيط، وقد بذلت المخابرات الأمريكية جهدًا كبيرًا من أجل منع انتخابه عن طريق حيل معقدة في البرلمان التشيلي، لكن الأعضاء في النهاية صوتوا لتوليه الرئاسة بفارق بسيط، ليصبح أول رئيس "عقائدي" يتولى السلطة في أمريكا الجنوبية بطريق ديمقراطي سليم وبعد انتخابات شفافة، الليندي كان طبيبًا مثقفًا ينتمي إلى تنظيمات سرية ماركسية معظم سنوات عمره، قبل أن يبدأ طريقه إلى المشاركة السياسية في البرلمان والتي نجح فيها، ثم محاولته تشكيل تيار يساري معتدل متصالح مع الديمقراطية، غير أن وصوله إلى رئاسة الجمهورية أزعج كثيرًا الأمريكيين الذين أرهقهم الدور الذي يلعبه "كاسترو" في كوبا، ولم يكونوا مستعدين لقبول حكومة شيوعية أخرى في خاصرتهم، كما أن مصالح اقتصادية كبيرة كانت مهددة من أفكار الرئيس الجديد حول التأميم والإجراءات ذات الطابع الشيوعي، ومن ثم بدأت خطة إزاحة "الليندي" عن طريق دعم بعض الأحزاب الليبرالية وتمويل بعض النقابات الشعبية المؤثرة وصحف وإذاعات قوية لم تكن الفضائيات قد ظهرت وقتها من خلال شركات كبيرة ورجال أعمال تتعرض مصالحهم للخطر على يد "الرئيس الشيوعي"، ودفعت المخابرات الأمريكية عن طريق وسطاء عشرة ملايين دولار مساهمة في العملية، معظمها ذهب لصحف وإذاعات تشارك في الحملة، فوقعت سلسلة إضرابات في قطاعات النقل والتعدين، حيث يمثل هذا القطاع أهم ركائز الاقتصاد الشيلي وبدأت الاضطرابات الشعبية تنتشر تدريجيًا والمعاناة الاقتصادية التي أرهقت المواطن العادي تتعاظم، حتى أصبح يعاني من الحصول على حاجاته اليومية المعيشية، في الوقت الذي لم يحسن "الليندي" التواصل مع الخريطة السياسية، فخسر دعم حتى بعض الأحزاب اليسارية المقربة منه، فوجد نفسه شبه وحيد في النهاية، وعندما وقعت حادثة اغتيال مدبرة لثلاثة من ضباط الجيش التشيلي نصحوه بتغيير قائد الجيش الذي خاف منه، فسارع إلى إصدار قرار بعزله، ثم أصدر قرارًا سريعًا بتولية الجنرال "أوغسطو بينوشيه" قائدًا للجيش، دون أن يدري أن هلاكه سيكون على يد الجنرال الجديد الطامح للسلطة والقابع في الظل، وفي 11 سبتمبر عام 1973، ووسط حالة من الفوضى والاضطرابات الواسعة والهياج الشعبي نزلت الدبابات للسيطرة على المحاور الأساسية في العاصمة ومقر الإذاعة، ثم قام الجنرال بينوشيه، القائد الجديد للجيش، بمحاصرة القصر الجمهوري وطلب من "الليندي" أن يتقدم باستقالته، الليندي لم يكن رئيسًا مخمليًا، ولكنه مناضل أتى من محاضن التنظيمات السرية والسجون والنضال الصعب، لذلك لم يستسلم ورفض الاستقالة، مؤكدًا أنه الرئيس الشرعي، وحمل السلاح بنفسه ليشارك في الدفاع عن قصره وشرعيته مع مجموعة صغيرة من رجال الحرس الجمهوري وحرسه الشخصي، لكن قذيفة مباشرة من طائرة أنهت الأمر كله، وكتبوا بعد ذلك أنه انتحر بعد حصار قصره. كانت تلك، باختصار لأن التفاصيل كثيرة، حكاية صعود وزوال مشروع اليسار الديمقراطي في شيلي ورمزه التاريخي الكبير "سليفادور الليندي"، وكنت في إبريل الماضي، قبل حوالي أربعة أشهر، قد دُعيت من الدكتور أيمن علي مستشار الرئيس محمد مرسي، لمقابلته في مبنى المستشارية، لأنه انزعج من مقالات نقدية قاسية نشرتها في "المصريون" ضد ممارسات الدكتور مرسي وجماعة الإخوان، فرغب أن يوضح لي حسب قوله بعض الأمور، وبعد نقاش طويل سألني عن توقعاتي للأحداث، قلت له إنني أخشى ألا يكمل الدكتور مرسي مدته الانتخابية، بدا واثقًا من مكانة الجماعة وقدرتها على إدارة شئون الدولة، وعدد لي بعض المؤسسات وصف بعضها بالمعادي والبعض الآخر بالمتعاون، وكانت تقديراته معظمها خاطئة كما ثبت بعد ذلك، قلت له إنني أرى سيناريو الإطاحة بسلفادور الليندي يتشكل في مصر الآن، وأن انغلاق الجماعة وتعاليها على الواقع وسوء علاقاتها مع مكونات الحالة السياسية يعرض المشروع كله للخطر، ويهدد بقاء الدكتور مرسي في السلطة، وقلت له إن من الضروري جدًا الاستجابة لمطلب تشكيل حكومة وحدة وطنية تشارك فيها الأحزاب الرئيسية، وأن يكون لرموز المعارضة شراكة في السلطة خلال المرحلة الانتقالية الصعبة، حتى تستطيعوا مواجهة قوى النظام القديم القوية المتغلغلة في بعض المؤسسات، وقلت له إن شركاء الثورة لن يسمحوا لفصيل واحد بقطف الثمرة دونهم، مهما تحدثتم عن الشرعية وعن الصندوق، وأن النائب العام لا بد من حل مشكلته سريعًا، وقلت له إن مبادرة حزب النور ليست سيئة، وأنه من الواجب التفاعل معها بعيدًا عن الحساسية الحزبية الضيقة، كان يسجل ما أقوله في ورقة صغيرة أمامه، وعدني بأن تكون أمام الرئيس مرسي خلال أيام، توقف معي طويلاً عند كلامي عن سيناريو الإطاحة بالرئيس الشيلي "سليفادور الليندي"، فشرحت له القصة بتفاصيلها، بدا أنه استمتع بها كحكاية مدهشة ومسلية، وخرجت من يومها وأنا موقن أنه لا أمل في إصلاح الوضع، وأنهم اختاروا مسار النهاية بأنفسهم. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.