قبل سنوات كان الممثل محمود عبد العزيز يؤدي دوره ببراعة في فيلم بعنوان "يا عزيزي..كلنا لصوص"، وكان مضمون الفيلم يشير إلى أن الجميع في النهاية سوف يلجأون إلى السرقة إما بدافع الطمع، وإما بتبرير ذلك بأنهم عن طريق السرقة سوف يحصلون على ما يعتقدون أنه حقهم..! ويبدو أن مفهوم هذا الفيلم هو ما أصبح سائدًا الآن، حيث البعض قد أصبح على قناعة بأنه ليس مهمًا أن تكون لصًا وإنما المهم كم ستسرق وكيف..! وليس مهما أيضًا أن تكون لصًا مادام الناس لا تسأل وليس في مقدورها أن تتساءل عن، من أين لك هذا؟ وإنما هي في النهاية ستحني رؤوسها إعجابا أو نفاقا أو خوفا ممن يملك المال لأنه سيملك القوة والنفوذ وسيخلق لنفسه واقعا اجتماعيا جديدا ويمحو بأمواله الماضي وذكرياته..! والسيدة فادية عبد الحليم الشرقاوي الموظفة بمطبعة البنك المركزي وجدت أمامها أن هناك أموالا كثيرة يتم طباعتها، وأن في مقدورها أن تأخذ منه "رزمة" أو "رزمتين" كل يوم وتخرج بدون تفتيش ولا أحد يسألها ماذا تحمل وماذا في الكيس، وأحد أيضا لم يلاحظ شيئا..! والسيدة فادية لم تسرق مبالغ كبيرة، فقد بلغ جملة ما سرقته 2 مليون و800 ألف جنية فقط.. وهو مبلغ زهيد جدا بالنسبة لسيدة ثبت أنها كانت إلي جانب عملها في البنك المركزي تمارس عملا أخر كوسيطة في بيع الذهب حيث كانت تأخذ الذهب بالآجل من أحد التجار وتبيعه إلى تاجر آخر الذي كان بدوره يقوم بإعادة تصنيعه من جديد، وأن هذا العمل الذي تقوم به أوقعها في مشاكل مالية معقدة حيث وصلت مديونيتها عند أحد الجواهرجية إلي نحو سبعة ملايين جنيه..! ولأنها تخاف من الفضيحة والسجن لو أن الجواهرجي قدم للنيابة إيصالات الأمانة التي في حوزته فأنها قررت أن تسرق خزينة البنك المركزي لأن هذا أسهل أنواع السرقة..! وما فعلته فادية بسهولة في إقدامها على سرقة عدة ملايين من الجنيهات من "المال السايب" للشعب هو ما يفعله الكثيرون منا في كل زمان ومكان.. ولو أن هناك جهة رقابية مستقلة تملك السلطة والإمكانيات لإجراء بحث حقيقي وسؤال الجميع عن حقيقة ما يتملكونه ومن أين لك هذا لاكتشفت ولتوصلت إلى نتائج مذهلة ومخيفة ولاثبتت أن الفساد والسرقة عند البعض أصبحت "حلالا"..! فطبقًا للأجور والمرتبات والمكافآت السائدة لدينا فإنه لا يجود موظف في الحكومة يستطيع من خلال راتبه أن يقوم بشراء شقة أو سيارة، فما بالك إذا ثبت أنه يمتلك فيلا وشاليه وعدة سيارات وعدة ملايين من الجنيهات أيضا..! إن السيدة فادية التي تقول التقارير الأمنية أنها من قام بسرقة البنك المركزي هي نموذج لعصر التطلعات المادية وغياب القيم والأخلاق والوازع الديني، وهو عصر أصبح فيه كل شئ مباحا ومستباحًا..ولا يستبعد فيه شيئ، حتى لو سرقوا الهرم نفسه..! [email protected]